النشرة الدولية –
النهار العربي- ماجدة داغر –
تسلّمت مدينة إربد الأردنية راية الثقافة العربية من مدينة بيت لحم الفلسطينية، وذلك بعدما اختارتها المنظمة العربية للتربية والثقافة (ألكسو) “عاصمة الثقافة العربية 2022”.
اختيرت المدينة من ضمن برنامج عواصم الثقافة العربية الذي يُعدّ من أهم برامجِ المنظّمة، لما حَقّقه من مشهدية ثقافية مهمة في معظم العواصم السابقة. وحال وباء كورونا السنة الماضية دون الاحتفاء بالحدث الذي ستمتد فاعلياته على مدار السنة في كل المحافظات الأردنية.
تأتي الاحتفالية هذا العام تزامنًا مع اختيار مدينة مأدبا أيضا عاصمة للسياحة العربية، وذلك في غمرة احتفالات المملكة الأردنية الهاشمية بدخولها المئوية الثانية.
وفي حضور أردني وعربي رفيع المستوى يتقدمه رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة ممثلا الملك عبد الله الثاني، ووزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار، ووزراء الثقافة العرب، والمدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور محمد ولد أعمر، انطلقت الاحتفالات في مدينة الأقحوان، برعاية الملك عبد الله الثاني على مدرج الكندي في جامعة اليرموك، والتي بدأت بأوبريت: “إربد أقحوانة الحياة” عن تاريخ الأردن.
سميت المدينة بـ “الأقحوانة” نسبة إلى زهرة الأقحوان التي تنبت فيها بكثرة. وتقع إربد في شمالِ غربِي الأردن، وتتميز بتاريخها العريق وبمثقفيها وشعرائها وقاماتها الفكرية وأبرزهم شاعر الأردن مصطفى وهبي التل “عرار” الذي اختير “رمزًا للثقافة العربية”. كما تتمتع المدينة بأهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي والعربي، “فقد كان لها دور كبير في معارك المسلمين الحاسمة في اليرموك وحطين، ومع مجيء الهاشميين بعد العام 1923 قاموا بتطوير المدينة وتنميتها وتحديثها حتى أصبحت تضم العديد من المعالم الحضارية والعلمية”، بحسب الباحث في التاريخ العربي ودلالاته الميثولوجيّة سعد السويلم.
يُتوقع أن تستقطب إربد، المثقّفين والأدباء والفنانين والسيّاح من كل محافظات الأردن، ومن العالم العربي للتعرف الى الإرث الثقافي والحضاري للمدينة. كما أن حملها راية الثقافة العربية “يستوجب استنهاض هيئات المدينة ومثقفيها لمزيد من الإبداع والابتكار والعطاء من خلال العمل التشاركي والأفكار الخلاقة التي تشكل إضافة نوعية وفاعلة للثقافة والفنون باختلاف حقولها ومفرداتها، مستفيدة من تراث المدينة وتراث قاماتها وأعلامها”، كما جاء في كلمة وزيرة الثقافة هيفاء النجار.
وعن أسباب اختيار إربد عاصمة الثقافة وأهمية هذا الحدث وتأثيره في المشهد الثقافي والسياحي الأردني، تحدث الإعلامي فضل معارك إلى “النهار العربي”: “كإبن لمحافظة إربد، جاء اختيار “عروس الشمال” عاصمة للثقافة العربية نتيجة البعد التاريخي والحضاري الذي يميز هذه المحافظة عن غيرها. تمتاز إربد بالتنوع الثقافي، فسكان هذه المحافظة يشكلون لوحة جميلة في العيش المشترك من شتّى المنابت والأصول. بالإضافة الى سكانها الأصليين يعيش فيها أيضًا من هاجروا إليها من دول عربية شقيقة وأجنبية صديقة، من مدن سوريا وفلسطين ولبنان، فالتعايش الديني في هذه المحافظة هو من أبرز سماتها نتيجة وجود العديد من الطوائف المسيحية. هذا التنوع الثقافي أثر في المكون الثقافي والاجتماعي للمدينة، فلدينا الشوام والأرمن والأكراد، ومن مدن فلسطين المجاورة ومن لبنان. هذا الموزاييك استطاع أن ينعكس على الحياة الثقافية والفنية ونجد هناك تعددًا لأنواع الفولكلور الأردني والموسيقى والرقص”.
تضمّ إربد التاريخية، يتابع معارك، أعرق المساجد والكنائس والأسواق القديمة والمدارس. وهي من أبرز المدن التي تحتوي على العديد من الآثار لحقبات زمنية مختلفة، وهي من ضمن المدن العشر الرومانية الديكابولوس، وفيها إربد/ أرابيلا، ومدينة أم قيس/ جدارا التاريخية بامتياز، ومنطقة بيت رأس الأثرية، وكذلك طبقة فحل/ بيلا، والعديد من المناطق الأثرية. كما أنها مسقط رأس عدد كبير من رجالات السياسة والمثقفين والأطباء والمؤرخين والباحثين والأكاديميين والفنانين، ونفتخر بالفنان عبده موسى عازف الربابة والصوت الجميل الذي هو من أبناء المحافظة. بالإضافة إلى الشخصيات الثقافية العربية كالشاعر مصطفى وهبي التل “عرار” رمز الثقافة العربية 2022 من قبل الـ “ألكسو”، وهو أحد الأسباب التي حدت بالمنظمة العربية للتربية والثقافة أن تختار إربد عاصمة عربية للثقافة. كما أنها تعتبر “سلّة الغذاء” الأردني بالنسبة الى القمح قديمًا واليوم تشتهر بزراعات عديدة كالحمضيات والتمور والزيتون والرمان والفواكه الأخرى وتشتهر بطبيعة خلابة.
ويضيف:”ما يميزها ايضًا وجود جامعتين حكوميتين خرجتا أجيالًا تبوأت مناصب علمية وسياسية وإعلامية وفنية وأكاديمية عالية، بالإضافة إلى عدد من الجامعات الخاصة المهمة. أما المرأة في إربد فتشكل علامة فارقة على صعيد المحافظة، فبالإضافة الى أنها كانت إلى جانب الرجل في الزراعة والفلاحة، إلا أن الحركة النسائية في إربد شكلت حالة مميزة على صعيد التعليم والثقافة. فأول امرأة تخرجت من الفرنسيسكان في دمشق كانت من إربد قبل تأسيس إمارة شرق الاردن في العام 1919، هذا بالإضافة إلى انخراطها في العمل الاجتماعي والتطوعي. وقد شكّل تأسيس جامعة اليرموك في السبعينات من القرن الماضي حافزًا للكثير من العائلات في المحافظة لتشجيع بناتها على الدخول إلى الجامعة وإكمال الدراسات العليا”.
ويرى معارك ان”اختيار إربد لم يأت من فراغ فهناك شهداء قدموا الغالي والنفيس على أرض فلسطين الحبيبة هم أيضاً من أبناء محافظة إربد. كما أنها تضم العديد من رجالات السياسة والفكر الذين كان لهم دور بارز في الحياة السياسية. البيوت التراثية تشكل حالة مهمة جداً في تطور المدينة وهي تُعد تجمعًا لأهل السياسة والفكر والثقافة”.