السفير الروسي في لبنان: الحملة العسكرية ضد أوكرانيا لحماية امننا القومي ولا بدائل عن الغاز الروسي لأوروبا
النشرة الدولية –
” لبنان 24″ – هتاف دهام –
تجري العملية العسكرية في أوكرانيا ضمن الخطة الروسية المقررة، مع تشديد موسكو في الوقت عينه على ضرورة تنفيذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها وتوقيعها مع حلف شمال الأطلسي،خاصة وأنها تدعم كل المحاولات لتسوية الأزمة الراهنة مع ضرورة نزع السلاح وتطهير المناطق الأوكرانية كافة من الجماعات المتشددة والنازيين، بحسب ما يقول المسؤولون الروس.
الأزمة الأوكرانية الروسية ليست حديثة العهد، فهي تعود الى حقبات خلت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.علما أن الزعيم الثوري البلشفي فلاديمير لينين، هو الذي منح أوكرانيا الاستقلال الذاتي داخل الدولة السوفياتية التي نشأت بعد ثورة 1917 من خلال تقسيم أراضي روسيا واقتطاع أجزاء من أراضيها. بيد أن السياسة الأوكرانية تجاه الشرق والغرب اختلفت بين رئيس وآخر منذ الاستقلال. الرئيس الأول لأوكرانيا المستقلة ليونيد كرافشوك(1991 – 1994)، عرف عهده تراجعاً في نفوذ موسكو في أوروبا الشرقية وأوكرانيا بشكل خاص، مقابل تقدم كبير في استثمارات رأس المال الغربي في القطاعات الإنتاجية والصناعية، وبشكل خاص في مجال الطاقة، ولكنّه اعتمد سياسة خارجية حالت دون انسلاخ اوكرانيا عن ثقافتها الروسية وانغماسها في الهوية الأوروبية. أما ليونيد كوشما الذي انتخب رئيسا لولايتين بين 1994 – 2004، فقد شهد عهده عودة للنفوذ الروسي بالتوازي مع ازدياد النفوذ الغربي عبر الشركات الأجنبية والرساميل الأميركية والأوروبية. في حين أن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذي انتخب في العام 2004 عرف بتوجهاته السياسية الموافقة للأهواء الغربية وشهد عهده اندلاع الخلافات داخل الحزب الواحد، فضلا عن حلّ البرلمان والحكومة أكثر من مرة وطرد جميع رموز الثورة البرتقالية من الحكم، ليعاد انتخابه في العام 2010 مع تقديمه رؤية سياسية جديدة، تقوم على مبدأ تعزيز قوة أوكرانيا أمام محيطها، والحفاظ في الوقت عينه على علاقات مميزة مع موسكو، مبنية على المصالح المشتركة، وضرورة الانفتاح على الاتحاد الأوروبي. وقد انقسم الشعب الأوكراني في ذلك الحين مع توقيع معاهدة مع روسيا، تقضي باستثمار قاعدة سيفاستوبول في القرم لمصلحة الأسطول الروسي في البحر الأسود لمدة 25 سنة، ثمّ إقدام البرلمان الجديد على سحب طلب البرلمان السابق بالعضوية في حلف الناتو في العام 2012، وصولاً إلى إعلان الرئيس يانوكوفيتش نيته التريث في التوقيع على معاهدة الشراكة الأوكرانية – الأوروبية في العام 2014 الذي شهد مغادرة الرئيس الأوكراني العاصمة كييف إلى خاركيف، ومن ثمّ طلب اللجوء إلى موسكو بعد إعلانه عدم القدرة على السيطرة على الوضع في البلاد. وعقب سقوط الحكم في كييف في يد ما يعرف بأعداء موسكو، دخلت القوات الروسية إلى القرم، وأعلنت ضمها إلى الأراضي الروسية في آذار 2014. وشكلت المعارضة حكومة مؤقتة أقالت الرئيس من منصبه، ووقعت على معاهدة الشراكة الأوروبية، ودعت إلى انتخابات رئاسية مستعجلة، لينتخب بترو بوروتشنكوفي العام 2014 رئيسا للبلاد، وفي العام 2019، فاز الممثل الكوميدي المسرحي اليميني اليهودي، فولوديمير زيلينسكي برئاسة الجمهورية الأوكرانية الذي قرر القفز فوق الكثير من الاتفاقات الموقعة بين روسيا واوكرانيا بما يشبه الانقلاب.
يرفض السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف في حديث لـ”لبنان 24″ استخدام مصطلح الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بقوله” إن روسيا تدافع عن أمنها القومي من خلال العملية العسكرية التي تقوم بها ولن تتراجع إلا بعد نزع السلاح وتطهير المناطق الاوكرانية من المجموعات النازية والفاشستية واليمينية المتشددة. فموسكو لن تتوقف في منتصف الطريق ومن يعش سوف يرى، خاصة وان الوثائق التي وقعت بين أيدينا أثبتت ما نمتلكه من معلومات عن توجه وتشجيع غربي لاوكرانيا لحرب ضد روسيا، بعد أن أصبحت توجهات كييف بالكامل في يد أوروبا وأميركا. والمفاوضات التي سوف تحصل في مرحلة لاحقة بعد انتهاء العملية العسكرية واستسلام النازيين، ستكون لخير أوكرانيا، فموسكو لا تريد تدميرها على الاطلاق خاصة وأنها وحدها من سيعيد اعمارها، وإن كانت المفاوضات الراهنة مستمرة لتأمين الممرات الانسانية”.
يعود السفير الروسي إلى حقبة العام 2014 حيث جرى الاستفتاء في القرم حول انضمام شبه الجزيرة إلى روسيا في اذار من ذاك العام بما يتفق تماما مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، ليقول”إن المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونيتسك ولوغانسك، المعلنتين من جانب واحد في إقليم دونباس، كدولتين صغيرتين مستقلتين وفق حكم ذاتي كبير طالبتا بالالتحاق بروسيا التي لم تضمهما الى مساحتها وان كانت اعترفت بهما هذا العام”، مع تشديده “على أن الغرب يمارس الازدواجية في التعاطي، وبينما خاض حروبا في الشرق الاوسط لاسقاط أنظمة (سوريا والعراق) ها هو اليوم يمول القيادة الاوكرانية بالسلاح، خاصة وان المنطقة مهمة جدا من الناحية الاقتصادية لغناها بالثروات المعدنية، ولأن اوكرانيا عاجزة عن تدمير روسيا منفردة، فهي تستغيث الغرب والناتو لدعمها، علما أن ما يجري اليوم هو حرب اقتصادية وثقافية وعنصرية تشن ضد روسيا لكنها لن تصل إلى ما ينشده الغرب”.
“لن يستطيع الغرب تقسيم روسيا. زمن الاحادية القطبية انتهى” يقول روداكوف، مضيفا ” ان هناك اليوم تعددية مع صعود الصين والهند اقتصاديا، وبالتالي لا حرب عالمية ثالثة، ولا حرب باردة ايضاً، فالسلام البارد افضل من الحرب الباردة وفق توصيف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف”، يقول روداكوف.
“حتى الساعة لا بدائل عن الغاز الروسي لأوروبا”، يقول روداكوف، ويضيف: “أزمة الغاز في أوروبا تتجاوز قدرات الإنتاج الليبي. كذلك الامر بالنسبة لإيران. إنتاجها للغاز لا يكفي لحاجات الاستهلاك العالمية ومن غير الواضح بعد إن كانت واشنطن سوف تطلب من طهران إمداد اوروبا بالغاز ربطا بما ستؤول اليه مفاوضات فيينا. وفي حين أن محاولات تجري من قبل الولايات المتحدة لاستقطاب فنزويلا ليكون النفط الفنزويلي قادرًا بالفعل على الحلول مكان النفط الروسي.
يذكر روداكوف “أن روسيا حليف قديم لفنزويلا وقدمت لها كل أشكال الدعم والمساعدة في وجه العقوبات التي فرضت عليها من واشنطن والتي يفترض بها وغيرها من الدول الأوروبية إعادة الذهب الفنزويلي المحجوز في بنوكها”، مع اعتبار روداكوف “أن فنزويلا لن تتخلى عن روسيا مهما تعددت المغريات الاميركية”.
ومع ذلك، يقول روداكوف “إن تصديرات الغاز الروسي إلى أوروبا مستمرة، وموسكو لن توقف امداداتها من الثروات الطبيعية للدول الأوروبية، مع تشديده على أن روسيا لن تحدد موقفها من أي دولة تجاه ما يعرف اليوم بالدول البديلة عن روسيا التي تبحث معها الولايات المتحدة تزويد أوروبا بالغاز”،مضيفا: “صحيح أن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح السياسية والاقتصادية، إلا أننا سوف نتتظر الموقف الإيراني لنبني على الشيء مقتضاه في حينه، فلن نقارب الموضوع اليوم من زاوية التكهنات”.
وليس بعيدا، يعتبر روداكوف “أن الغرب يحاول الضغط على الصين للحد من تجارتها مع روسيا، ولمنعها من الوصول إلى جزء من احتياطياتها باليوان الصيني، إلا أن الشراكة مع الصين أقوى بكثير، فحجم التبادل التجاري بين روسيا والصين العام الماضي بلغ 147 مليار دولار، فضلا عن اتفاق التجارة بين موسكو وبكين، الذي جرى بداية شباط الماضي لمدة 30 عاما لتزويد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب جديد ضمن شراكة طاقة متنامية”. وربطا بما تقدم، فإن موسكو ، وفق روداكوف، “سوف تفي بالتزاماتها المتعلقة بالديون الحكومية، وستدفع لأصحاب الديون بالروبل حتى يتم إلغاء تجميد احتياطيات الدولة، فليس لدينا مشكلة تسديد الديون كما يروج الغرب، والثروات في روسيا اكثر بكثير من الثروات في أوروبا”.
“إن محاولات الولايات المتحدة شيطنة روسيا ستبقى مستمرة”، يقول روداكوف، وهذا ما تجلى في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دفع روسيا لابداء اسفها من مواقف الكثير من الشركاء من بينهم لبنان الذي حاول عبر وزير خارجيته عبد الله بو حبيب تبرير بيان وزارته استنادا إلى ادانة لبنان غزو العراق للكويت، إلا أن تفسير الأسباب غالبا لا يكون مقنعا، مع تأكيده أن الاتصالات اللبنانية – الروسية لم تنقطع، وأنه التقى مستشاري رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لما يصب في مصلحة البلدين، مع إشارته إلى أن لقاءه بوزير الطاقة وليد فياض ركز على المشاريع المقدمة من الشركات الروسية لجهة ضرورة استكمال كل الوثائق للازمة التي تتناسب مع المعايير الدولية لدراسة الاقتراحات الروسية واتخاد القرار المناسب.
يختم روداكوف حديثه لـ”لبنان24” بالقول “ما يهم روسيا المحافظة على التوازن في لبنان بما يخدم المصلحة الوطنية لهذا البلد، ونحن على أتم الاستعداد لتقديم الدعم في ملفات مختلفة متى طلب لبنان الرسمي ذلك”، معتبرا “أن مواقف القوى السياسية من ملف ترسيم الحدود البحرية يجب أن تكون متوازنة وتراعي مصلحة لبنان وسيادته”، مع إشارة روداكوف إلى أنه “تفاجأ في الأشهر الماضية من سماع بعض القوى تطرح أفكارا حول أهمية وضع لبنان تحت رعاية خارجية”، وكان جوابه لهذه القوى “لبنان دولة مستقلة لا يجب رميه في أحضان اي دولة خارجية سوف تنفذ اجندتها وفق مصالحها”.