مناور الجمهور والتعاسة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يقول «برتراند رسل»:
كان «كارل ماركس» من أهم الفلاسفة، ولكن مشكلته أنه لم يكن يسعى إلى سعادة طبقة العمال، بل سعى إلى تعاسة طبقة البرجوازيين!
ذكرتني مقولة رسل بنص في الدستور الأميركي: «.. من البديهي أن كل البشر خلقوا متساوين، وأن خالقهم وهبهم حقوقاً معينة، غير قابلة للانتزاع، منها الحرية والحياة، وحقه في السعي لتحقيق السعادة أو: Life, Liberty and pursuit of Happiness».
لذا لم يكن مستغرباً ملاحظة مدى انغماس نواب سابقين وحاليين في معارضة كل مظاهر الفرح، والسعي إلى تعاسة الآخرين، بدلاً من الاهتمام بإسعادهم!
***
صدر حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية مادة محددة من قانون التشبه بالجنس الآخر لأنها مطاطية وفيها اتساع في المعنى! فالنص يجرم التشبه بالجنس الآخر «بأي صورة من الصور»، وهو ما يجعلها فضفاضة وقابلة للتكييف، وتسهل إدانة الأفراد من خلالها، وتخريب كامل حياتهم، فمن يقرر ما هو «التشبه» بالضبط؟
هل التي تقصر شعرها تعتبر متشبهة بالرجال، وما هي حدود تقصير الشعر؟
ومن هذا المنطلق تقدم النائبان، المناور والجمهور، باقتراح لوضع ضوابط لما يسمى «التشبه بالجنس الآخر»، ومعاقبة كل «ذكر» يظهر في الأماكن العامة مرتدياً زياً نسائياً، أو مستخدماً مساحيق تجميل تظهره كأنثى، أو قيام أنثى بارتداء زي رجالي، حسب العرف السائد بالدولة، بما يظهرها بمظهر الذكور. ومعاقبة من أجرى من الجنسين عمليات «تحول أو تجميل» بأي صورة كانت، سواء جراحية أو صغرى، أو استخدم أي عقاقير طبية أو غير طبية مرخصة كانت لاستخدامات أخرى أو غير مرخصة أو جراحات تجميلية بقصد تغيير الهيئة الخارجية متشبهاً بالجنس الآخر على خلاف «طبيعته التي ولد عليها»، والحكم على المخالف بالحبس سنتين وبغرامة 5000 دينار!
***
واضح من مقترح النائبين مدى كراهيتهما، وغيرهما من متشددين، لكل مظاهر الفرح، وميلهما إلى التسبب في تعاسة الآخرين، تاركين كل مشاكلنا ونقص تشريعاتنا وعللنا، والتفرغ لطول التنورة، ولبس المرأة البنطلون، ونسيا أن بينهما رجالاً يحنّون لحاهم، ويضعون الكحل منذ آلاف السنين، ويسعدون بإطالة شعورهم، ويدهنون ضفائرهم ويعقدونها خلف ظهورهم، ويتباهون في الوقت نفسه بمظاهرهم الرجولية الخارجية، ويرتدون أحذية ذات كعوب عالية، وقبعات متنوعة، وملابس مخصرة.
كما ترتدي الكثير من النساء ما يشبه الدشداشة، ويضعن على رؤوسهن ربطات تشبه العقال. كما أن هناك ملابس مشتركة، متشابهة، بين الجنسين، فمن سيقرر من الأحق بها، الرجل أم المرأة؟
وما حكم الرجل الذي يحمل حقيبة يدوية مثلاً؟
وماذا عن الأردية العسكرية للجيش والشرطة، هل سترتدي العسكريات العباءة في أوقات الدوام، أم التنورة بدلاً من البدلة العسكرية، المشابهة تماماً لبدلة العسكري، الذكر؟
***
ما هذا الاستخفاف بعقول البشر، وكيف أصبح تعديل على قانون قديم يتعلق بعدم دستورية إحدى مواده بمثل هذه الأهمية، ويدفع نواباً لترك كل هذا الخراب والانهيار حولكم والتفرغ لمراقبة شكل وتنورة المرأة؟
نعيد ونقول إن «الشرهة» مو عليهم… فطالما أضحكت أمم البؤس، أمم الأرض عليها!
***
صدر حكم تمييز قبل 10 سنوات، ألزم الداخلية أن تدفع لمواطنة 4000 دينار تعويضاً بسبب القبض عليها من دون دليل، بذريعة تشبهها بالجنس الآخر. واعتبرت المحكمة تصرف الشرطة معيباً، واعتداء على الحرية الشخصية، وكان لزاماً عليهم، عند قيامهم بالتحريات، أن يستعملوا وسائل البحث والاستقصاء التي لا تضر بالأفراد ولا تقيد حرياتهم.