جرائم كردستان تلقي ضوءا مؤلما على ثقافة “قتل النساء”
ضابط يقتل زوجته مع 4 من عائلتها وزوج يوجه لامرأته 15 طعنة والحكومة تتوعد الجناة: "لن تنعموا بالنوم الهنيء"
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – باسم فرنسيس –
أثارت جريمة إقدام ضابط أمن على قتل زوجته وأربعة من أفراد أسرتها في إقليم كردستان ردود فعل غاضبة، وسط دعوات للحد من حالات توفير مسؤولين متنفذين الحماية لمطلوبين من قبل العدالة، فيما تعهدت الحكومة بالتعامل مع ملف قاتلي النساء وفق الإجراءات المعمول بها مع الإرهابيين.
سكان قضاء جمجمال شرق محافظة السليمانية استيقظوا، صبيحة اليوم الأول من عيد الفطر، على جريمة مروعة عندما اقتحم ضابط يحمل رتبة النقيب في شرطة الطوارئ منزل والد زوجته، وقتلها وأمها وشقيقتها وشقيقها مع نجله، فيما أصيب ثلاثة آخرون بجروح.
عمَّ الغضب عندما كشفت السلطات عن هوية الجاني، إذ ذكرت وسائل الإعلام أنه من “أتباع آمر لواء في حزب الاتحاد الوطني (بزعامة بافل طالباني)، وسبق أن واجه دعوى قضائية بتهمة القتل عام 1993، لكن الآمر وفر له الحماية”، في حين ذكر بيان صدر عن مكتب اللواء أن “المتهم كان هرب من الخدمة قبل شهرين على خلفية صدور أمر قضائي باعتقاله بتهمة تورطه في جريمة أخرى، وقد تم حينها توجيه إخطار رسمي بذلك إلى الجهات المعنية”.
وعود بتحقيق العدالة
القائمقام جمجمال رمك رمضان أعلن أن “العلاقة بين الجاني وزوجته (لديهما خمسة أطفال) كانت متوترة، وفي النهاية اختارت الزوجة أن تنفصل عنه، لكن الزوج كان يرفض ويدعوها للعودة إلى منزله”، مبيناً أن “قوة أمنية ألقت القبض عليه بعد أن حاول الهروب، ويخضع حالياً للتحقيق”.
أما نائب رئيس الحكومة قباد طالباني فأعرب عبر صفحته بموقع “فيسبوك” عن “أسفه البالغ في بدء أول أيام العيد لسماع خبر وقوع جريمة مروعة”، ثم أعلن في بيان لاحقاً أنه سيتولى الملف بنفسه، مؤكداً أن “المتهم سينال جزاءه العادل، وأدعوكم إلى التهدئة، وتأكدوا أنه حتى لو عفوتم عن الجاني في يوم من الأيام، فإنني لن أتراجع عن موقفي في تقديمه للعدالة”.
وحذر طالباني الجناة بالقول، “لن نقبل بأن تهربوا من العدالة، وسنعتقلكم أينما كنتم، وتأكدوا أنني لن أدعكم تنعمون بنوم هانئ، وسأتعامل معكم كما نتعامل مع إرهابيي تنظيم داعش”، وزاد، “سنتعامل معكم من دون رحمة كما تعاملتم مع ضحاياكم، لأن من يقتل النساء لا يستحق الرحمة ولا الإعفاء”، وتابع، “حان الوقت لاقتلاع ثقافة قتل النساء من جذورها، وهذه مهمة الجميع من مجتمع وأصحاب أقلام وإعلام ورجال دين”.
لا حماية للجناة
وتجمع العشرات من أسرة وأقرباء الضحايا، الأحد، أمام مكتب برلمان الإقليم في مدينة السليمانية، وسلموا مذكرة مرفوعة إلى رئاسات الإقليم تطالب بإنزال أشد العقوبات بمرتكب الجريمة وإعدامه، وقال النائب عثمان سيدري في مؤتمر صحافي إن “عدد الضحايا خمس وليس أربعاً كما أشيع، من بينهم امرأة كانت حاملاً”، داعياً إلى “الحد من هذه الجرائم، عبر الوقوف بوجه الأشخاص الذين يوفرون الحماية للجناة، لذا نعبر عن دعمنا لمطالب أقرباء الضحايا”.
من جهته، قال والد الضحايا في كلمة، “نطالب بإعدام الجاني في محل ارتكابه الجريمة”، ودعا قباد طالباني والرئاسات الثلاث إلى “الإسراع بإجراءات المحاكمة”، بينما شدد مكتب برلمان الإقليم على رفضه “أية محاولات من شأنها توفير الحماية للجناة، من قبل أي شخص أو جهة كانت، بل يجب تسليمهم للعدالة للحد من الجرائم في كردستان”، لافتاً إلى أن “المذكرة سيتم رفعها إلى بقية رئاسات الإقليم من أجل الإسراع في محاكمة الجاني”.
يشير نشطاء ومنظمات حقوقية إلى أن أكثر من 15 امرأة “إما قتلت أو انتحرت” في الإقليم منذ مطلع العام الحالي، في ارتفاع ملحوظ للظاهرة بالقياس للمدة نفسها خلال 2021، وتفيد بيانات صادرة عن “المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة” الحكومية بأن العام الماضي شهد “مقتل عشر نساء، وانتحار 41، و45 محاولة انتحار حرقاً، و77 حالة اعتداء جنسي”، إضافة إلى تسجيل “أكثر من ثمانية آلاف شكوى مرفوعة من قبل نساء”.
وتقر أحدث بيانات صادرة عن مديرية شرطة الإقليم بأن “السلطات اعتقلت 470 متهماً فقط من أصل خمسة آلاف و920 من المطلوبين للعدالة في قضايا مختلفة صدرت بحقهم أوامر قضائية منذ 1991، وما زالوا طلقاء إما خارج الإقليم أو في العراق، إذ أقدم بعضهم على تغيير اسمه في بلدان اللجوء، أو اختبأ بأساليب عدة، أو أن أوامر القبض مضى عليها فترة طويلة”. وصرح الناطق باسم المديرية كارزان غفوري لقناة “روداو” المقربة من رئيس الإقليم بأن “رئيس الحكومة مسرور بارزاني وجه بتشكيل غرفة عمليات خاصة تضم ممثلين لوزارة الداخلية والبيشمركة والأجهزة الأمنية لإلقاء القبض على هؤلاء المتهمين”، ويرى نشطاء ووسائل إعلام كردية أن “من بين المطلوبين مدنيين، وآخرين ينتمون إما إلى جهات سياسية وإما إلى أجهزة عسكرية وأمنية، ويحظون بالحماية من الملاحقة القانونية، فضلاً عن وجود أسماء لمسؤولين حزبيين”.
فضيحة افتراضية وانتقام بالطعن
مستخدمو مواقع التواصل تفاعلوا مع الجريمة بالدعوة إلى إنزال أشد العقوبات بالمتهم للحد من الظاهرة. وقال الكاتب بختيار سعيد إن اعتراف الشرطة بوجود نحو 5500 متهم طليق من أصل 6000 مطلوب للعدالة “يعد فيضحة”، وتساءل، “من هم الذين يوفرون لهؤلاء الحماية إلى الآن غير الحزبين الحاكمين والمسؤولين المتنفذين، من يجرؤ على ذلك غيرهم؟”. وأوضح، “أعتقد أنه إذا بحثنا في مضايف الحزبيين وفي مجالس العشائر والمشايخ فإننا قد نجد 70 في المئة منهم يحتمون فيها عبر صفقات، وبذلك لن يكون للشرطة والأمن القدرة على اعتقالهم”، لافتاً إلى أن “هؤلاء المتهمين كانوا أمس مرتزقة لنظام صدام حسين، واليوم أصبحوا من رجال السلطة، فمن الذي يستطيع أن يلقي القبض على هؤلاء الفراعنة؟”.
أما نوزاد محمد عزيز فعلق قائلاً، “مرور هذا النوع من الجريمة مثل بقية الجرائم السابقة، سيجر وراءه مئات الجرائم”، وأكد كامران محمد نوري أن “هذا المتهم ليس وحيداً، فهناك عشرات آخرون في جمجال يعيشون بكامل حريتهم وأمام قوى الأمن والشرطة، ولا أحد يستطيع أن يحاسبهم”، في حين قالت خديجة خانم إن “إعدام عشرة مثل هذا المتهم أمام الملأ في وسط المدينة، أو رجمه بوصفه شيطاناً، سيحدان من هذه الأفعال الشائنة”، وأردفت، “ما المنطق في أن يسجن المتهم لكي يتم تسمينه، من المخجل أنه ما زال يتنفس ويتمتع بالحياة”.
ولم يمضِ على جريمة جمجمال سوى يومين حتى عادت الشرطة في السليمانية للإعلان عن إقدام زوج على طعن زوجته 15 طعنة نقلت على أثرها إلى المستشفى، وأفاد مقربون من الضحية لوسائل الإعلام بأنها “تلقت أكثر من عشر طعنات بالسكين في مختلف مناطق جسدها، والفاعل هو زوجها لأنها كانت تطالبه بالطلاق منذ عدة أشهر مفضلة العيش مع أمها، حيث كان يجبرها على ارتكاب أفعال شائنة من أجل المال”، فيما نفى الزوج تلك التهم، معلناً استعداده “للمثول أمام القضاء لإثبات البراءة”. لكن الناطق باسم “مديرية مناهضة العنف ضد المرأة” في السليمانية راز فرياد كشف عن أن “الزوجين كانت بينهما خلافات، وقد ذهب الزوج إلى منزل والدتها، ثم هاجم زوجته بسكين وطعنها عدة طعنات، لكن حالتها الصحية مستقرة”، مبيناً أن الزوج “سبق أن اعتقل وتم إطلاق سراحه بكفالة”.
في الوقت نفسه، أعلنت شرطة قضاء “كرميان” التابع للسليمانية عن “إقدام شاب يبلغ من العمر 26 سنة على الانتحار في منزله بواسطة مسدس”، بعد يومين من انتحار شاب آخر بالطريقة ذاتها. وكانت مديرية شرطة أربيل كشفت، الاثنين الماضي، عن اعتقال أكثر من 1500 متهم بجرائم مختلفة، وقال الناطق باسم المديرية هوكر عزيز خلال مؤتمر صحافي، “منذ مطلع العام تم اعتقال 1537 متهماً ومطلوباً للعدالة في محافظة أربيل، من بينهم متهمون بارتكاب جرائم قتل”، مشيراً إلى “تسجيل 532 دعوى قضائية حسم منها 472 خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر فقط”.
جهود قاصرة وتعاون أممي
يرى نشطاء أن ما بذل من جهود للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة على الرغم من أهميته “لم يكن ذا جدوى”، ما يتطلب وضع “خطط استراتيجية بعيدة المدى” كإجراء مراجعة للنظام القضائي والقوانين ذات العلاقة وتطبيق عقوبات صارمة ورادعة، في ظل إمكان إفلات الجناة من العقاب عبر الإفراج عنهم وفق قرار الكفالة، والتوقيع على تعهد خطي، فضلاً عن “وضع مناهج للمراحل الدراسية الأولى، ونشر الوعي على مختلف المستويات”.
ومن أجل توفير الرعاية للنساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي في إقليم كردستان، أعلنت هيئة الأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة للسكان، منتصف الشهر الماضي، عن “إقامة شراكة مع الوكالة الإيطالية للتنمية والتعاون”، وقالت إن هذه الشراكة “ستسهم في زيادة وصول الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي والمعرضات للخطر إلى خدمات الحماية عالية الجودة، كما ستسهم في تحقيق إمكانية وصول أسهل إلى العدالة من خلال إجراءات التشغيل المعيارية العملية المعتمدة للجهات الفاعلة في القانون والشرطة”، وأضافت أن المشروع “سيعزز أيضاً قدرة كل من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية والمجلس الأعلى لشؤون المرأة في الإقليم والمديرية العامة لمكافحة العنف ضد المرأة على تنفيذ السياسات والخدمات القائمة، التي تعالج العنف ضد النساء والفتيات”.