“تشرنوبل” مفاعل الإرث السوفياتي في أوكرانيا

كانت كييف قد تحدثت في وقت سابق عن وقوع معارك قرب هذه المنشأة

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

سوسن مهنا –

في خطاب متلفز، فجر الخميس 24 فبراير (شباط)، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن “عملية عسكرية” في أوكرانيا، وقال، إن “روسيا لا يمكنها القبول بالتهديدات الآتية من أوكرانيا”، محذراً من أنه في حال حدوث تدخل أجنبي فإن روسيا سترد على الفور.

وفي خطاب للأمة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في كل أنحاء البلاد، وقال للأوكرانيين، “لا داعي للهلع”، مؤكداً أننا “سننتصر”.

ولاحقاً، أعلنت الرئاسة الأوكرانية أن القوات الروسية سيطرت على محطة “تشيرنوبل” التي شهدت عام 1986 أسوأ حادث نووي في التاريخ، وقال ميخايلو بودولياك أحد مستشاري الرئاسة، “بعد معارك شرسة، خسرنا السيطرة على موقع تشيرنوبل”، وتابع، “هذا أحد أخطر التهديدات في أوروبا اليوم”، وأضاف أن سيطرة القوات الروسية على المحطة قد تؤدي لكارثة بيئية كبرى، “من المستحيل القول إن محطة تشيرنوبل للطاقة النووية في مأمن بعد هجوم لا طائل منه تماماً من جانب الروس”.

وكانت كييف، العاصمة الأوكرانية، قد تحدثت في وقت سابق عن وقوع معارك قرب المنشأة النووية، وأعلن مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية أنتون غيراشتشينكو أن القوات الروسية دخلت إليها من أراضي بيلاروس، وكتب على حسابه في تطبيق “تليغرام”، “دخلت قوات المحتلين منطقة محطة توليد الكهرباء في تشيرنوبل من بيلاروس، وأفراد الحرس الوطني الذين يحمون المستودع يبدون مقاومة شرسة”، وأضاف غيراشتشينكو، “إذا دمر المستودع بقصف مدفعي من العدو، فإن الغبار المشع سيغطي أوكرانيا وبيلاروس ودول الاتحاد الأوروبي”.

وانفجر المفاعل الرابع في محطة تشيرنوبل للطاقة في أبريل (نيسان) 1986، ما أدى إلى تلوث معظم أنحاء أوروبا.

الغزو الروسي

في ختام خطابه، مساء الأربعاء 23 فبراير، قال الرئيس بوتين، “عسى أن يكون الجميع قد سمع ما قلته جيداً”. جاء هذا الكلام قبل ساعات من بدء الغزو الروسي لبلد عانى سابقاً من ويلات الاحتلال على يد روسيا نفسها، وأسوأ حادثة نووية في التاريخ، على إثر تلوث إشعاعي بعد انفجار مفاعلات الطاقة النووية في محطة تشيرنوبل”.

وعلى الرغم من كون أوكرانيا دولة مستقلة منذ 1991، فإن روسيا ما زالت تعتبرها جزءاً من مجال تمدد نفوذها. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حافظت الدولتان على علاقات وثيقة في ما بينهما، ولم يبدأ الصراع بينهما إلا حديثاً، وهناك العديد من النقاط الشائكة بين البلدين، وأهم هذه النقاط هي الترسانة النووية لأوكرانيا، إذ إن كييف وافقت على التخلي عنها بعد التوقيع على مذكرة “بودابست” 1994 للضمانات الأمنية شرط أن تتعهد روسيا و(الموقعان الآخران، الولايات المتحدة وبريطانيا) بتجنب التهديد باللجوء إلى القوة أو استخدام القوة ضد سلامة ووحدة أراضي أوكرانيا وألا يهدد استقلالها وسيادتها.

عام 1999، وقعت روسيا على معاهدة الأمن الأوروبي في إسطنبول، حيث أكدت أن لكل دولة مشاركة في المعاهدة الحق في اختيار أو تغيير خططها الأمنية بما في ذلك معاهدات التحالف، ولكن عام 2014 قام كلا الطرفين بخرق المعاهدة. عام 2014، قامت روسيا بالعديد من العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، وبعد احتجاجات الميدان الأوروبي وعزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، قام الجنود الروس بالسيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية في شبه جزيرة القرم.

ودان المجتمع الدولي حينها والمنظمات الحقوقية ومنظمة العفو الدولية ما فعلته روسيا في أوكرانيا، واتهموها بخرق القانون الدولي، وانتهاك السيادة الأوكرانية، وقام كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وعلى أفراد وشركات روسية. وكانت صحيفة “واشنطن بوست” نشرت تقريراً في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، عن أن روسيا قامت بنقل بعض من قوات النخبة من أوكرانيا إلى سوريا لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015، اعترف الرئيس الروسي بأن بعض ضباط المخابرات الروسية العسكرية كانوا يعملون في أوكرانيا.

وقعت حادثة تشيرنوبل في أوكرانيا في 26 أبريل 1986، وكانت في ذلك الوقت جزءاً من الاتحاد السوفياتي. المفاعل من النوع “RBMK”، وهي مفاعلات سوفياتية التصميم، ولم يتم إنشاؤها إلا داخل دول الاتحاد السوفياتي بسبب نقص آليات ومواصفات الأمان فيها، والتي تعد من المعايير الأساسية في بقية مفاعلات الطاقة النووية حول العالم. ودمر المفاعل الرابع من المحطة بسبب اختبار تم إجراؤه بشكل غير صحيح. ونتيجة للحادث، لقي 31 شخصاً مصرعهم، بينما تم إجلاء 135 ألف شخص من المنطقة المحيطة، وأسفر الحادث أيضاً عن إطلاق كمية كبيرة من التلوث الإشعاعي.

ليلة الحادث، كان المشغلون يقومون بإجراء اختبار غير مصرح به، ما أدى إلى حدوث تفاعل لا يمكن السيطرة عليه داخل المفاعل، وتجاهل المديرون قواعد ولوائح السلامة، في حين كان العمال يخشون إبداء مخاوفهم بعدما عبروا عن احتمال وجود بعض المخاطر المحتملة. وفي حين أن رئيس الفريق المناوب انتبه إلى الخطر وحاول إغلاق المفاعل ما يجعل أعمدة الغرافيت تنزل في قلب المفاعل وتبطئ من سرعة التفاعل النووي، فإن هذه الطريقة جعلت الحرارة تزداد لوهلة قبل أن تشرع في الانخفاض، وبما أن المولد كان غير مستقر والدورة الحرارية مشوشة من آثار الاختبار، كان هذا هو العامل الذي أدى إلى اعوجاج أعمدة الغرافيت وعدم إمكان إسقاطها في قلب المفاعل وجعل الحرارة ترتفع بشكل كبير وتشعل بعض الغازات المتسربة وتتسبب في الكارثة.

وأدى هذا الأمر إلى حدوث انفجار بسبب البخار نتج عنه إزالة غطاء المفاعل وشمل مبنى المفاعل الذي بدأ بالاشتعال وأدى الأمر إلى انبعاث إشعاعات في الجو. لم تستجب السلطات السوفياتية على الفور لنتائج الحادث ورفضت الاعتراف بحدوث الانفجار الذي نتج عنه إطلاق الإشعاعات في الجو والمنطقة المحيطة بالمحطة، وأدت قوة الانفجار إلى انتشار التلوث على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، والتي تتبع ما يعرف الآن ببيلاروس وأوكرانيا وروسيا. ووفقاً لتقارير رسيمة، لقي 31 شخصاً حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف، لجرعات عالية من الإشعاع. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تعرض ما يقرب من ثمانية ملايين و400 ألف شخص في بيلاروس وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد على إجمالي سكان النمسا. وتعرض 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف إجمالي مساحة إيطاليا. وتعرضت مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدنمارك، للتلوث بالعنصرين المشعين “سيزيوم – 137” (عمره النصفي هو 30 سنة)، وعنصر “سترونتيوم – 90” (عمره النصفي هو 28 سنة). وأعيد توطين ما يقرب من 404 آلاف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.

وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1986 و1987، شارك ما تقديره 350 ألف منظف أو “مصف” من الجيش وموظفي المحطة النووية والشرطة المحلية ورجال المطافئ في الأنشطة الأولية الرامية إلى احتواء الحطام المشع وإزالته. وتعرض نحو 240 ألف منهم لأعلى الجرعات الإشعاعية لدى اضطلاعهم بأهم أنشطة التخفيف من حدة الكارثة ضمن المنطقة المحيطة بالمفاعل والممتدة على مسافة 30 كيلومتراً. وبعد ذلك ارتفع عدد المصفين المسجلين إلى 600 ألف.

ويعيش نحو خمسة ملايين نسمة، حالياً، في مناطق من بيلاروس والاتحاد الروسي وأوكرانيا حيث يفوق ترسب “السيزيوم المشع 37 كيلوبيكريل/م2″، ولا يزال نحو 270 ألف شخص من أولئك الناس يعيشون في مناطق صنفها الاتحاد السوفياتي كمناطق ذات رقابة مشددة، حيث يتجاوز التلوث بـ”السيزيوم المشع 555 كيلوبيكريل/م2″، بحسب تقارير الأمم المتحدة .

تجاهلت سلطات الاتحاد السوفياتي الكارثة

لم تصدر تقارير عن الحالة حتى اليوم الثالث من انفجار تشيرنوبل، ثم قامت السلطات السويدية بوضع خريطة لمستويات الإشعاع المتزايدة في أوروبا مع اتجاه الرياح، وأعلنت للعالم أن حادثة نووية وقعت في مكان ما من الاتحاد السوفياتي. وقبل إعلان السويد، كانت السلطات السوفياتية تقوم بعمليات مكافحة للحرائق وعمليات تنظيف، إلا أنها اختارت ألا تقدم تقريراً عن الحادث أو حجمه بشكل كامل. ولم تكن هناك سلطة شرعية قادرة على التعامل مع الحالة وتقديم أجوبة لأسئلة مثل: هل مغادرة المنزل آمنة، هل مياه الشرب مأمونة، هل تناول الوجبات المحلية آمن؟ وكان بإمكان الإعلان عن تدابير وقائية أن يساعد السكان على تجنب التعرض لبعض الإشعاعات، مثل مادة “اليود 131″، والتي يعرف عنها أنها تسبب سرطان الغدة الدرقية، كما أن الإخلاء المبكر كان من شأنه أن يساعد الناس على تجنب المنطقة برمتها عندما كانت “نويدة اليود 131” في أخطر حالاتها، في فترة ثمانية إلى 16 يوماً من انبعاثها.

وخلال السنوات الأربع من حادثة تشيرنوبل، قررت السلطات السوفياتية، إلى حد كبير، التعامل مع الآثار الناجمة عن الانفجار على المستوى الوطني، ومن دون مساعدة سوفياتية، سعت الأمم المتحدة وشركاؤها إلى طرق لتقديم الدعم في حالات الطوارئ، الذي اشتمل على تقييم السلامة النووية والظروف البيئية للمنطقة الملوثة، وتشخيص مختلف الظروف الطبية التي سببتها الحادثة، وركزت الأمم المتحدة على زيادة الوعي لدى سكان المنطقة، وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من النويدات الموجود في البيئة والمنتجات الزراعية.

ولم تعترف السلطات السوفياتية أنها بحاجة لمساعدة حتى عام 1990 وكنتيجة لذلك، اعتمدت الجمعية العامة لأمم المتحدة القرار 45/190، داعية فيه إلى “التعاون الدولي في معالجة الآثار الناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبل للطاقة النووية وتخفيفها”، وطلبت الجمعية العامة، في هذا القرار، وضع برنامج لتنسيق الأنشطة التي ستضطلع بها الهيئات والمؤسسات والبرامج التابعة لمنظومة الأمم المتحدة، والتي تشارك في الجهود الرامية إلى معالجة الآثار الناجمة عن كارثة تشيرنوبل وتخفيفها.

وكان تصميم المفاعلات في “تشيرنوبل” يعد نسخة حديثة من مفاعلات الطاقة النووية من نوع (RBMK). وهذا التصميم موجود فقط في روسيا، ولا يزال يعمل حالياً، ولكن مع وجود تحسينات وتعديلات مهمة في التصميم من تلك الموجودة في “تشيرنوبل”.

وكنتيجة مباشرة لحادثة تشيرنوبل، تم تأسيس الرابطة العالمية للمشغلين النوويين عام 1989.

زر الذهاب إلى الأعلى