عودة “الثنائي الشيعي” الى مجلس الوزراء اللبناني: بهجة ورَهْبَة
فارس خشان

النشرة الدولية –

الإستفاضة في ربط تراجع “الثنائي الشيعي” في لبنان عن قرار مقاطعة جلسات مجلس الوزراء بمصالح “داهمة” لإيران مرتبطة بمفاوضات العودة الى “الاتفاق النووي”، لا تُحاكي تصعيد أذرع إيران الأخرى في المنطقة، بل تبدو على تناقض تام مع الخطوات السلبية سواء تلك التي يُقدم عليها “عراقيو إيران” من خلال التفجيرات التي تستهدف القوى المناوئة في بغداد، في ضوء تصديق المحكمة الإتحادية على نتائج “الهزيمة الانتخابية”، أو “حوثيو إيران” الذين وسّعوا دائرة عدوانهم لتشمل بالإضافة الى المرافق والمرافئ المدنية السعودية، مطار عاصمة الإمارات العربية المتحدة، في ضوء الخسائر العسكرية الفادحة التي يُلحقها “تحالف دعم الشرعية في اليمن” بهم.

في واقع الحال، إنّ مصلحة إيران، حالياً، تكمن في فصل الملفات عن بعضها البعض، في حين أنّ المجتمع الدولي هو الذي يتطلّع الى هذا الربط، على اعتبار أنّ المشاكل مع إيران لا يختصرها الملف النووي بل تمتد الى المعاناة من “نشاطاتها الخبيثة” في المنطقة التي تتولّى أذرع إيران القسم الأكبر منها.

وإذا كانت إيران تطمح الى عودة مريحة ومربحة الى “الاتفاق النووي” الذي تدور حولها المفاوضات في فيينا، فإنّها تعمل، في المقابل، على تحصين “أذرعتها” في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، حتى تتمكّن، في المرحلة المقبلة، حيث سوف يتركّز البحث على “نشاطاتها الخبيثة”، من رفع الثمن وبالتالي من حصد الأرباح المادية والمعنوية.

وقد تعرّضت هذه الأذرع، في الآونة الأخيرة، لضربات موجعة من شأنها أن تُثير قلق إيران: في اليمن، تراجع “الحوثيون” عسكرياً، بشكل دراماتيكي، في وقت كان التسويق، على قدم وساق، لإعلان انتصارهم الكبير في مأرب، وفي العراق، خسرت القوى الحليفة لإيران الانتخابات النيابية، بشكل مذل، وفي سوريا، تواصل إسرائيل، وفي ظل موافقة ضمنية من روسيا، غاراتها الموجعة على القوى الإيرانية والميليشيات الملحقة بها، وفي لبنان بات الجميع يتلمّس أنّ قوّة “حزب الله” العسكرية الحاسمة تحوّلت وبالاً عليه، فاندفعت غالبية لبنانية الى تحميل هذا الحزب مسؤولية تعميق المأساة التي تعصف بالبلاد، في وقت صدرت إشارات معبّرة جداً عن بدء توافر إرادة وطنية لمواجهة سطوته، ولو كان ثمن ذلك مرتفعاً، وسط سخط دولي قادته فرنسا التي تسلّمت رئاسة الإتحاد الأوروبي.

وتأسيساً على ذلك، فإنّ البعد المحلّي لتراجع “الثنائي الشيعي” عن قرار مقاطعة جلسات الحكومة، من دون إنجاز الشرط الذي رفعه والهادف الى الإطاحة بالمحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، يغلب على أيّ بعد آخر.

وعليه، ليس من “قبيل النكاية” الإعتقاد بأنّ “الثنائي الشيعي” عموماً و”حزب الله” خصوصاً، قد مُني بخسارة سياسية في لبنان.

ولكن، لماذا ارتضى هذه الخسارة؟

هناك فرضيات كثيرة جواباً عن هذا السؤال.

البعض يعتبر أنّ الضغط الشعبي كان أقوى عليه من الضغط السياسي أو الدبلوماسي، إذ إنّ إقدامه على شلّ مجلس الوزراء بدأ يلحق أضراراً كبيرة أصابت بيئته الحاضنة ومصالحها المباشرة.

البعض الآخر يرى أنّ “حزب الله” تحديداً، وفي ضوء الوضع الإقليمي الذي لم يعد يميل لمصلحته إستناداً الى الإشارات القوية الواردة من اليمن تحديداً، إرتأى أن يضع حدّاً للخسائر التي تلحق به لدى غالبية لبنانية تتكوكب ضدّه، وليس سرّاً أنّ “الثنائي الشيعي” عندما علّق مشاركته في الحكومة كان “حزب الله” يروّج لانتصار حوثي في اليمن يبدأ بالسيطرة على مأرب.

البعض الآخر، يجد أنّ هناك صفقة مخفية بين القوى السياسية المؤتلفة في الحكومة، بحيث تترافق عودة “الثنائي الشيعي” الى مجلس الوزراء مع تجميد التحقيقات في ملف مرفأ بيروت، إذ إنّ المحقق البيطار ينتظر قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي لم تعد قادرة، في ضوء خروج أحد أعضائها على التقاعد، من توفير النصاب القانوني لاجتماعاتها، وتالياً، فإنّ القوى السياسية تتواطأ مع هذا الثنائي، بحيث ينتقل السلل من مجلس الوزراء الى الهيئة العامة لمحكمة التمييز، الأمر الذي يثير ريبة وغضب جميع المعنيين بالوصول الى الحقيقة في ملف المرفأ عموماً والمتضررين وأهالي الضحايا خصوصاً.

وثمّة من لا يرى سوى “عاصفة سوداء” مقبلة على لبنان، وما قرار “حزب الله” تحديداً بالعودة الى مجلس الوزراء، سوى خطوة لتوريط هذه المؤسسة الدستورية، ومن خلالها سائر اللبنانيين، بما يمكن أن يُقدم عليه.

أصحاب وجهة النظر هذه لا يؤمنون بأيّ فصل بين “حزب الله” والقوى الشبيهة له في المنطقة، بل يعتبرون أنّ جميعهم يتحرّك، بموجب أمر عمليات موحّد.

وعلى هذا الأساس، فإن هؤلاء يرون أنّ “حزب الله”، وفي محاكاة لتصعيد أذرع إيران في اليمن ضد الإمارات والسعودية وفي العراق ضد القوى المناوئة لهم، يُحضّر لعمل أمني خطر في لبنان، مثل عملية اغتيال نوعية أو استهداف السفارة الأميركية بطائرة مسيّرة أو خلاف ذلك.

ولا ينطلق أصحاب هذه النظرية “السيّئة النيّة” من فراغ، بل يذكّرون بأنّ “الثنائي الشيعي” قاطع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لمدة شهرين في كانون أول(ديسمبر) 2005 حتى شباط(فبراير) 2006، ليؤوب إليها، في مرحلة شهدت اغتيالات مهمة وحرباً مدمّرة، قبل أن يعود ويستقيل منها ويشلّ البلاد ويجهّز لذاك السابع من أيّار (مايو) الشهير.

على أيّ حال، فإنّ عودة “الثنائي الشيعي” الى مجلس الوزراء ليست بسبب الخوف على الأوضاع المالية والإقتصادية والإجتماعية، فهو قرّر المقاطعة وكانت الكارثة تضرب يميناً ويساراً، كما أنّها ليست بسبب “تبرئة النفس” من تحمّل مسؤولية الإنهيار، فخطاب قادة “حزب الله” كان يرمي المسؤولية، ومن دون أي رادع، على خصومه عموماً وعلى السلطة القضائية خصوصاً.

إنّ لهذه العودة خلفيات أخرى: المتفائلون ينسبوها الى انتصار قرار المواجهة، أمّا المتشائمون-وهم الأكثر حكمة وفق التجارب اللبنانية-فيخشون أن تكون خطوة الى الوراء للقفز بالبلد خطوتين إضافيتين في…الجحيم.

زر الذهاب إلى الأعلى