تجريب المُجرّب!!
بقلم: محمد الرميحي

النشرة الدولية –

بعد أسابيع قليلة تلتئم القمة العربية في الجزائر، كعادة العرب، يريدون أن يعيدوا المجرّب تكراراً. لا أريد أن أستبق الحوادث، ولكني أرى أن نتائج تلك القمة (غير البيان المنمق) ستكون قريبة من الصفر. اللافت أن الإخوة في الجزائر قرروا أن يدعو قبلها الفصائل الفلسطينية من أجل أن يكون هناك اتفاق بينها. واضح أن معدّي الاجتماع في الخارجية الجزائرية لم يدرسوا تاريخ “الصراع الأخوي القاتل” بين القبائل، أقصد الفصائل السياسية الفلسطينية.

لم يكن أكثر من وجودهم متعلقين بأستار الكعبة قبل سنوات، وحلفهم المغلظ على الوحدة وتجاوز الانشقاق الذي نقضوه من دون أن تطرف لأحدهم عين بعد أيام (وليس أسابيع)، كما أن الخارجية الجزائرية ربما لا تعلم أن بعضهم قد رهن تماماً القضية عند “ولاية الفقيه”، وأصبح الاحتفال بذكرى قاسم سليماني في غزة أهم من الاحتفال بشهداء فلسطين السابقين واللاحقين، وأهم من عشرات يقبعون في السجون، بل إن العقلية هناك في غزة عقلية تنتمي الى الخرافة، فقد قال أحد قادتهم، وذلك موجود وموثق، أول ما بدأت جائحة كورونا أن “كورونا جاءت لقتل الإسرائيليين والأميركيين والعرب المطبعين”!، ولن تنال من أهل غزة كما ادعى. تصدمك هنا العقلية التي تقف وراء القرارات في غزة، وهي عقلية ليست لها علاقة بالواقع ومتعلقة بالتيه.

المفارقة أن فلسطينيي الداخل (الإسرائيلي) وقيادتهم (الإسلامية) وصلوا الى “تسوية” مع من احتل أرضهم وتناغموا معه، وهم من المساق السياسي نفسه (إخوان وإخوان). أما إخوان غزة في أرضهم، فإن التسوية بينهم وبين إخوانهم في الضفة  غير واردة. لقد انتظم جمعهم في القاهرة عشرات المرات، وصدرت بيانات وتصريحات لم تكن تساوي حتى الحبر الذي كتبت به، وأرضهم تقضم يومياً، ومصالحهم تتشتت وهم في تيه من أمرهم. المزايدة هي السمة الرئيسة بين الفصائل، وقد فوّتت تلك المزايدة الكثير من الفرص، وجلبت للشعب الفلسطيني الكثير من المآسي التي لا يزال يعاني منها، ولم يتعلم أحد، لا من أصدقائه ولا من أعدائه.

أما جبهة الأعداء، فرغم تشتت الأعراق والخلفيات الاجتماعية والتي قدمت من عدد من الثقافات والمجتمعات المختلفة، إلا أن الهدف واحد، ويتمثل في إطار سياسي تحكمه قواعد شبه صارمة لتحقيق ما يرونه من الحق العام لهم، وهذه القواعد لها مسمى “الديموقراطية”! وعلى الرغم من تحالفاتهم مع قوى مختلفة في دول شتى وفي أوقات مختلفة، إلا أن بوصلة تلك التحالفات هي المصالح العليا لهم، وإن اختلفت مصالحهم مع حلفائهم فضلوا مصالحهم.

في المقابل، فإن الصراع الفلسطيني، مع تشتته، فبعضه يرتهن كلياً الى الخارج لأسباب في الغالب لها علاقة بمصالح القيادات لا القضية، كما أن الديموقراطية ليس لها مكان، فلن تستطيع أن ترفع صوتاً مخالفاً لـ”حماس” في غزة، ولن تستطيع أن ترفع صوتاً مخالفاً في الضفة، وبعض القيادات أصبح لها من العمر نصف قرن على الأقل لم تتغير أو تتبدل! لا يحتاج القارئ لأن ينتظر ليعرف أن ما اتّفق عليه على الورق قد نسف، لأن حليمة لا تترك عادتها القديمة!

لم أستطع أن أستوعب أن التخلص من الفكرة القائلة بأن دعوة الإخوة في الجزائر للفصائل الفلسطينية لها علاقة بالأجندة الجزائرية المحلية أكثر مما لها علاقة بالأجندة الفلسطينية. ليس خفياً الصراع هناك بين الجزائر والمغرب، والأخير زاد شقة الخلاف معه بإقامة علاقته بإسرائيل، لذلك لا يجد المراقب إلا الربط بين الملفين.

بالتأكيد هناك في الجانب الفلسطيني من يعرف ذلك المنعطف، كما يعرف أن الوفاق بين الفصائل أصبح شبه مستحيل لكثرة ما تكررت المحاولة وفشلت تارة بعد أخرى، ولكنه ذهب الى الجزائر من باب (رفع العتب)، وهذا الباب لم يكن يؤدي في أي وقت الى طريق مفتوح، بل كان دائماً يأخذ من يدخله الى طريق مسدود.

من جديد القضية يتلاعب بها لمصالح خارجة عن الهدف الأساسي، فالفلسطينيون لو صفت النيات وشدت العزائم وبسطت الديموقراطية بينهم التي تُتيح ضخ دماء جديدة كما تسمح بحرية القول والتنظيم، لظهر من بينهم القدوة والقدرة، وبه يستطيعون معالجة قضيتهم بما تستحق من جد وأيضاً فهم العالم المتغير حولهم، بدلاً من الارتهان لأجندات أخرى ليس آخرها المحطة الجزائرية أو مزايدات قد ذهب ريحها.

زر الذهاب إلى الأعلى