النشرة الدولية –
النهار العربي – ربيع دمج –
التقت شخصيات من أبناء الديانات السماوية الثلاث في منزل رئيس المجلس اليهودي في منطقة الجميرا في دبي إيلي عبادي بمناسبة حلول عيد الميمونة اليهودي الذي يقع في اليوم الأخير من الفصح العبري.
ويعتبر هذا اللقاء الأول من نوعه في الامارات، وهو تزامن مع شهر رمضان المبارك وعيد الفصح الشرقي.
في حديث خاص إلى “النهار العربي”، قال عبادي إنّ “هذه الدعوة حصلت لترسيخ مفاهيم التسامح والسلام بين جميع الطوائف، بما فيها الديانات غير السماوية والتي سعت الإمارات منذ زمن إليها، فهي تتعامل مع المقيم لديها على أساس كفاءته لا ديانته، والدولة هنا لا تفرّق بين أي معتقد، بل تجمع الكل تحت مظلتها، وهذا هو سبب نجاح هذا البلد وتقدمه”.
وتأتي دعوة عبادي بعد أسبوع من “إفطار دبي” الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، ودعت إليه شخصيات من الشيعة والديانتين المسيحية واليهودية، إضافة إلى الهندوس والسيخ والبهرة.
سمير ميخائيل، طبيب مصري قبطي كان واحداً من المدعوين إلى عيد الميمونة قال لـ”النهار العربي”، إنّ “مشاركته مع إخوته اليهود والمسلمين في الاحتفال لم تأتِ من باب المجاملة، بل ترجمة وتنفيذاً لرسائل التسامح التي نادى بها الربّ وأنبياؤه، التآخي والمحبة، وهي رسائل سماوية قبل أن تكون أرضية، ودولة الإمارات تطبّق ما أمر به الله”، مضيفاً: “الأكثر تميزاً هذه السنة مصادفة حلول المناسبات الدينية لكل الطوائف مع بعضها بعضاً”.
من وجهة نظر رجل الأعمال الهندي المسلم رجيف كومار، فإن “الإسلام لم يمنع إطلاقاً المعايدة مع غير المسلمين، بل على العكس تماماً فالآيات القرآنية واضحة تماماً. وهذا ما يجب أن نكون عليه كي نتخلص من الفكر المتطرف، حين نتقاسم الخبز مع إخوتنا في الإنسانية ونتشارك معهم الأفراح والأتراح، ذلك سيفرح الله لأن لكل شخص حرية المعتقد، وليس دورنا المحاسبة بل زرع المحبة، ولذلك الإمارات بلد مميز ينعم بالهدوء والأمن والسلام”.
شارك أيضاً عدد من أتباع المذاهب الأخرى، منهم شخصيات من المذهب الإسماعيلي (لهم مركز ديني كبير في منطقة عود ميثاء الواقعة في نطاق بر دبي التراثي).
واعتبر أيهم خضور، وهو واحد من المنتمين إلى الإسماعيلية ويعمل في القطاع المصرفي في دبي، أن “ليس الغريب أن نشارك بل الغريب هو عدم المشاركة في حدث ديني يجمعنا بحالات الفرح لا الاقتتال، نعلم جميعاً أن الدين لله، والوطن، أي وطن نقيم فيه هو للعمل والنجاح والنهوض به”.
وأضاف: “في وقت سابق أقامت دائرة الشؤون الإسلامية في دبي حفل إفطار جمعت فيه كل الطوائف للتعبير عن المحبة والتآخي، وحتى المسيحيون هنا يدعون في مناسباتهم أبناء طوائف أخرى، وهذا أمر صحي يجب أن يكون لا العكس”.
“الميمونة”
وعن عيد الميمونة (الذي يُصادف هذه السنة في 23 نيسان، أبريل) وطقوسه وأسبابه، يقول الحاخام عبادي إنّ “هذا العيد يأتي بعد سبعة أيام من الصوم، حيث يُحظر على اليهود تناول الخبز ومشتقاته وأي نوع غذاء يدخل فيه الخمير، وهذه الفترة يُطلق عليها الفصح، حيث خرج أتباع النبي موسى من مصر الفرعونية هرباً من العبودية والظلم، وقد حدث ذلك عند الغروب حين خرجوا من مصر بسرعة عن طريق البحر الأحمر وساروا في الصحراء ولم يستطيعوا تحضير كل الحاجيات للطريق. وحضروا عجيناً إلا أنه لم يختمر، لذلك أكلوا الخبز العويص أو الماتسة، وهو خبز من عجين غير مختمر”.
يُحتفل بهذا العيد عند المساء وفي الفناء استذكاراً ومحاكاة للقصة الحقيقية التي وردت في التوراة، ولذا خصص عبادي وعائلته حديقة “الفيلا” حيث يسكنون مكاناً للاحتفال ليل السبت، وتم توضيب الطاولات التي اكتست باللونين الأبيض والأزرق، لما لهما من رمزية دينية عندهم ورد ذكرهما في كتاب العهد القديم.
وترجع أصول عيد الميمونة إلى يهود المغرب، وتحديداً إلى الحاخام والطبيب موسى ابن ميمون الذي عاش في قرطبة قبل ارتحاله مع عائلته إلى مدينة فاس المغربية، وهو بمثابة الأب الروحي لليهود، لا سيّما الشرقيين منهم، وترك أحكاماً شرعية وقرارات وفتاوى جمّة للطائفة.
حلويات وأطباق خاصة بالمناسبة
عن طقوس هذا العيد يقول عبادي: “تحضر في المناسبة أجواء موسيقية من وحي الطقوس الأندلسية، والأطباق الخاصة وأهمها المفلوتة (وجبة خفيفة تشبه “الكريب” الفرنسية أو “البان كيك” الأميركية، لكنها ممزوجة بالعسل والزبدة)، إلى جانب مجموعة من الحلويات الخاصة بالمناسبة، أبرزها الكعك الذي يقدّم مع الشاي الأخضر بالنعناع، إضافة إلى مشروبات أخرى”.
ويضيف أنّه “خلال أيام الفصح التي تسبق عيد الميمونة نتوقف عن أكل المخبوزات بكل أنواعها ونستبدل بها الماسال، وهو مثل الخبز الرقيق لكنه لم يختمر، كذلك نتناول العصب المر (وهي أعشاب مرّة كجذور الفجل ونوع من الخس والهندباء البرّية وغيرها)، وذلك كي نستذكر العبودية المريرة في مصر والتوهان في الأرض أربعين سنة، ونأكل أشياء حلوة كنوع من الشكر للرب لأنه أخرجنا من مصر (ومن الأصناف الحلوة جاروسيت عبارة عن مزيج حلو من التفاح المفروم والجوز المفروم والعسل والقرفة وقليل من نبيذ الورد)، وليلة العيد نعود لنأكل المخبوزات وغيرها”.
يبلغ عدد اليهود المقيمين في الإمارات العربية المتحدة نحو ألفي شخص ،يتركزون في دبي وأبوظبي، وبحسب عبادي فإن أعدادهم تتزايد بعد اتفاقية أبراهام التي وقعت عام 2020.
وبحسب وسائل إعلامية إماراتية، فإن عدداً كبيراً من الجالية يعملون في مجال تطوير العقارات وإدارة الشركات التقنية.
وليس هناك حتى اليوم كنيس رسمي لهم، وتتم الصلاة أو أي شعائر دينية أخرى داخل مقر عبادي في الجميرا. ويقول لـ”النهار العربي” إنه “في حال وفاة واحد من أبناء الجالية تتم الصلاة عليه وتكفينه في المجلس، ثم يُرسل الجثمان إلى موطن المتوفى”.