هكذا ارتفعت قيمة الروبل الروسي مجددا بسبب “تلاعب” قامت به الحكومة
النشرة الدولية –
يرى خبراء أن الارتفاع في سعر العملة الروسية “الروبل” في الأسابيع الأخيرة جاء بسبب “التلاعب” الذي قامت به الحكومة، وسرعان ما ستنتهي آثار هذه الزيادة قريبا.
كانت موسكو قد اتخذت عددا من الإجراءات الاقتصادية ردا على العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا، من بينها قرار البنك المركزي في 9 مارس تعليق بيع العملات الأجنبية في روسيا حتى 9 سبتمبر 2022.
وقرر المصرف أيضا تقييد السحب النقدي من حسابات العملات الأجنبية المفتوحة في البنوك الروسية في حدود 10 آلاف دولار أميركي حتى 9 سبتمبر، وحظر سحب الباقي، إلا بالروبل، وفق سعر الصرف المعمول به.
وأعلنت القيود الصارمة على التعاملات بالعملات الأجنبية مع تراجع قيمة الروبل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل العملات الغربية، وفقدان الروبل ما يقرب من 20 في المئة من قيمته في الأسابيع القليلة الأولى بعد الغزو.
لكن، في الأسابيع الأخيرة، عاود الروبل الارتفاع بثبات ووصل الجمعة الماضية إلى 71 روبل للدولار، وهو رقم قياسي منذ خريف 2021، و77 روبل لليورو في أعلى مستوى منذ يونيو 2020.
وقد فاجأ هذا التقدير الخبراء الذين توقعوا استمرار انخفاض الروبل، ما لم يتم وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
ومن جانبه، صرح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، لبرنامج “Meet the Press” على قناة “أن بي سي” بأن “التلاعب” الروسي كان السبب الرئيسي لانتعاش الروبل مؤخرا بعد أن منعت الحكومة الروسية مواطنيها من تحويل الأموال إلى الخارج.
وقال بلينكين: “يُمنع الناس من بيع الروبل. هذا يدعم القيمة بشكل مصطنع. هذا ليس مستداما”، مضيفا أنه يعمل على تشديد العقوبات وسد الثغرات التي سمحت للروبل بالارتفاع.
ويقول موقع “فورشن” في تقرير حول الموضوع إن البنك المركزي الروسي بذل كل ما في وسعه لدعم قيمة الروبل منذ بدء الغزو، من رفع سعر الفائدة القياسي إلى إجبار المصدرين على مبادلة 80 في المئة من عائداتهم من العملات الأجنبية بالروبل، لكن الأمر ليس “أكثر من مجرد تلاعب (..) وسيستمر الروبل في الانخفاض، ما لم يتم وقف إطلاق النار في أوكرانيا”.
ومن أقوى التكتيكات التي استخدمتها روسيا لدعم عملتها المطالبة بمدفوعات صادرات النفط والغاز بالروبل.
وبينما رفض العديد من القادة الأوروبيين هذا الطلب واستمروا في الدفع باليورو أو بالدولار، كانت دول أخرى حريصة على اقتناص صادرات الطاقة الروسية بسعر مخفض، مثل الهند، التي زادت بشكل كبير من وارداتها من النفط الروسي.
وقال ألكسندر ميهايلوف، الأستاذ المساعد في الاقتصاد بجامعة ريدينغ في المملكة المتحدة لـ”فورشن” إنه يجب على السياسيين الاستماع إلى الاقتصاديين والتوقف فورا عن استيراد السلع الروسية، وإذا فعلوا ذلك، سيفقد الروبل قيمته بسرعة، ما سيكون له آثار مدمرة على الاقتصاد الروسي.
وفي 25 مارس، اتخذت موسكو خطوة هامة لدعم عملتها تمثلت في شراء الذهب من البنوك بسعر ثابت قدره 5000 روبل (حوالي 61 دولارا) للغرام الواحد.
وقال ميهايلوف إن هذه الخطوة خلقت فعليا سعر صرف قائم على الذهب بسعر 81 روبل للدولار واحد وساعدت في دعم العملة لبعض الوقت.
لكن، وفق ميهايلوف، فإن المشكلة أنها إذا استمرت في سياسة استبدال الروبل بالذهب بسعر 5000 روبل للغرام الواحد فقد ينتهي بها الأمر في وضع صعب حيث سيندفع المستثمرون لسحب الذهب من البنك المركزي، ما يؤدي إلى بلبلة شديدة في النظام المالي للبلاد.
وربما بسبب ذلك، تراجعت روسيا عن تحركها لشراء الذهب بسعر ثابت يوم الخميس الماضي، مستشهدة “بتغير كبير في ظروف السوق”.
وردا على العقوبات الغربية، فرضت روسيا أيضا قيودا على حركة الأموال إلى الدول “غير الصديقة”، وحظرت بيع الأسهم الروسية من قبل المستثمرين الأجانب.
لكن هذه الضوابط الصارمة على رأس المال جعلت الخبراء يشعرون بالتشكك في قدرة أسواق العملات على تسعير الروبل بشكل فعال، خاصة لأنه لم يعد هناك حجم تداول كبير في العملات الأجنبية.
وقال كريستيان ماجيو ، الخبير في “تورنتو دومينيون بنك” في لندن ، لوكالة بلومبيرغ يوم الخميس: “إنه أمر مصطنع تماما ومن ثم يجب أن يُمنح القليل جدا من المصداقية له”.
ويضيف: “تقريبا لا أحد يستطيع تداول الروبل، وأولئك الذين يتداولونه بالفعل فهم يتداولونه عند مستويات مختلفة جدا عما تذكره الشاشات”.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن ضوابط رأس المال الروسية أدت إلى انخفاض أحجام التداول إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقد.
وأشار آرون شوارتزباوم، من معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، إلى الانخفاض السريع في أحجام تداول الروبل، وقال إن “سعر الروبل مقابل الدولار لا يمكن الوثوق به لمؤشر لكيفية تأثير العقوبات على روسيا”.