المرأة التونسية تحتفل بعيدها اليوم… هل أنهى الدّستور الجديد حلم المساواة في الإرث؟
النشرة الدولية –
النهار العربي –
يعيد تاريخ 13 آب (أغسطس) إلى ذاكرة التونسيات وعد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بإقرار المساواة في الإرث، بينما تباعد التطورات السياسية التي يعيش على وقعها البلد – وآخرها التصويت على دستور جديد – بينهنّ وبين هذا الحلم الذي تؤكد المناضلات النسويات أن مسيرة تحويله إلى حقيقة مستمرة.
وتحيي تونس سنوياً في 13 آب العيد الوطني للمرأة، وهو التاريخ الذي يوافق تبني “مجلة الأحوال الشخصية” سنة 1957.
وفي 13 آب 2017، أعلن السبسي عزمه التقدم بمشروع قانون يضمن المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، وأذن بتكوين لجنة الحريات والحقوق الفردية التي كلفها بصوغ المبادرة.
وأثار مشروع القانون جدلاً بين مختلف التيارات السياسية والفكرية في البلاد.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، صادقت الحكومة على مشروع القانون الأساسي المثير للجدل، المتعلق بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
ويتعلق مشروع القانون بإضافة بند في قانون الأحوال الشخصية تحت عنوان “أحكام تتعلق بالتساوي في الإرث”.
وعقب تصديق الحكومة عليه، أُحيل المشروع إلى البرلمان في كانون الأول (ديسمبر) 2018، لكن سرعان ما توقفت النقاشات بشأن المبادرة في اللجنة البرلمانية.
في المقابل، اكتفى الرئيس السبسي بالقول إن “من يريد تطبيق أحكام الدستور فله ذلك، ومن يريد تطبيق أحكام الشريعة فله ذلك”، واستدرك “لكن إن أراد المورّث تطبيق قواعد الشريعة في ورثته فله ذلك”.
واتهم كثيرون حزب “النهضة” الحاكم حينها بتعطيل المبادرة.
وأعادت إجراءات تموز (يوليو) 2021 التي أزاحت حزب ‘النهضة” من الحكم آمال المناضلات في مجال حقوق النساء بإحياء المبادرة، لكن الدستور الجديد الذي صادق عليه التونسيون في 25 تموز الماضي شكل صدمة بالنسبة للكثير منهن.
ولا يبدو مطلب المساواة في الإرث ممكن التحقيق في الوقت الحالي بالنسبة للكثيرين، خصوصاً في ظل التطورات السياسية التي عاشتها تونس أخيراً.
ولاقى الدستور الجديد انتقادات واسعة من المنظمات والشخصيات المدافعة عن حقوق النساء، وعبّر كثيرون عن خشيتهم من ارتداداته على مكاسب نساء تونس التي تفاخر بها أجيال عديدة.
وتظاهرت منظمات حقوقية الشهر الفائت ضد الاستفتاء على الدستور الجديد، وتنتقد هذه الجمعيات تعويض عبارة “المساواة الفعلية” بين الجنسين بـ”العدل”، وفق تصوّر ديني يحيل على المعنى المقاصدي الذي تغيب فيه المساواة، بحسب رئيسة “جمعية النساء الديموقراطيات” نائلة الزغلامي التي قالت في تصريح سابق لـ”النهار العربي” إن تنصيص مشروع الدستور في فصله الخامس على أن الدولة تعمل “على تحقيق مقاصد الإسلام” ينزع طابع الحياد عنها، و”يجعل العامل الديني ليس فقط مكوّناً ثقافياً بل عنصراً من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة”، مؤكدة أن ذلك قد تترتّب عليه انعكاسات تتعلّق بالتشريعات في المستقبل وبالضمانات الواجب حمايتها وبالحدود المفروضة.
وتقرّ المحامية والناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة، وهي التي تولت رئاسة اللجنة التي صاغت مشروع مبادرة المساواة في الإرث بتكليف من الرئيس السبسي، بأن تحقيق المساواة في الإرث في الوقت الحالي أمر صعب، مضيفة في تصريح لـ”النهار العربي” أن الدستور الجديد أعطى لمعارضي المساواة حجة أكبر، لكنها تشدد على أن “هذا الحلم الذي ناضلت من أجله نساء تونس متواصل ولا يمكن لأي شخص قبره”.
وتضيف: “ربما سيتعطل تحقيق هذا المطلب الآن، لكن سيأتي يوم ما تتحقق فيه المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك المساواة في الإرث”.
وتشير المتحدثة إلى أن دستور 2014 نصّ على مدنية الدولة وربط مقاصد الإسلام بالحقوق الكونية للإنسان، وهو ما لم يتضمنه الدستور الجديد.
لكن رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي، وكانت من بين المشاركين في الحوار الوطني الأخير، تؤكد أن الحديث عن المساواة في الإرث لا يزال قائماً، نافية أن يكون الدستور الجديد قد أنهاها. وترى في تصريح لـ”النهار العربي” أن الدستور الجديد نصّ على المساواة التامة وأقرّ مناهضة العنف، مشددة على أن حرمان المرأة من إرث متساو مع الرجل يعتبر “عنفاً اقتصادياً” جرّمه القانون الأساسي عدد 58 المناهض لكل أشكال العنف ضد النساء.
وترى أنه يمكن المطالبة بالمساواة في الإرث استناداً للدستور الجديد، مشدّدة على أن المساواة في الإرث تدخل في باب المعاملات وليست من العبادات، وأن قراءة النصوص الدينية تتطور بتطور الزمان والظروف.
ليس الدستور الجديد وحده الدافع للاعتقاد بأن تحقيق مطلب المساواة في الإرث، على الأقل في الوقت الحالي، غير ممكن، إذ اصطدم المطلب النسوي برفض الرئيس قيس سعّيد له حتى قبل انتخابه رئيساً.
وكان سعيّد الذي يوصف بأنه “محافظ” قد أعلن رفضه لمبادرة المساواة في الإرث التي طرحها سلفه الباجي قائد السبسي، وقال إن “الحكم الشرعي واضح في هذا الشأن” وهو موقف كان قد تبناه حتى أثناء حملته الانتخابية سنة 2019.
لكن بالحاج حميدة تعتقد أنه ليس في مقدور أي شخص أن يدفن هذا الحلم، مشددة على أن سعّيد ليس بإمكانه احتكار مجال التشريع.
في المقابل، تعتقد الجربي أن الرئيس الذي طالما تحدث عن رغبته في تحقيق العدالة، بإمكانه أن يراجع موقفه، وتقول: “لا أظن أنه لن يغير موقفه وهو يعلم حقيقة وضع النساء في تونس”.
وتتمتع النساء في تونس بحقوق كثيرة تعززت مع تقدم السنوات، وفي سنة 1957، وبدفع من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، صدرت مجلة “الأحوال الشخصية” التي تضمنت العديد من الأحكام، رغم معارضة المحافظين ممن اعتبروها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية.
ويمنع القانون التونسي تعدّد الزوجات والزواج العرفي، ويقر المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره، كما يمنع تزويج القاصر دون سنة الـ17 إلا في حالات استثنائية جداً، ويمنع فرض الرجل ولايته على المرأة مهما كانت صلة القرابة بينهما.
وعام 2017، ألغت السلطات في تونس قانوناً يمنع النساء من الزواج من غير المسلم.