من يتحمل مسؤولية الغبار… تركيا أم العراق أم إيران؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

على من تقع مسؤولية الغبار التي تهب علينا بين وقت وآخر؟ أصوات في الكويت تلقي اللوم على العراق، وكلما عطست بغداد نقلت العدوى مباشرة إلى الكويت، دون التمعن قليلاً في الأسباب وفي تغير المناخ وأزمة الشح في المياه، بل هناك من دعا إلى وقف تمويل مشروع التخضير في الجنوب العراقي، المقرر بـ40 مليون دينار كويتي بحجة أن القسم الأكبر منه سيذهب إلى جيوب البعض كرشا.

 

إيران بدورها أرجعت السبب إلى السدود التي تقيمها تركيا بأنها تسببت في مشاكل بيئية وعواصف رملية حدثت مؤخراً في عدد من المدن وأسفرت عن تلوث الهواء، بلغ ذروته في طهران، أما تركيا فتقول رداً على وسائل إعلام إيرانية، وكما نقلته صحيفة «الخط الأخضر» بقيادة الناشط البيئي الزميل خالد الهاجري، إن العواصف الرملية والترابية تعتبر ظاهرة طبيعية، مبينة السبب الرئيس بأنه الغبار الصحراوي القادم من إفريقيا والشرق الأوسط والمتضرر منه تركيا وإيران!

 

ثلاث جهات تتقاذف المسؤولية وترمي الكرة في ملعب الآخرين، في حين أن الواقع شيء آخر ومختلف تماماً، يأتي في مقدمته الأزمة الطاحنة والمتمثلة بشح موارد المياه والندرة التي وصلت إليها والمعاناة التي نتجت عنها على صعيد الزراعة والتصحر ومياه الشرب وتغير المناخ، ومشكلة السدود ليست على الجانب التركي فقط، بل عند إيران التي أمعنت الضرر للعراق بالدرجة الأولى، كما هو الضرر التركي، فالخطاب التركي في موضوع السدود والمياه لم يتغير، فهي تنظر إلى المياه بكونها «عابرة للحدود» وليس للأطراف المتشاركة معها حقوق تلزمها وفق المواثيق الدولية وقانون البحار الدولي، فالمياه عنصر كما تدعي من «عناصر التعاون»، في حين أن طهران تشتكي من بناء تركيا للسدود وتعتبره «أمراً غير مقبول».

 

المشكلة أن التعامل في ملف مصيري ووجودي من الطرفين المهمين والمؤثرين، وهما إسطنبول وطهران، يغلب عليه «التسييس»، فقد وُضع على الطاولة ضمن أوراق الضغط المعهودة، فبغداد تقول إن تركيا وافقت على تقاسم الضرر معها عبر محادثات فنية، لكن إيران ترفض هذا التقاسم بل قطعت ستة روافد كبرى كانت تغذي نهر دجلة على ذمة الوزير العراقي مهدي الحمداني.

 

الجانب المأساوي للأزمة يظهر في نهر دجلة ويصل إلى شط العرب، ويتضرر منه العراقيون وبالتبعية وضع الكويت المناخي والمائي، فإيران تستخدم هذه الورقة للضغط على العراق من أجل أن تعيد العمل باتفاقية الجزائر عام 1975 والتي كانت أحد أسباب الحرب مع العراق لمدة 8 سنوات.

 

الحقيقة الماثلة للعيان أن التحكم في حصة العراق من المياه بيد تركيا وإيران، وأن السدود التي تبنيها الدولتان تقلل من كميات المياه الواردة إليها، وقد تكرر الأمر عدة مرات، فنسبة النقص في المياه وصلت إلى أكثر من 40% وهذا ما يؤدي إلى حدوث كوارث في العراق الذي تراجع فيه عدد أشجار النخيل من 30 مليون نخلة إلى 18 مليونا، كما يقول العارفون بالزراعة.

 

أما موضوع الغبار فقد يكون أحد الأوجه الناتجة عن الشح والنقص في المياه، وبالتالي ينعكس على تقلبات وأحوال المناخ، وفي بيئة صحراوية مساعدة أصلاً على تراكم العواصف الترابية والحاملة لكائنات دقيقة تتسبب في الكثير من المشاكل الصحية للإنسان.

 

قيل إن تغير المناخ سيقلب حياتنا رأساً على عقب، فالتبدلات التي نعيشها قد تتحول إلى «كابوس» يلاحق الجميع، والبعض ذهب إلى التنبؤ بأن هذه الظاهرة ستحول الأرض إلى صخرة قاحلة على غرار المريخ أو عطارد!! وارتفاع درجات حرارة الأرض أقرب مثال على ذلك.

 

عودة إلى مبادرة المملكة العربية السعودية وقيادتها في تحول المنطقة إلى «الاقتصاد الأخضر» وزراعة 50 مليار شجرة في العالم العربي، أين نحن الآن من تلك المبادرة الإنقاذية التي أطلقت عام 2021؟ الخطة تحتاج إلى برامج فعلية يلتزم بها الجميع، فلربما كانت أحد الحلول والمساهمات، وقد تكون دول الخليج أقدر على التنفيذ والبدء بالعمل ثم المتابعة، فهل نرى نقطة ضوء قادمة تخفف عن الجميع انعدام الرؤية؟

زر الذهاب إلى الأعلى