تُونُسّْ الخضراء: قِبلةُ إشراقةٍ سياحيّةْ في أفقِ المغربِ العربيّ
النشرة الدولية –
برس بارتو – تغطية، تنفيذ وإشراف عام: زلفا جورج عسّاف –
تلك الهامةُ السياحيّة التي تتلألأُ في أفقِ المغربِ العربيّ بإطلالتها المَشرقيّة، بسحرِ سمائها ومُناخها المُتنوّع، بطيبة مَلقى أهلها وحُسن ضيافتهم، برقّة سحرها
العربيّ الشرقيّ والتراثيّ والحضاريّ في آن معاً، لهيَ فعلاً تُسحر الأنظارَ وتُشعلُ الألبابَ بمحافظتها على تراثها العمرانيّ في العديد من المناطق كما في منطقة “سيدي بو سعيد” المَطليّةُ منازلُها بالأبيض والأزرق. وفي مدينة تُونُسْ العتيقة وأسواقها الشعبيّة، شغفٌ آخر بطابع تونس الحضاريّ.
إستلّتْ تُونُسْ من سيف التاريخ، حضارةً، زيّنت برونقها أصالةَ العراقة العربية، كما وخلقت لها رابطاً عربيّاً جمعها بجذور لبنان، حيث أتت الملكة أليسار من أرض مدينة صور اللبنانيّة، مُتجهة نحوها لتؤسس هناك مملكة قرطاج، ناسجة تاريخاً حضارياً لشعبٍ قرطاجيّ- تونسيّ، في تلك المدينة الخضراء.
شكّل هذا الرِباط في علاقة الشعبين اللبنانيّ والتونسي، حنيناً لشغف التواصل الحضاري ذي الجذور “الصُوريّة”-“القرطاجيّة”، فحمل معه الكثيرَ من المُعطيات الثقافيّة والحضاريّة والسياحيّة والعاداتِ والوثائقَ التاريخيّة والإنجازات التي قامت بها إليسّا “لُبنانيّة قرطاجه”.
وهذا ما يُفسِّرُ تماماً محبة الشعب التونسيّ للشعب اللبنانيّ والرغبة في التواصل على الصعد كافة. ومن خلال هذه العلاقة الطيّبة، تسعى الدولة التونسيّة دوماً الى تشجيع وترويج المرافق السياحيّة التونسية وجذب السُيَّاح اللبنانيين بشكل خاص الى جانب السُيَّاح العرب والأجانب، صوب الوُجهة التونسيّة.
(وفي صُلب هذا السياق، نظَّمَت وزارة السياحة التونسيّة بالتعاون مع شركة الخطوط التونسية-(الطيران التونسي مكتب لبنان
والسفارة التونسيّة في لبنان وعلى رأسها سعادة السفير التونسي في لبنان كريم بودالي، رحلةً سياحيّة ًلمجموعةٍ من أصحاب وممثليّ ثماني شركات سفر لبنانيّة وممثلين عن الوسائل الإعلامية اللبنانيّة، الى الوجهة التونسيّة ومَرافقها السياحيّة المتنوّعة، بهدف خلق تواصل سياحيّ ناشط بين البلدين.
نسَّقت هذه الرحلة الآنسة غادة حرفوش من مكتب الخطوط التونسيّة لبنان وقد أدارت يوميّات وُجهات الرحلة على الأراضي التونسيّة وأشرفت على تفاصيلها كافة، السيدة ليلى الشابيّ المديرة الإقليمية للخطوط التونسية (الطيران التونسي: لبنان، سوريا والأردن) والتي رافقت الوفد اللبناني الى الأراضي التونسيّة.
في التفاصيل….
لَعلَّ أقلّ ما يُقال عن هذه الرحلة”أنها رائعة” بكامل تفاصيلها، من دقّة الاهتمام براحة الوفد وسلامته ورفاهيته والقدرة على إيصال المعلومات السياحيّة والثقافيّة والتراثيّة بطرق متميّزة، الى مراحل الرحلة التي امتدّت على مدى أربعة أيام، جلنا خلالها على أهم المناطق والمواقع السياحية والأثريّة والتراثية في تونس… تفاصيلٌ حرصت إدارة الخطوط التونسيّة أن تُتقنها على أكمل وجه.
في الأجواء وعلى متن رحلة الطيران التونسيّ، إلتقينا بإبن تُونُسْ الفنان صابر الرباعي، إبن مدينة صفاقس التونسيّة، حيث كان متوجهاً من لبنان لزيارة موطنه، فأجرينا معه حديث مصّور (بالإمكان متابعة مقتطفات من المقابلات وأجواء الرحلة على رابط الفيديو في ختام المقال)، تحدّث خلاله الفنان رباعي عن بلده كوجهة سياحيّة عربيّة وعن مدى التقارب الثقافيّ واللغويّ ما بين الشعبين التونسيّ واللبنانيّ والشعوب العربيّة، مُشيراً الى أن التعريف عن تُونُسْ لا يختصر بدقائق قليلة، من ساحلها الى جبلها الى صحرائها الى قرطاجها ومدنها العريقة “هي عشق هي أمٌّ هي جمالٌ”… وهو كفنان يحمل وطنه بصوته الى العالم وتبقى تُونُسْ في قلبه هي الأم ولبنان العشق.
في الربوع التونسيّة
وما إن وطئنا أرضَ تُونُسْ الخضراء، حتى لقينا الترحاب من قبل مكتب وزارة السياحة في المطار، لنتوجّه بعدها الى مدينة سوسة التي تقع في الوسط الشرقيّ للبلاد وهي مركز منطقة الساحل التونسي وتعرف بـ”جوهرة الساحل” أسّسها الفينيقيون في الألف الأول قبل الميلاد (سنة 1101ق.م.) سوسة هي مدينة ساحلية تشرف على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، سواحلها رملية ملائمة للنشاط التجاري البحري وللنشاط السياحي وتتميز بمناخها المتوسطيّ المعتدل.تُحيط بالمدينة شبكة عمرانية كثيفة وأكبر المُدن المحيطة بها من حيث عدد السكان هي مساكن مركز معتمدية والمنستير.
جولة الأيام الأربعة في تُونُسْ الخضراء
بعد جولتنا في مرسى القنطاوي لدى وصولنا الى تُونُسْ مساءً، تميّزَ اليوم الأول من جولتنا التونسيّة بزيارة مدينة المنستير وهي مركز ولاية المنستير التي تعد واحدة من أهم مدن تونس وتبعد 24 كم عن سوسة. كانت هذه المدينة مستعمرة فينيقية تعرف “بروسبينا” أسسها مهاجرون من صور في نهاية القرن السادس ق.م تحديداً في عام509 ق.م حيث ورد ذكر المدينة في المعاهدة التي عقدت بين القرطاجيين والرومان في ذلك العام وقد أتخذها يوليوس قيصر كقاعدة عسكرية له.
تُعتبر المنستير منتجعاً سياحيّاً بامتياز ومركزاً تعليميّاً بارزاً، ظلَّت على مدى نصف قرن مدينة الوزراء والحُكّام في تونس.
في المنستير زرنا مقبرة الرئيس الراحل حبيب بورقيبه وهو أول رئيس للجمهوريةالتونسية 25:يوليو /1957 نوفمبر. 1987أسّس الرئيس الراحل بورقيبه في 2 مارس 1934 بقصر هلال ،الحزب الحرّ الدستوري الجديد وبعد اعتقاله ونفيه لنشاطه النضالي عاد إلى تونس ولمّا اندلعت الثورة المسلحة التونسية في 18 يناير 1952 اعتقل وتنقل بين السجون في تونس وفرنسا ثم شرعت فرنسا في التفاوض معه فعاد إلى تونس في 1 يونيو 1955 ليستقبله الشعب إستقبال الأبطال ويتمكن من تحريك الجماهير، لتوقع فرنسا في 3 يونيو 1955 المعاهدة التي تمنح تونس استقلالها الداخلي وتم توقيع وثيقة الاستقلال التام وألف بورقيبة أول حكومة بعد الاستقلال. يذكر أن الرئيس بورقيبه قد توفّيَ في العام 2000 .
خلال زيارتنا الى حرم المقبرة، طالعنا المقتنيات الشخصيّة للرئيس بورقيبه فضلاً عن الضريج حيث الجثمان.وبعد ذلك عدنا الى مدينة سوسة وقمنا بجولة مُطوّلة في أرجاء المدينة القديمة.
*تبدّلت الوجهة في اليوم الثاني الى مدينة الحمّامات التي تقع في الشمال الشرقي للجمهورية التونسيّة. تعرف المدينة بكونها موطناً للإستجمام والبحث عن الرّاحة والسّكينة وهي تتميّز أيضاً بالصناعات التقليديّة سيما لدى البحّارة وطرق صيدهم التقليديّة. في المدينة قمنا بجولة في أرجاء المدينة المتوسطيّة “متحف الحضارات والأديان” واطّلعنا على أهمية وتاريخيّة المحتويات والوثائق والصكوك والمعروضات التي تعود لحقبات عبر التاريخ، طبعت حضارة شعوب وتقاليدها وحكاياها، في سطور حُفظت في حنايا المتحف الذي يرمز الى التسامح الديني ويشمل نماذج معماريّة مختلفة.بعد ذلك، توجهنا الىAqua land مدينة الملاهي المُصمَّمة في الجوار، لتُحافظ على البيئة والطبيعة والتي تحمل طابعاً تاريخياً في مواضيع تصاميمها كما وتعمل هذه المدينة على جذب السُيّاح والعائلات التي ترقى الى التمتّع بالعطل في ظلّ أجواء تُونُسْ الخضراء،إذ يتمتّع محيط المدينة بأجواء الحماية القصوى Safety Standards كما ويتميّز محيط المدينة بجلسات شعبيّة ومطاعم منتشرة في الأرجاء فضلاً عن مواقع الحمام التركي وما توفره للمُرتادين من أجواء الراحة والاستجمام والصحة الجسديّة. ويبقى للجولة في السوق الشعبيّ، رونق آخر بالقرب من مدينة الملاهي، حيث تجتمع كل تلك الأجواء في مكان واحد.
بعد ذلك قمنا بجولة في مدينة الحمامات قرب خليج الحمامات في منطقة الوطن القبلي وقلعة الحمامات.إنتقلنا في اليوم الثالث الى تونس العاصمة حيث جلنا في أرجاء الضاحية الشمالية والمرسي وقرطاج ومنطقة سيدي بو سعيد التي يعــود تأسـيسـها إلى القرون الوسطى وتقع في أعالي المنحدر الصخري المُطلّ على قرطاج وخليج تونس. تعتبر سيدي بو سعيد ضاحية سياحيّة في شمال شرق تونس العاصمة وتُعدّ كأول موقع محمــيّ فــي العــالــم، حيث تمثّل مكاناً سياحياً رائعاً وتتميّز بفن معماريّ خاص بها، حيث طُليت بيوتها باللونين الأبيض والأزرق، وميَّزت أبوابها العتيقة الزرقاء زينة النقوش والزخارف الجميلة، ما أكسبها طَابعاً مُتفرِّداً.
* في خلال الجولة زُرنا مدينة قرطاج وأرجاءها وهي من أقدم المُدن التّاريخية تقع على بعد خمسة عشرة كم من العاصمة التّونسية. وترتبط قرطاج تاريخياً بجذور لبنانيّة مع أليسار أو الأميرة الفينيقة “عليّسة” كما تدعى لدى التونسيين، وهي ملكة قرطاج الآتية من صور لتؤسس مدينة خاصة بها في أحد بلاد حكام الأمازيغ آنذاك أي غرب البحر المتوسط. نجحت هذه الأميرة بتأسيس مدينتها الخاصة على ربوة عالية في تونس وتسمى هضبة بيرصا وبذلك أسّست حضارة قرطاج.
*بعد هذه اللقاءات والجولات ختمت زيارتنا الى تونس في اليوم الرابع والأخير، بجولة على الأسواق الشعبيّة في المدينة القديمة لتونس العاصمة. وختمت الرحلة بورشة عمل اجتمع خلالها ممثلو شركات السفر اللبنانية مع نظرائهم من تونس وتبادلوا الخبرات والمعرفة وسبل التواصل والتعاون. وكان لنا لقاء على هامش ورش العمل مع السيدة نرجس التريكي مسؤولة إدارة المبيعات في الخطوط التونسية بأسواق الشرق الأوسط والبلاد العربية.إعتبرت التريكي”أن تدفّق السُيّاح اللبنانيين الى تونس يزيد في المردوديّة ويُدعّم أكثر العلاقات ما بين البلدين على المستوى السياحي، الثقافي والإقتصادي ….صحيح أن الخطوط التونسية هي ناقلة، لكننا نسّقنا ورشة العمل هذه لنُساهم في تقريب العلاقات بين وكالات السفر اللبنانيّة والتونسيّة بهدف تقوية وتنشيط العمل السياحي”.
من جهته، إعتبر السيد عفيف كشوك مدير عام M.I.T ورئيس ومدير تحرير Tourisme”أن هذا الحدث هو بمثابة التحضير للموسم السياحي والبرمجة للصيف والربيع في أوقات الذروة القادمة، وهذا التعارف ما بين الوكلات يجذب السُيّاح باتجاه الطرفين،مُرحِبّاً بجميع السيّاح أينما أتوا الى تونس بلد الشواطئ الجميلة والمناظر الخلاّبة، بلد الضيافة والأسعار المناسبة مقارنة مع بلدان أخرى.” مشيراً، الى وجود التقارب ما بين الشعبين اللبناني والتونسي لناحية الثقافة واللغة.
من جهتها، أشارت السيدة ليلى الشابيّ المديرة الإقليمية للخطوط التونسية (الطيران التونسي لبنان، سوريا والأردن) “إلى أن الوجهة السياحية الى تونس تمتاز بنمطين من السياحة، السياحة العلاجيّة والسياحة التاريخية -الأثرية الى جانب سياحة الشاطئ والصحراء”. وأضافت “كخطوط تونسيّة نحرص دوماً على نقل السيّاح من كافة أنحاء العالم بهدف التعرّف الى جمال تُونُسْ وطبيعتها وآثارها وتقاليدها. ولطالما ربطت علاقات مميزة ما بين اللبنانيين والتونسيين والأهم ربطتهم جذور مشتركة مع إليسار ملكة قرطاج الآتية من صور-لبنان.” وختمت “أنا متأكدة مِن أن مَن يأتي الى تُونُسْ سيعاود زيارتها دوماً.”
زيارتنا الى تُونُسْ الخضراء حملت طابعاً خاصاً امتزجت خلاله المعلومات السياحيّة القيّمة، بجمالية وسحر المكان، حيث أمضينا أوقاتاً رائعة برفقة إدارة الخطوط التونسية ممثلة بالسيدة ليلى الشابي والفريق اللبناني.
وبما أن لكلّ شيء جميل نهاية وذكريات جميلة، حملنا كل هذه الأجواء معنا لنعود بها في اليوم التالي الى ربوع لبنان، “مستأنسين” بذكريات طبعت أوقاتنا مرحاً ومتَّعت أعينُنا بمشاهد “تُونسيّة” لمواقع ومرافق سياحيّة أقلّ ما يقال عنها أنّها جنّة على الأرض وتستحق أن تكون على لائحة عُشّاق السفر للتوجّه إليها والإستمتاع بسياحتها، ومناخها ومذاق مأكولاتها الشعبيّة كالكُسكُس وثمار البحر وسواهما كما والتعرّف الى طيبة وملقى أهلها الحَارَيّن.
ختاماً، تونس تستحق الزيارة، فلا تفوِّتوا عليكم هذه الوجهة السياحيّة!!!
ألبوم الصور للوفد اللبناني خلال رحلته الى تونس
-
شريط مصوّر يوثِّق مراحل الرحلة اللبنانية الى ربوع تونس