من خزائن الدبلوماسيين.. مذكرات أبو الحسن
بقلم: عبدالله بشارة

النشرة الدولية –

أضاف الدبلوماسي محمد أبو الحسن وثيقة مهمة خرجت من مأساة الكويت، سجلت تعامل مجلس الأمن الدولي مع تلك الكارثة، في سرد واضح منذ سعي السفير الأميركي بحثاً عن سفير الكويت في الأمم المتحدة الذي كان مرتبطاً على عشاء، وتبدأ حروف الوثيقة من تلك اللحظة حتى منتصف التسعينيات مع إتمام رسم الحدود، وتبني مجلس الأمن القرار 833 الذي يسجل مباركة الأسرة العالمية للانتهاء من ذلك الملف، الذي تلاعبت به الأنظمة العسكرية العراقية منذ إطاحة الشرعية التاريخية، والذي طوعه صدام حسين ليجعل أسلوب تعامله معنا، مرة عبر علاقات ثنائية خاصة بمشروع معاهدة قدمها وزيره سعدون حمادي إلى المرحوم الشيخ صباح الأحمد في فبراير 1990، ورفضته الكويت بقوة، من يقرأ تلك العبارات يتعرف على النوايا الشريرة..

يتابع السفير أبو الحسن ومساعدوه انطلاق مجلس الأمن في تعاضده وفي تعامله مع حجم الأضرار، بتماسك وإصرار يعكسان رفض الأسرة العالمية للغزو ومعارضة غلاظة التفسيرات العراقية، ورغم الصدمة والغضب، فقد كان سلوك السفير ومساعديه هادئاً، عارفاً بأن الزمن ليس للغضب وإنما للإسهام الملتزم بالمبادئ التي يحميها مجلس الأمن، وكان طغيان الهدوء أبرز الآليات التي التزم بها السفير أبو الحسن في رحلة الأهوال والأحزان، والتصق هذا النهج الهادئ بأداء وفد الكويت حتى الاقتراب من ذلك اليوم التاريخي في 29 نوفمبر 1990، الذي أقر فيه مجلس الأمن بحضور وزير خارجية الولايات المتحدة (جيمس بيكر) الذي ترأس الاجتماع وقطع ملايين الأميال متجولاً في العواصم للحصول على موافقتها على القرار الذي يفوض الأمم المتحدة بتحرير الكويت بالقوة تنفيذاً للمبادئ التي جسدها الميثاق، وبحضور معظم وزراء الخارجية.

كان المرحوم الشيخ صباح الأحمد ممثل الكويت، ورافقته في تلك الرحلة إلى نيويورك وألقى كلمة عبر فيها عن موقف الكويت الحريص على انتهاء الغزو باستجابة العراق لهذا القرار تحاشياً للدمار الذي قد يتعرض له.

كما قدم الشكر والتقدير من الشعب الكويتي وحكومته لأعضاء المجلس، وقد اعترضت كل من اليمن وكوبا على القرار وامتنعت الصين عن التصويت.

وبعد صدور هذا القرار الفاصل في واقع الغزو، بدأت سلسلة من المبادرات لإقناع العراق بالانسحاب، منها مبادرات من المجموعة الأوروبية، ومن عدم الانحياز، واقتراح فرنسي لعقد مؤتمر دولي لمعاجلة جميع المسائل العالقة في الأمم المتحدة بما فيها احتلال العراق لدولة الكويت، ومساعي الأمين العام للأمم المتحدة الذي قابل صدام يوم 13 يناير 1991، ويشير الكاتب إلى خيبة الأمل التي تسيدت أجواء الأمم المتحدة.

ويضيف الكاتب أن الأمين العام للأمم المتحدة القادم من بيرو، والمتشبع بضرورات التنقيب عن الحل السلمي، لم يفقد الأمل، فقد وجه نداء آخر إلى الرئيس العراقي وحكومة العراق يحثهم على قبول العراق لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لكن صدام لم يستجب للنداء، إلا أن الأمين العام لم يتوقف، ويعود ذلك إلى الثقافة اللاتينية في الالتزام بقانونية التصرف، وأراد أن يثبت للعالم بأنه لم يقصر في البحث عن حلول في كل الزوايا.

كما لم تتوقف جهود الاتحاد السوفيتي لإقناع العراق بوضع حد للمأساة، وكان بريماكوف المبعوث الخاص يطرح مقترحات عدة لا تخلو من محاباة للرئيس العراقي، ورغم ذلك فشلت مساعيه.

لكن التخوف لدى الكويت ووفدها، كما يكتب أبو الحسن، تولد من لقاء جنيف يوم 14 يناير 1991، بين وزير خارجية أميركا جيمس بيكر، والوزير العراقي طارق عزيز، الذي قرأ نسخة من رسالة الرئيس بوش إلى الرئيس صدام وخاف من نقل محتواها إلى رئيسه لما تتضمنه من حزم وتهديد، وفشل اللقاء.

ويصف أبو الحسن الحالة التي طغت على أعضاء الوفد الذين تخوفوا جداً من احتمال قبول صدام حسين التفاوض مع الولايات المتحدة، أو مع مجلس الأمن كهيئة مسؤولة عن حفظ السلام، وقد تتحول قضية الاحتلال إلى مساومات خلال فترة التفاوض بينما الشعب الكويتي يعاني أثقال الاحتلال وسلوك الغزاة الخالي من الحس الإنساني، وقد يجد مجلس الأمن نفسه في حالة من الشد بين العزم واللين انتظاراً لمعرفة حصيلة المفاوضات.

لكن تصلب الرئيس صدام حسين أنقذ الكويت وشعبها من غلاظة الانتظار ومن لكمات المفاجآت، والمهم أن جهود الأمم المتحدة ومساعي دول التحالف أدخلت القناعة لدى الأسرة العالمية بأن العراق أغلق جميع المنافذ للحلول السلمية، وأنه يتحمل حصيلة المواجهة التي أرادها رغم حسن النوايا التي أظهرها التحالف والأمين العام للأمم المتحدة.

ويهمني كثيراً كمتابع للتموجات في مسار الغزو والتحرير أن يتوقف القارئ والمتابع عند ما نسميه مساعي أصحاب النوايا الحسنة من الدول الأعضاء، ففي تقاليد الأمم المتحدة يتواجد دائماً من يعرض دوراً للتوسط لكسر التصلب، ولم ينج ملف الغزو من هذا النهج..

يقول الكاتب إن الكويت انزعجت كثيراً من تحركات المندوبين الدائمين لدى اتحاد المغرب العربي، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا، لأن جميع هذه الدول باستثناء المغرب لم تصوت ضد الغزو خلال القمة العربية في القاهرة في العاشر من أغسطس، ثم دخلت هذه الدول في تشاور مع وفدي اليمن وكوبا، وهما دولتان معارضتان لجميع قرارات مجلس الأمن، مقدمين اقتراحاً بأن يعقد مجلس الأمن جلسات علنية لتدارس العمليات العسكرية المستمرة واحتمال ايجاد بديل عنها يجنب العراق هذا الدمار الهائل الذي تشير إليه وسائل الإعلام العالمية.

ويسجل أبو الحسن انزعاج الكويت من هذا المسعى الذي يفتح المجال للمداخلات من قبل الجميع، سواء الأعضاء في المجلس أو غيرهم، بما ينقل الملف كله وخطورته وجديته إلى ترطيبات وتجميلات تمس جوهر القرارات حول تحرير الكويت.

ورغم رفض الدول الرئيسية في التحالف الدولي، فقد اقترحت بريطانيا حلاً وسطاً جوهره عقد جلسات رسمية مغلقة لمجلس الأمن تقتصر على الأعضاء ويشارك فيها كل من العراق والكويت.

وهذه ظاهرة مستجدة جاءت من سابقة نفذها مجلس الأمن حول الصحراء الغربية.

المهم أن مجلس الأمن عقد جلسات عدة في 14 و15 و16 فبراير 1991، وتحدث مندوب الكويت مرتين خلالها.

ولم تترك كوبا هذه المناسبة من دون تدخل حيث قدمت ثلاثة مشاريع:

1- يرسل المجلس بعثة من مراقبي الأمم المتحدة للإشراف على وقف العمليات العسكرية الهجومية.

2- يدعو إلى نشر قوة لحفظ السلام في المنطقة.

3- يدعو إلى ضرورة قبول العراق وبشكل سريع قرارات مجلس الأمن.

جاءت هذه الأفكار فحركت العراق لأن يبلغ الأمم المتحدة يوم 15 فبراير 1991 بأنه مستعد للتعامل مع مجلس الأمن على أساس القرار 660، الداعي للانسحاب التام للوصول إلى حل سياسي ومقبول يتضمن:

1- وقف إطلاق النار بصورة كاملة وشاملة.

2- إلغاء قرارات مجلس الأمن الإحدى عشرة المتعلقة بالحالة بين الكويت والعراق.

3- انسحاب القوات المشاركة في العدوان من الشرق الأوسط.

4- انسحاب إسرائيل من فلسطين والأراضي العربية المحتلة.

5- ضمان للعراق من حقوق إقليمية وبحرية وتاريخية تامة وغير منقوصة في أي حل سلمي.

6- وضع ترتيب سياسي يتفق عليه استناداً إلى إرادة الشعب ووفقاً لممارسة ديموقراطية حقيقية.

وتم رفض هذه المطالب التي تولدت من أوهام السطوة.

كما تم رفض مقترح السلام السوفيتي مع تغير الأحوال على الأرض مع إعلان الولايات المتحدة يوم 26 فبراير 1991 أنها ستوقف العمليات العسكرية اعتباراً من منتصف ليل 27 فبراير 1991، بتوقيت واشنطن.

في يوم 2 مارس 1991، وقبل التصويت على قرار مجلس الأمن 686، قدمت كوبا تعديلاً بدأ بوقف إطلاق النار من دون شروط وحذف كل الإشارات إلى الأحكام المتعلقة بجميع الوسائل اللازمة الواردة في القرار 678، ورفضها المجلس نهائياً، وبعدها انتقل مجلس الأمن لاعتماد القرار 686.

وفشلت كوبا، كما فشلت مساعي روسيا والصين وفرنسا، في إدخال تعديلات حول رفع الحظر النفطي عن العراق.

ومع إعلان واشنطن وقف إطلاق النار وتحرير الكويت، دخلت الولايات المتحدة والتحالف مع العراق في ترتيبات صفوان التي جاءت انقاذاً لنظام منهار مع ثورة الجنوب، مستفيداً من السماح له باستعمال الطائرات، وترك الثوار بلا غطاء.

ويبقى قرار وقف إطلاق النار مثار جدل دائم لأن أبواب بغداد مفتوحة لإسقاط صدام حسين وزمرته، وتساؤلات حول مسببات الاستعجال لأن صدام لا يستحق شهامة المنتصر.

شكراً للسفير أبو الحسن.

زر الذهاب إلى الأعلى