إنسانية فوتوشوبية مفبركة
النشرة الدولية –
النهار العربي – العنود المهيري –
حينما كنت في المرحلة الإعدادية تقريباً، كان الناس في مجتمعي يتناقلون بكثافة القصة المفجعة لفتاة قضت في جريمة شرف.
تقول القصة إن بطن الفتاة كان قد تضخّم وتكوّر بشكل مريب، ما دفع والدها إلى الاشتباه بحملها خارج إطار الزواج، فعقد العزم على أخذها إلى الصحراء المتاخمة لمدينته، والتخلص من “عارها”. وهنا يحرص السارد على ترديد توسلات الضحية، “أنا بريئة يا أبوي، والله بريئة”. إلا أن بكاءها لا يثني والدها، فيقتلها ويودع جثتها الكثبان الرملية.
ثم تختتم القصة المأساوية مع تأكيدات الطب الشرعي المتأخرة أن الضحية لم تحمل أبداً، بل كانت تعاني مرضاً معوياً.
تطلبني الأمر ردحاً من الزمن لأستوعب ما الذي جعل هذه القصة تكاد تكون الأشهر والأبرز بين قصص جرائم الشرف المخزية، وما الذي أهّلها لأن تلامس مشاعر مجتمعي الخليجي، فيتحزّب -على غير العادة- ضد الذكر، ويقرّ بظلمه.
لقد أدركت لصدمتي أن الناس لم يتعاطفوا مع الضحية إلا لقناعتهم بأنه كان يتعين على والدها التثبّت من حقيقة حملها من عدمه، وبالتالي أحقيتها في الموت من عدمه، قبل قتلها! لقد كانت إدانة لتسرع الأب في تنفيذ حكم الإعدام، لا إدانة لجرائم الشرف من حيث المبدأ.
وإنني أكاد ألمح الظاهرة ذاتها تتكرر مع قضية بسنت خالد، المراهقة المصرية التي انتحرت بعد ابتزازها بصور فاضحة.
لفتني تشديد كل التغطيات الإعلامية والبرامج الحوارية ومقالات الرأي، بل وحتى تغريدات المتعاطفين مع الضحية وتدويناتهم، على أن الصور الفاضحة كانت مفبركة ولا تمت لها بصلة. حتى خالد منتصر، المفكر الليبرالي العتيد، انتقد رفض البعض التصديق بزيف الصور، وبراءة بطلتها.
وأنا لا أعترض -بالطبع- على الدقة في نقل الوقائع والأحداث المحيطة بالقضية، وفي كشف ملابساتها. بل ليعرف العالم أجمع أن بسنت كانت ضحية للفبركة قبل الابتزاز.
ولكني أشعر بأن التركيز الحثيث والمتواصل على كون الصور ملفقة لم يكن بهدف التعجّب من سخرية الأقدار وقسوتها، حيث أنهت شابة في عمر الزهور حياتها بسبب حيلة تقنية خبيثة. ثمة معنى ضمني، معنى ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، معنى يخبرنا بأن بسنت “جديرة” بالتعاطف لأنها لم تلتقط تلك الصور الفاضحة فعلاً.
أجد نفسي مرغمة على التساؤل كيف كان ليكون رد الفعل في العالم العربي بأسره، تجاه الابتزاز، والفضيحة، والتنمر، والهمز واللمز، وأخيراً الانتحار، لو أن الصور كانت حقيقية لا غبار عليها.
بل ماذا لو كانت الضحية قد أرسلت تلك الصور الفاضحة بملء إرادتها، وفي لحظة من الحب والثقة والطمأنينة، إلى المتهم. هل كنا لنستهجن -وبهذه اللغة الحادة- ليّ ذراعها وتهديدها؟
هل أنا متشائمة وسوداوية، ومفرطة في التشكيك في دوافع المجتمعات الذكورية؟ ربما.
ولكن حينما ندقق في طبيعة التعاطف الذي تجده قضايانا النسوية، سنجد أن كثيراً منه “فوتوشوبي” مفبرك بقدر الصور الفاضحة.