أنقرة تكثّف ضغوطها على اللاجئين: الذهاب إلى سوريا في العيد “بلا رجعة”

النشرة الدولية –

النهار العربي  – سركيس قصارجيان –

اتخذت الحكومة التركية إجراءات جديدة تهدف إلى التضييق على حركة اللاجئين في البلاد. وجاء ذلك بالتزامن مع عودة النقاشات حول واقع اللاجئين، خصوصاً السوريين منهم، ومستقبل بقائهم في تركيا إلى صدارة الجدل السياسي الداخلي في البلاد، جنباً إلى جنب مع الأزمة الاقتصادية، التي تبدو أحد العوامل المحرّضة على تصاعد الكراهية تّجاه الأجانب.

التقبّل الواسع لخطاب المعارضة التركية الرافض للاجئين من المواطنين الأتراك، دفع الحكومة التركية إلى إجراء مراجعات ثورية لسياساتها الخاصة بهذا الملف، وسط ارتباك واضح في تصريحاتها بدءاً من الرئيس التركي، وصولاً إلى القرار الأخير حول منع اللاجئين السوريين من زيارة بلدهم في العيد.

تشير التقديرات كلها إلى أن الضغوط الحكومية على اللاجئين السوريين ستشهد تصاعداً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السنة المقبلة، بهدف إيقاف النزيف المحتمل للأصوات في جبهة الائتلاف الحاكم من جهة، وعدم تكرار خطأ خسارة البلديات الكبرى في الانتخابات المحلية عام 2019.

زيارات العيد للاجئين “روحة بلا رجعة”

وأعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال مشاركته في حوار خاص على قناة “أن تي” ليل الأربعاء الماضي، إلغاء تصاريح زيارات العيد للاجئين السوريين، عدا أولئك الذين يقررون العودة إلى سوريا بشكل نهائي، أو في حال وجود وفاة.

ووفق القرار الجديد، فإن الخروج من البوابات الحدودية التركية يلزم اللاجئ، إما التوقيع على ورقة تعهّد باللغة التركية يبيّن فيها رغبته في الذهاب إلى سوريا بشكل نهائي دون العودة مجدداً إلى تركيا، أو ابراز وثائق تؤكد وجود حالة وفاة لأقرباء من درجات متقدّمة، وبالتالي يحق له الذهاب في إجازة لمدة 3 أيام فقط، غير قابلة للتمديد.

في الإجراء المتّبع سابقاً كان يحقّ للسوريين الراغبين في قضاء عطلة العيد في بلدهم، البقاء في سوريا لمدة تتراوح بين الشهرين والخمسة أشهر حسب الموافقة التي يتم الحصول عليها.

ويذكر أن المرّة الأخيرة التي تمكن فيها اللاجئون السوريون في تركيا من زيارة بلدهم كان في عطلة عيد الأضحى صيف عام 2019، حيث أمضى، 40 ألف لاجئ عطلة العيد في سوريا في ذلك الوقت وفق بيانات بوابة أونجوبينار الحدودية التركية، ليتم ايقاف الموافقات لاحقاً بسبب القيود المفروضة على الحركة والتنقل خلال جائحة كورونا.

قرار مفاجئ بدوافع سياسية

يلاحظ المتابع لوسائل الإعلام التركية هذه الأيام الحيز الكبير الذي بات يشغله ملف اللاجئين سواء في المقالات الصحافية أو البرامج التلفزيونية الحوارية، اضافة إلى تركّز تصريحات النوّاب والمسؤولين الحزبيين والسياسيين على الموضوع بشكل كبير.

ويرى الباحث في دراسات الشرق الأوسط والأمن الدولي، محمد عاكف أكسوي، أن السبب الأهم في بروز مشكلة اللاجئين كحدث ساخن في تركيا مجدداً “هو تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية وضعف الأمل في حصول انتعاش في المستقبل القريب”.

ويشرح أكسوي في تصريحات إلى “النهار العربي” أنه “في مثل هذه الأوقات يكون الغضب في المجتمع موجّهاً نحو الفئات الأكثر ضعفاً. إضافة إلى ذلك، فإن التصوّر بأن السوريين لن يعودوا إلى بلدهم في المستقبل القريب، وازدياد الجرائم المرتكبة من قبل الأجانب في المدن، وتزايد الشعبوية اليمينية في تركيا هي من بين الأسباب المهمة أيضاً”.
يُعتبر قرار الداخلية التركية مفاجئاً في توقيته ومضمونه، بخاصة أنّ الاجراءات الخاصة بزيارة اللاجئين السوريين كانت مستمرة حتى لحظة صدور هذا القرار.
وأشارت البيانات التركية الرسمية، التي حصل عليها “النهار العربي” من مصادر إعلامية، إلى أن الموقع الالكتروني لمكتب والي كلّس استقبل عشرات آلاف الطلبات لزيارة سوريا خلال الفترة بين 18 وحتى 29 نيسان (أبريل) الجاري، وأن 2000 لاجئ قاموا بالعبور من بوّابتي “اونجوبينار” و “جوبانباي” التركيتين إلى سوريا يومي 18 و19 نيسان (أبريل) 2022 فقط، قبل أن يتم ابلاغ الحاصلين على الموافقات عن ايقاف العمل بها بعد ظهر يوم الثلثاء الماضي.
وبحسب المصادر ذاتها، فقد تم ظهر الثلثاء اعادة ما يقرب من الألف لاجئ سوري من البوابات الحدودية من قبل المسؤولين الأتراك، وإبلاغهم أن خروجهم بعد الآن يعني عدم تمكّنهم من العودة إلى تركيا مجدداً.
إيقاف إجراءات “زيارات العيد” بشكل مفاجئ، وبعد الانتهاء من عملية حصول السوريين على الأذونات المطلوبة، بل وتوجّه دفعات منهم إلى سوريا، يؤكد كون القرار قد صدر بفعل ظروف طارئة ومن دون الخضوع إلى الآليات المتّبعة في الأحوال العادية.
يقول أكسوي “إن هذا القرار يبدو كإجراء احترازي اتّخذته الحكومة نتيجة استجابة الجمهور للانتقادات القاسية التي تعرّضت لها من قبل المعارضة في ما يخص ملف الأجانب. كان هناك انزعاج لدى الشعب التركي بشأن هذه القضية منذ مدة طويلة، وتهدف هذه الخطوة الحكومية إلى امتصاص هذا الاستياء الشعبي”.
ويتوقّع أكسوي أن تخطو الحكومة التركية خطوات اضافية للضغط على اللاجئين “اعتماداً على مسار الاضطراب في المجتمع”.
وعلى الرغم من كون القرار قد صدر حديثاً، إلا أن فكرته ليست بالجديدة. فقد أعلن زعيم حزب “الحركة القومية” اليميني المتطرف، شريك “العدالة والتنمية” في الائتلاف الحاكم، دولت باهتشيلي سابقاً أن “لا داعي لعودة طالبي اللجوء السوريين إلى تركيا بعد ذهابهم إلى سوريا في أيام العيد. وبمجرد انتهاء الحرب في سوريا، يجب أن يعود الجميع إلى وطنهم بضمانات من تركيا”.
وفي السياق ذاته غرّد عضو البرلمان السابق عن حزب “العدالة والتنمية” محمد ميتينير، وأحد أشد المدافعين عن الحزب في الإعلام أن “اللاجئين السوريين يخلقون مشاكل في المجتمع بسبب سلوكهم. وإذا لم يتم حل هذه المشكلة بطريقة ما، فإن حكومة حزب “العدالة والتنمية” ستتعرّض لخسائر كبيرة”، في إشارة إلى تراجع الأصوات الانتخابية لحزب الرئيس التركي على خلفية سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين المتّبعة طوال السنوات الماضية.
ويرى أكسوي أن “حل هذه المشكلة بداية هو في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. ومع بدء تطبيع العلاقات الثنائية، سيتم حل هذه المشكلة تدريجياً، ويمكن رؤية إشارات ذلك، وإن كانت صغيرة. فبدون تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، لا يمكن لجميع البدائل أن تتجاوز الحلول الموقتة. يتعين على الدولتين أن تتعاونا لحل هذه المشكلة (بضمان تركيا وروسيا، إذا لزم الأمر)”.
أرقام رسمية
بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في تركيا حتى 24 آذار (مارس) 2022، 3 ملايين و 754 ألفاً و591 لاجئاً، بزيادة 7 آلاف و917 شخصاً مقارنة مع الشهر السابق. مليون و785 ألفاً و690 لاجئاً (47.6 في المئة) هم من الأطفال والأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 0-18 عاماً، ويبلغ مجموعهم مع النساء مليونين و661 ألفاً و90 لاجئاً، فيما تؤكد المعارضة التركية أن الأعداد الحقيقية للاجئين السوريين تفوق الرقم المعلن من قبل الحكومة.
يشكّل الرجال 53.8 في المئة من إجمالي اللاجئين السوريين، ويزيد عددهم على 286187 عن السوريات. كما يُلاحظ أن عدد النساء في الفئة العمرية التي تتحاوز 55 عاماً أكثر من عدد الرجال.
دخل قانون الحصول على الجنسية التركية من خلال شراء مسكن، حيز التنفيذ في تركيا عام 2013. في ذلك الوقت، تم منح الجنسية لكل من يقوم بشراء عقار أو أكثر بقيمة مليون دولار. في عام 2018 تم تخفيض المبلغ المطلوب للحصول على الجنسية التركية إلى 250 ألف دولار، ليتم رفع السعر مع القرار الأخير إلى 400 ألف دولار.
اشترى الأجانب 293 ألف منزل في تركيا خلال 9 سنوات. تم بيع حوالى 1 من كل 4 منازل في أنطاليا و 1 من كل 10 منازل في إسطنبول للأجانب.
الكلمات الدالة

 

Back to top button