الاختراق يقزم الحرس الثوري الإيراني
سلطات طهران تصاب بـ "الارتباك والتناقض" عند كل حادثة اغتيال وتقارير تتحدث عن حبس عشرات القادة بتهم الفساد والعمالة لإسرائيل
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
تجاوزت الاختراقات في الأجهزة الأمنية الإيرانية مرحلة التكهن أو التحليل إلى مرحلة الإثباتات والأدلة، وأصبح واضحاً أن الأمن الإيراني قد تعرض لنكسة أصابته بمقتل منذ أن اغتيل العالم النووي محسن فخري زادة أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إذ أكدت إيران أن إسرائيل هي من نفذ عملية الاغتيال.
وكانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) نشرت في فبراير (شباط) الماضي عبر تقرير لها تأكيد حقيقة تلك الاختراقات عندما قالت إن سلطات طهران احتجزت عشرات القيادات في الحرس الثوري، إثر اغتيال زادة، إضافة إلى حوادث وتفجيرات واختراقات سيبرانية هزت مواقع نووية متعددة، وخلال الـ 12 عاماً الأخيرة فقدت إيران عدداً كبيراً من كبار العلماء والقادة والسياسيين في عمليات اغتيال، وفي كل مرة كانت طهران تشير بأصابع الاتهام إلى أجهزة استخبارات دولية على رأسها الـ “موساد” الإسرائيلي.
مقتل قياديين في ظروف غامضة
في الـ 22 من مايو (أيار) الماضي أعلنت وسائل إعلام حكومية في إيران أن ضابطاً رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني اغتيل على يد مسلحين في العاصمة طهران، وأشارت تقارير إلى أن شخصين على متن دراجة نارية أطلقا النار على العقيد حسن صياد خدائي لدى وجوده في سيارته خارج منزله بطهران.
واغتيل خدائي في وضح النهار الساعة الرابعة عصراً وعلى مقربة من مقر البرلمان الإيراني، وفي شارع محيي الدين الإسلام، أكثر المناطق أماناً في العاصمة طهران، وحيث يقطن مسؤولون كبار من الحرس الثوري.
ووصف الحرس الثوري خدائي بأنه “مدافع عن المراقد”، وهو مصطلح يستخدم عادة للإشارة لكل من يعمل لمصلحة الجمهورية الإيرانية في سوريا أو العراق، ومن ثم وبعد أقل من أسبوع على تلك الحادثة أفادت مصادر “إيران إنترناشيونال” المعارضة بأن العقيد علي إسماعيل زادة، أحد قادة الوحدة (840) لفيلق القدس التابعة للحرس الثوري والمقرب للعقيد حسن صياد خدائي توفي يوم الإثنين الـ 30 من مايو الماضي بعد سقوطه من سطح منزله، ووفق مصادر الموقع فإن موت إسماعيل زادة كان تصفية جسدية من قبل استخبارات الحرس الثوري.
وتحدث تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في الرابع من يونيو الحالي عن أن مقتل زادة أثار تساؤلات عدة بعد تقارير محلية متضاربة تحدثت عن سقوطه من شرفة منزله، وأخرى أشارت إلى أنه انتحر أو ربما قتل، وأعقب تلك الحادثة خبر وفاة المتخصص في تطوير الطائرات المسيرة والصواريخ أيوب انتظاري، وأعلنت مصادر السلطات الإيرانية أن الوفاة جاءت نتيجة تسمم غذائي، لكن نبأ الوفاة الغامض لانتظاري جاء بعد يومين من إعلان “إيران إنترناشيونال” تصفية العقيد علي إسماعيل زادة للاشتباه في تجسسه وتورطه بتسريب معلومات لأجهزة استخبارات أجنبية ساعدت في اغتيال خدائي.
ونفت إيران خبر اغتيال إسماعيل زادة، وبالتزامن مع هذه الأحداث المتوالية كان الحرس الثوري قد أعلن تفكيك خلية على صلة بإسرائيل وجهاز الـ “موساد” وألقى القبض على عناصرها.
وأشار المتحدث باسم الحرس الثوري العميد رمضان شريف إلى أن ما سماه “جهاز استخبارات الكيان الصهيوني” وجه هذه الخلية لتنفيذ أعمال خطف وتخريب، وأن إيران سترد بشكل حازم ومدمر إذا ثبت ارتكاب إسرائيل أي عمل شرير ضدها في أي مكان.
فضائح أمنية مرتبطة بـ “فساد”
إيران التي تتفاخر أنها تسيطر على أكثر من عاصمة عربية، ليست المرة الأولى التي تصاب أجهزتها الأمنية بالارتباك عند حادثة اغتيال أو خرق من نوع ما، إذ تتشابك التصريحات الرسمية حتى لتبدو أنها متناقضة، وحدث ذلك عند اغتيال العالم النووي فخري زادة، وظهر الارتباك جلياً داخل المؤسسات الأمنية والإعلامية الإيرانية في شأن تفسير الحادثة، إذ تقاذفت المسؤوليات حول التقصير في حماية “أبو القنبلة النووية الإيرانية”، كما يُلقب العالم.
وواجهت عملية الاغتيال حينها (حدثت على الأراضي الإيرانية) موجة غضب شعبي، إذ طافت احتجاجات غاضبة شوارع طهران منددة بالحادثة ومطالبة بـ “الرد السريع”، ولام كثير من الإيرانيين سلطاتهم الأمنية.
وقال بعض المغردين، “في الوقت الذي تنشغل أجهزة الاستخبارات والجهاز الأمني بقمع الطلبة والناشطات النسويات والصحافيين وأصحاب الفكر المختلف، يغتال في وضح النهار علماء نوويون في الشارع”، ولطالما أخفقت الأجهزة الأمنية الإيرانية في تجنب حوادث كثيرة منها التفجيرات المتلاحقة التي ضربت مواقعها النووية، ولم تكشف ما كان يجهز لقادتها، كـ”رجل الظل” قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وصولاً إلى اغتيال زادة، علماً بأن الرجلين عاشا في السر حياة متخفية.
التناقض الذي أتى على لسان المسؤولين الإيرانيين لفت إليه تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” نشر عقب اغتيال زادة، وأشار إلى أن التناقض يعني “توتراً داخل المؤسسة الحاكمة”، موضحاً أن “كل طرف يحاول تجنب تحمل المسؤولية، فالشعور بالإهانة الذي أصاب المؤسسة الحاكمة بمقتل فخري زادة قادها لإعادة كتابة الحادثة وإخراجها مثل رواية خيال علمي، فقالوا إن إسرائيل قتلته من خلال استخدام ريموت كونترول أو عبر رشاش موجه أطلق سيلاً من الرصاص على سيارة العالم من دون وجود أي من المهاجمين في مكان الحادثة”.
وأضاف التقرير، “الفشل في إلقاء القبض على القتلة فاقم الفضيحة حول إخفاق الحكومة بمنع عملية الاغتيال، كما أن الرشاش المستخدم في العملية يشبه الذي صنعته أنظمة رفائيل الدفاعية المتقدمة واسمه بالعبرية (ترى وتقتل)”.
التناقض والثغرة الأمنية تأكدا بعد أن قال وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي حينها إن أحد أفراد القوات المسلحة في بلاده “ضالع في اغتيال العالم النووي”، مضيفاً في برنامج عبر التلفزيون الرسمي أن الاستخبارات وقبل شهرين من مقتل زادة “زودت القوات المسلحة بمعلومات في شأن احتمال وقوع عملية اغتيال في المنطقة نفسها”، ومؤكداً أنه “على الرغم من ذلك لم تتخذ التدابير اللازمة”.
ونقلت “بي بي سي” في تقريرها عن ضابط استخباراتي سابق في فيلق القدس تأكيده أن وكالات أجنبية جمعت أدلة ضد مجموعة من السفراء الإيرانيين وقيادات الحرس الثوري، مبيناً أن تلك الأدلة تحوي معطيات عن علاقات غرامية مع نساء يمكن استعمالها لابتزاز هؤلاء المسؤولين وإجبارهم على التعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية.
كما أشارت هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن أحمدي نجاد أكد صحة تلك الادعاءات العام الماضي، إذ قال “هل هذا أمر طبيعي عندما يتبين أن أرفع ضابط مسؤول عن مراقبة الجواسيس الإسرائيليين ومكافحة المخططات الإسرائيلية في إيران هو نفسه عميل إسرائيلي؟”.
وشدد التقرير على أن مسؤولين إيرانيين سابقين قلقون اليوم من تواصل الـ “موساد” المزعوم مع قيادات بارزة في أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، وأوردت عن المستشار البارز للرئيس حسن روحاني وزير الاستخبارات السابق علي يونسي قوله خلال مقابلة، “لقد توسع نفوذ الـ (موساد) في أنحاء مختلفة من البلاد إلى درجة أصبح معها كل شخص في القيادة الإيرانية يضطر إلى الخوف على حياته وسلامته”.
وأضافت أن “مصادر داخل الجناح الأمني لسجن إيفين في طهران الذي يضم متهمين بالتجسس لمصلحة دول أخرى قالت إن العشرات من قيادات رفيعة المستوى في الحرس الثوري محتجزة هناك”، فيما تمتنع الحكومة عن نشر أسمائهم أو رتبهم لتفادي الأضرار بسمعة الحرس الثوري.
تبريرات الرئيس الإيراني “غير مقنعة”
وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خرج عن صمته عقب يوم واحد من المعلومات التي أوردتها الـ “بي بي سي” وفضحت مدى توغل الفساد في الداخل الإيراني، وقال إن من أولويات أجهزة بلاده الاستخباراتية والأمنية “منع نفوذ الأعداء والتعامل مع رؤوس شبكات الفساد والقضاء على مافيات التهريب”، متجاهلاً الفساد الذي وصلت إليه طهران.
وكانت إذاعة “فردا” الإيرانية المعارضة بثت في فبراير الماضي تسجيلاً صوتياً مسرباً حول خطاب ألقاه كبار قادة الحرس الثوري الإيراني قبل أربع سنوات، اُتهم فيه رئيس البرلمان الحالي والعمدة السابق لطهران محمد باقر قاليباف وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني بالفساد. وتضمن التسجيل الممتد لـ 50 دقيقة محادثة بين القائد العام السابق للحرس الثوري محمد علي جعفري ونائبه للشؤون الاقتصادية صادق ذو القدر، وتظهر فيه أسماء مثل قاليباف الذي كان حينها رئيس بلدية طهران، وكذلك نائب منسق الحرس الثوري الجنرال جمال الدين أبرومند، ورئيس جهاز الاستخبارات بالحرس حسين طيب.
وتناولت المحادثة قضية الفساد التي تورطت بها شخصية في شركة “ياس القابضة” التابعة لمؤسسة الحرس الثوري التعاونية، فقال الجنرال ذو القدر إنه “حاول استخدام نفوذ قاليباف لإغلاق قضية الفساد في ياس القابضة، بينما دعم رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب قاليباف”.
كما يذكر جعفري أن قاسم سليماني كان غير مرتاح للتحقيق مع نائب منسق الحرس الثوري آنذاك الجنرال جمال أبرومند والأشخاص الواردة أسماؤهم في ملف الفساد، وأنه تحدث إلى المرشد علي خامنئي.
واعترف الحرس الثوري الإيراني بصحة التسجيل الصوتي المسرب، إذ قالت وكالة “أنباء فارس نيوز”، وهي الذراع الإعلامية الأقوى للحرس الثوري الإيراني في شأن ما تم تسريبه عبر وسائل إعلام إيرانية معارضة بالخارج، إن “التسجيل الصوتي المسرب صحيح ويعود للواء محمد علي جعفري القائد السابق للحرس الثوري”، فيما علق النائب السابق والقيادي في التيار الإصلاحي محمود صادقي في تغريدة عبر حسابه على “تويتر” على التسريب قائلاً، “الفساد في الملف الصوتي هو مثال آخر على الفساد البنيوي”.
اغتيالات لقادة وعلماء على مدى 12 عاماً
مسعود علي محمدي
أستاذ مادة فيزياء الجسيمات في جامعة طهران قتل في الـ 12 من يناير (كانون الثاني) 2010 بانفجار دراجة نارية مفخخة عند خروجه من منزله في طهران، وسارع كثير من المسؤولين ووسائل الإعلام الرسمية في إيران إلى تحميل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية مسؤولية عملية الاغتيال.
مجيد شهرياري
مؤسس الجمعية النووية الإيرانية والذي كلف بأحد أكبر المشاريع في المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية قتل في الـ 29 من نوفمبر 2010، في طهران بانفجار قنبلة ألصقت بسيارته.، وفي اليوم نفسه جرح عالم نووي آخر هو فريدون عباسي في هجوم اعتمد الطريقة نفسها.
داريوش رضائي نجاد
قتل العالم داريوش رضائي نجاد برصاص أطلقه مجهولان كانا على دراجة نارية وسط طهران في الـ 23 من يوليو (تموز) 2011، وقدمت وسائل الإعلام الإيرانية رضائي نجاد في البداية على أنه متخصص في الفيزياء النووية ويعمل للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية ووزارة الدفاع، لتعود بعد ذلك لتقول إنه كان يعد الماجستير في الكهرباء.
حسن مقدم
جنرال في الحرس الثوري قتل في الـ 12 من نوفمبر2011 إثر انفجار في مستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري في إحدى ضواحي طهران، وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 36 شخصاً.
وذكرت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” الأميركية حينها أن عملاء سابقين في الاستخبارات الأميركية قالوا إن الانفجار ناجم عن عملية نفذتها الولايات المتحدة وإسرائيل.
مصطفى أحمدي روشان
العالم الذي كان يعمل في موقع “نطنز” النووي قتل في الـ 11 من يناير 2012 بانفجار قنبلة مغناطيسية وضعت على سيارته قرب جامعة العلامة الطبطبائي شرق طهران.
قاسم سليماني
قائد فيلق القدس في الحرس الثوري وقتل في الثالث من يناير2020 إثر ضربة أميركية بطائرة مسيرة في بغداد.
محسن فخري زادة
العالم النووي الذي قتل في الـ 27 من نوفمبر 2020 قرب طهران، وقُدم فخري زادة بعد مقتله على أنه نائب وزير الدفاع ورئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في الوزارة، وشارك في “الدفاع الذري” للبلاد.
صياد خدائي
اغتيل في الـ 22 من مايو الماضي، وهو عقيد في الحرس الثوري كما أسلفنا. وقال قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي إن خدائي قتل “على يد أشقى الأشقياء، أي الصهاينة، وإن شاء الله سنثأر لدماء الشهيد”.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أوردت أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها مسؤولة عن اغتيال صياد خدائي، وعند كل عملية اغتيال تتهم إيران الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء الاغتيالات.