سبد بهي الدين مجروح منقد الشعر الافغاني
النشرة الدولية –
نزهة عزيزي –
عندما حدثتني كريستيل ، صديقتي بالعمل عن الشاعر سيد بهي الدين مجروح وعن شعر نساء باشتون في أفغانستان، كانت تتحدث عن زمن غابر باحساس شديد، وإذا بها في الأسبوع الماضي تدخل مكتبي وفي يدها كتاب، وقالت: نزهة أهديك كتاب مجروح، لن افسد عليك متعة إكتشافه، سأقول فقط انه قنبلة من الاحاسيس الإنسانية واطرقت بعينيها الخظراوتين خلف نظاراتها السوداء: لن تتصوري كم شدَني وحبس أنفاسي ،لم أتركه حتى وانا في حوض حمامي قراته في ظرف يوم ولا يحدث معي هذا إلا نادرا؟
في زحمة عملي اليومي، نظرت إلى الكتاب لبرهة فالكتب كالأشخاص تتصادف معها او تتصادم معها، وأعترف أنَ كريستيل ذات حس راقي في الأدب وأننا نقضي وقتا ممتعا في الحديث عن الكتب حول فنجان قهوة المكتب.
وكعادتي قبل أن اقرأ أي كتاب، كتبت إسم المؤلف على الشيخ “قوقل” فإذا ويلكيبيديا تسرد حياته ومؤلفاته هو سيد بهي الدين مجروح، واحد آخر من الذين إغتالتهم الظلامية في باشوار في باكستان، ينحدر بهي الدين مجروح من أصول أفغانية وهوخريج جامعة مونبلييي بفرنسا دكتراه في الفلسفة والادب ،تبنى قضية وطنه وسعى لتحريره من الروس ومن النظام القائم ، لكن ماشد كريستيل وشدني ليس الماضي السياسي الحافل للرجل وإنما ذلك المنعرج الجميل على مؤلفه الإنتحار وغناء الشعر الشعبي لنساء باشتون مترجم ومقدم من طرف اندري فيلتر والكاتب نفسه. دار النشر قاليمار2010
الكتب الجميلة كالحب تتعثر بها في فصول لم تتنبأ لك بها نشرتك الأدبية، عندما تفتح الصفحة الأولى لأي كتاب، كأنك تمد يدك لمصافحة الكاتب أولا وتكهَن في عينيه ملخصا عما سيفاجئك به حتما، مدخل الكتاب لوحة مقتضبة وحزينة لمصرع رجل وإمراة في ساحة عامة كتب في اسفل الصفحة منقول من “ضحك العشاق” فقلت في نفسي ماذا يدس لك كاتب عندما يصدمك بهذا الكم الهائل من الحزن في اول صفحة كتابه ، هل ستفتح الصدمة شهيتك لتقرأ ما سيأتي أم انك ستلغي مشروع القراءة؟
فتحت الكتاب كمن يختلس توقفا للوقت فإذا بي اقفز بين شلالات شعرية فريدة من نوعها، جمال عفوي، نوابع من أحاسيس مختلفة، لوحات واطياف من مشاعر إنسانية كأن الكتاب ينبضّ؟ٍّ لكن قبل أن اقدم لكم مقتطفات شعرية من الضروري الوقوف على الإطار والنسق الاجتماعي للمولف، نحن امام كتاب ناذر أخرج للنور موروث شعري شفهي كتبته نساء قبيلة باشتون في أفغانستان والتي تمثل أكثر من 42% من نسبة سكان أفغانستان وهي متواجدة أيضا في باكستان نتيجة النزوح الكبيرالذي عرفته خلال الحرب الدائرة، والتي يدفع فاتورتها منذ أكثر من ثلاثون سنة الأفغان. نحن أما مجتمع قبلي ذكوري من الدرجة الأولى تحتل فيه المرأة مكانة الخادمة التي لا تتمتع باي حقوق رغم دورها البناء في المجتمع القبلي فهي من يزرع الأرض ويحصدها وتهتم بالأطفال والماشية وتسقي الماء تعمل بشقاء من بزوغ الشمس إلى غروبها دون حق للتدمر او الرفض، المراة هي مخلوق من الدرجة الثالثة لا ترقى ابدا لمكانة الرجل بل هي موجودة لخدمته وإشباعه، هي تلك السلعة التي يقايض بها، لماذا ارسم للقارئ هذه اللوحة الإجتماعية لمعناة هؤلاء النساء لانهن رحم الألم الذي انتج للادب الإنساني شعر “اللنداي” هكذا يسمى هذا الشعر الشفهي، كلمة لنداي باللغة الباشتونية (لغة هند إيرانية) تعني “المختصر” هو شعر حر جد قصير في مقطعين لفظيين بدون وزن.
حاول مجروح في كتابة جمع أكبر عدد من هذا الموروث الشفهي الشعبي الذي أبدعته النساء في مجتمع ذكوري مغلف يعاقب الحب بالقتل ولا يتوانى على قتل العشاق امام الملأ، الحب جريمة والنساء أكثر من يدفع ثمن الحب بالقتل فالمراة تزوجٌ دون موافقتها وتكره على كل الأشياء في الحياة حتى على الامومة، فينشا الأطفال دون حب لان الذكور لا يحسنون معاملة الام وعندما يجزُون في المعارك لا تجد في اللنداي رثاءا كما رثت خنساء العرب أخوه صخرا، المراة الباشتونية تصرخ، تحب ،وتعشق في اللنداي، تحرر الانسان تحرر الألم ، تسخر من رجل أُرغمت على الزواج منه، من مجنمع ذكوري مدلل وغير ناضج.
من رحم الألم نبتت ببساطة أشعار النساء الباشتو نيات كالأزهار البرية، كالجبال، كغرس منتظم بدون وجل ولا تنسيق مسبق، هي بوح في مجتمع ذكوري يحرًم كل مساحات التعبير الفردية ، ويضيف مجروح بان المرأة الباشتونية تظهر بوجه رائع لانها تعبر عن نفسها وعن العالم من حولها وبالاخض عن ثورتها، فهي تختار الانتحار من اجل الحب والحرية رغم المجتمع الرافض لفكرة الانتحاربحكم الدين فهي أشجع من الرجل فهي تخاطروتلقى حتفها بشجاعة، مواضيع اللنداي لا تقتصر على الحب فقط بل أيضا جزء كبير منها يعالج قضايا الشرف والموت.
أنا أحب وأحب ولا أخفي ذلك حتى لو إنتزعوا بالسكين كل شامات جسدي ضع فمك على فمي، لكن أترك لساني يحدثك عن الحب فمي لك إفترسه لا تخف، ليس سكرا ليذوب غدا الجائعون لحبي سيشبعون، لأني سأعبر القرية بوجه عار وشعر منسدل مع الريح خدني أولا في أحضانك وضمني، ثم أدر وجهي وقبل شاماتي الواحدة تلو الأخرى عشيقي يطلب قبلة بين أغصان التوت، وأنا أتسلق من غصن إلى غصن لأعطيه شفتاي.
الشاعرة الباشتونية تدعو الرجل للحب لكنها لا تجذبه بالعذوبة والحنان بل تستفز شرفه وجراته تريد منه أن يخاطر من أجلها، فهي تلعب بنار ستحرقها فيى النهاية إذا أكتشف أمر حبهما بقربك انا جميلة أهديك شفتاي وذراعاي وانت كجبان تستسلم للنوم إذا بحثت عن دفء أحضاني يجب أن تخاطر، وإذا كنت تخاف على رأسك قبَـــــل الغبار وليس الحب.
أساوري يا حبيبي سيرشدك لطريقي.
تعالى كن وردة في صدري، انعشها كل صباح بضحكاتي.
ليحرمك الَرَب من كل اللذات في سفرك، لأنك تركتني أنام بجمري.
وظبت سرير صدري وعشيقي منهك يتبع طريقا طويلا للوصول إلي.
تعالى يا حبيبي لأعطيك شفتاي، هذه الليلة رايتك تموت فجننت.
أيها الديك أخَر غناءك، ألتحق لتوي بأحضان عشيقي.
تركت لك كل مزايا شفتاي، لا تبحث عبثا عن عقد حزامي.
إذا كنت لا تعرف كيف تحب لماذا أيقظت قلبي النائم.
سكـرتً لأنني ابتسمت لك، ستجن إذا أهديتك شفتاي .
لم تقتصر أشعار اللنداي على دعواة للحب كما يراها البعض بل عكست معاناة شعب بأكمله من ويلات الحرب لقد تعرض الباشتونيون لإبادة لا مثيل لها، فتطرق الشعر لمواضيع الدعوة للجهاد، الحنيين إلى الوطن الام، الشرف والبطولة وطغى طرح المنفي والابعاد القهري عن الوطن و الحبيب ، جرح لا ينضب حيث يذهب العشيق للحرب دون رجعة
أيها الهواء القادم من الجبال حيث يحارب عشيقي، بأي رسالة تأتيني؟
والريح يجيب: رسالة عشيقك البعيد، رائحة بارود المدفع وغبار الاطلال التي أسحبها معي.
العيش على أرض المنفى حطم قلبي، يا ربي أرجعني لأحضان جبالي.
إلهي خد بصري ، لقد ذهب عشيقي لا اريد رؤية وجوه أخرى.
اصقائي ايهما أختار العزاء او المنفى جاآ إلى بيتي.
هذه مقتطفات من شعر بنبض بالحياة وحب الحرية يشبه شخصية الشاعر الكبير سيد بهي الدين مجروح الذي اٌغتيل في ظروف شنيعة، وفي خاتمة كتابه يشيد فالتير اندري عن شجاعة الاديب لانه كان مدركا للخطر الذي يتربص به وجاء لفرنسا لتوضيب الكتاب قبل نشره ولا يسعني من هذا المنبر إلا ان أقف وقفة إجلال على روحه وفكره الحر الذي دعى دوما لحرية وطن بأكمله ونادى بحرية الافراد وخصوصا المرأة. فهو وريث لجلال الدين الرومي وعمر الخيام وديدرو ترك لنا نصيبا كبيرا من الادب في مؤلفين “مسافر في منتصف الليل” “وضحك العشاق”.