بهاء الحريري: الاسم الثلاثي على الهوية لا يصنع زعامة
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
لم يخطر في بال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان قصة الأمين والمأمون من الممكن ان تتكرر او تعاد أحداثها عبر التاريخ لان عبرتها كانت بالغة الدلالة والأسى بين الأخ الشقيق وأخيه، لكن الْمُلْك عقيم.
يوم استشهد الاب تقاطر الناس بالآلاف الى قصر قريطم تعبيراً عن حزنهم وسخطهم لاستهداف رئيس الحكومة السابق، والزعيم الذي تجاوزحضوره حدود بلده فأضحى شخصية لها وزنها وحضورها العربي والدولي. وفي لحظة من الزمن صب هؤلاء عاطفتهم باتجاه ابنه البكر بهاء، رفعوه على الاكتاف اعتقاداً منهم ان الولد البكر وجرياً على العادة سيكون الوريث لزعامة ابيه، وهذا كان ظنه ايضاً. لكن الحظ لم يكن حليفه، فأساءت تقديمه للناس عبارة «يا قوم» التي قالها محاولاً تهدئة روع الناس والتخفيف من سخطهم. تلك العبارة أوحت بأن الشخص الآتي انما هو غريب عن لبنان، سريع الغضب. فشل بهاء في التقاط اللحظة، وعاد من حيث أتى، ولم يقرّب استشهاد والده المسافة بينه وبين جمهور «المستقبل» الذي لم يكن يوماً من الايام واحداً من محازبيه.
ولم تطل الايام حتى صدر القرار السعودي المدعوم فرنسياً بتنصيب سعد رفيق الحريري وريثاً سياسياً شرعياً لوالده رفيق الحريري بدلاً من بهاء. رحبت العائلة ولا سيما زوجة الاب السيدة نازك رفيق الحريري والاسرة المالكة في السعودية. المقربون من بيت الحريري يرون ان سعد الحريري كان الأقرب الى والده، والى جانبه باستمرار. نتيجة سوء تفاهم بين بهاء ومسؤولين في المملكة اتخذ الحريري قراره باستبعاد بهاء ومساعدته على شق طريقه والعمل في البورصة في جنيف، بينما بقي سعد الى جانبه وهو المقرّب من كل افراد العائلة بمن فيهم زوجة والده السيدة نازك رفيق الحريري التي زكت وراثته السياسية لأبيه وبايعته.
ولكن وككل العائلات التي تطفو خلافات افرادها على السطح بعد غياب الأب، تظهرت مؤخراً الخلافات بين افراد عائلة رفيق الحريري. كانت المرة الاولى تلك التي رفضت فيها العائلة مبايعة بهاء ليكون خلفاً لشقيقه يوم تعرض لأزمته الشهيرة في السعودية، ومؤخراً يوم قرر العودة مستفيداً من غياب سعد الحريري مجدداً على اثر تعليق الاخير نشاطه السياسي، وفي المرتين لم يفلح بهاء في اخفاء علاقته المتوترة بأخيه سعد فيما حافظ رئيس الحكومة وزعيم تيار «المستقبل» على تظهير حسن العلاقة مع شقيقه، الى حد قوله في احدى اطلالاته المتلفزة انه ولو صادف شقيقه الاكبر يدخل اليه في الاستديو لعاجله في تقبيل يده طلباً لودّه. ومثل هذا السلوك ليس مستجداً على سعد الحريري المعروف بحرصه على التقريب بين افراد عائلته وعلاقته الطيبة التي تجمعه بهم جميعاً.
يقول المقربون ان بهاء الحريري ليس نتاجاً طبيعياً لتجربة والده، ولم يخضها أو يستفد منها، ويقول عارفوه ان رجل المال والاعمال لا يملك شيئاً من الطبيعة اللبنانية ولا يعرف لبنان ولا يمتلك بيتاً خاصاً بعائلته على اراضيه. عندما تطرح امكانية ان يكون بهاء الحريري وريثاً للحريرية السياسية يعلق هؤلاء بالقول «لا يكفي ان يكون اسمه على الهوية بهاء رفيق الحريري ليكون وريث والده، هذا كان طرحه في العام 2005 لكنه لم يتحقق لغياب اي دعم عربي ودولي للفكرة».
أتى سعد الحريري بقرار سعودي فرنسي الى رئاسة الحكومة ومثل هذا الاتفاق غير متوافر لأحد اليوم. يمكن لتجربة الانتخابات النيابية أن تظهر حجم بهاء الحريري الحقيقي وقدرته اذا ما كان جزءاً جدياً من النظام او لديه كتلة نيابية لكن بدايته مبالغ فيها، يريد الرجل ان يتمثل في كل المناطق دفعة واحدة، وهو منطق لا ينطبق على السياسة في لبنان. لم يستفد بهاء الحريري بعد كل هذه السنوات من تجربة والده الذي استبق عمله في لبنان حضوره بخمسة عشر عاماً. على عكس والده يؤخذ على بهاء الحريري توتره في التعاطي مع الناس وعدم قربه منهم، ما يضعه عشية الانتخابات موضع امتحان صعب. يشترط البعض لنجاح بهاء الحريري في السياسة تشبّهه بوالده رفيق الحريري بالكرم والتبرعات، والوقوف على مطالب الناس وهمومهم والبقاء على تماس معهم، لكنه لم يزر لبنان منذ 17 عاماً متذرعاً بطلب حماية امنية.
بتنحي سعد ولو موقتاً، تكون مرحلة الحريرية السياسية انتهت لكن سعد الحريري كحالة عاطفية لا يزال موجوداً، كما انه لا يزال الوريث الشرعي في ذاكرة الخارج ولا يمكن لبهاء الحريري ان يسقط على الناس فجأة، بينما اعادة بناء منظومة علاقات عربية ودولية يلزمها نجاح في لبنان وباع طويل ومسيرة حافلة. يوم قصد سعد الحريري الخارج، احتضنه الجميع لان والده كان قد استشهد، وكان حصد نجاحاً قوياً في الانتخابات النيابية.
كان خطأ سعد الحريري الاول، يوم وافق على اقفال ابواب قصر قريطم والقفز فوق رمزيته وعدم الانصات لناصحيه المقربين بشراء القصر من زوجة ابيه نازك الحريري التي ورثت عن زوجها كل المنازل التي يملكها حول العالم. اما خطأه الثاني فهو سياسي وفي محطات كثيرة. اغتيل سياسياً من الداخل والخارج معاً، في اعتقاد المقربين ان ابتعاده مرتبط بمسألة بينه وبين السعودية لا يعلمها الا هو وحظي بمباركة فرنسية اماراتية. انسحابه لا يعني نهايته سياسياً.
عزف الحريري عن خوض الانتخابات، جمد نشاطه السياسي، فكان الذين قاموا بالقفز للجلوس على مقعد الزعامة السنية كثراً ومن اركان عمله السياسي او الذين داروا على باب بيت ابيه، الا ان الزعامة عن بعد وذات الزيارات الموسمية لا تُبرر ولا تفهم لتحل مكان سعد الحريري مهما كانت صلة القرابة للأب وللأخ. المال يعزز الزعامة وهو زمانها الاساسي. ولكنه لا يصنعها. ولا يبقيها في بلد مثل لبنان او غير لبنان. فراغ الحريري الموقت لا يملؤه الا الحريري ذاته حتى لو تعددت القيادات على ادارة شؤون الطائفة السنية ذات الحضور الدائم في تركيبة الحكم والنظام. مات هارون الرشيد وبقيت قصة المأمون وأخيه الأمين..