تسونامي احتجاجات في إيران.. مشاركة فاعلة للشباب والنساء يطالبن بالحرية في ارتداء الحجاب أو التخلي عنه

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

يحاول النظام الإيراني التقاط أنفاسه، ويواجه معضلة داخلية وسط تحديات كبيرة في الحكم، ومنازلات مع المجتمع الدولي في ظل توالي العقوبات على رؤوس أركانه، وتتعرض إيران خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى ما يشبه تسونامي من الاحتجاجات المناهضة للنظام، التي جاءت على إثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني، ولم تهدأ هذه الاحتجاجات، التي عمت مختلف أنحاء البلاد، على رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على بدء اندلاعها.

سوسن مهنا

واستمرار التظاهرات ومشاركة فئة الشباب دون عمر الـ 25 عاماً، وفي مقدمهم طلاب الجامعات والمدارس، الذين يشكلون حوالى ثلث سكان إيران البالغ عددهم 86 مليون نسمة، يدلل إلى مدى الاستياء والنقمة الشعبية من النظام في ظل عجزه المزمن عن تلبية حاجات شعبه الأساسية، ما أدى لانعدام الاستقرار وحملات قمع عنيفة في المقابل، بدورها كانت صحيفة “اعتماد” الإيرانية الناطقة بالفارسية، عقب مرور 100 يوم على اندلاع الاحتجاجات، قد نشرت مقالة تحت عنوان “لماذا نتفاجأ؟” للكاتب متين غفاريان، شبه فيها جذور أزمة الاحتجاجات الشعبية ببرميل بارود قد ينفجر كل لحظة، وحذر من التقاعس في حل المشكلات التي تم تشخيصها مراراً وفق دراسات سابقة وحديثة، وأضافت المقالة أن تلك الاحتجاجات نابعة من جذور قديمة ومتجددة أثارت حراكات احتجاجية خلال العقد الأخير، إلا أنها لم تلق آذاناً صاغية لدى السلطات المعنية.

الاحتجاجات ليست محصورة في قضية الحجاب

ويشير علماء اجتماع إيرانيون إلى أن قضية وفاة أميني فجرت تذمراً متراكماً لدى جيل الشباب الإيراني، ويوضح عالم الاجتماع الأكاديمي الإيراني عبد الرضا نواح في حديث إعلامي، أنه لا يمكن تقييد الجيل الجديد بأيديولوجية محددة، ويعود ذلك لتغلغل العولمة لدى الجيل الجديد، وأن التغيير لدى هذا الجيل ليس محصوراً في قضية الحجاب، بل يشكل زوايا أخرى من حياة الشباب، وعن فكرة أن الاحتجاجات قامت بسبب رفض النساء ارتداء الحجاب، يشير إلى مشاركة نساء يرتدين الحجاب، بالطريقة التي تطلبها “شرطة الأخلاق”، مؤكداً أن الإيرانيات يطالبن بالحرية في ارتداء الحجاب أو التخلي عنه.

بدوره، يشير الباحث السياسي الإيراني أحمد زيد أبادي إلى أن “الشباب غير مطلعين على الإسلام وقوانينه التي يقول النظام السياسي الحاكم في إيران إنه يستند إليها”، ويضيف أن “هذا الجيل انتفض ضد القوانين والواقع الذي يتعارض مع حقه في اختيار أسلوبه الخاص للحياة ولباسه وعلاقاته”.

هل يسقط النظام؟

على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، صدرت تقارير ونشرت مقالات عديدة تحدثت عن قرب أو إمكانية سقوط النظام، وفي هذا السياق، تقول مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، في مقال نشر 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن إيران واجهت احتجاجات شعبية عدة خلال السنوات الماضية، لكن نظامها استطاع تهدئة الشارع واحتواء تلك الحركات التي لم تتمكن من الإطاحة بنظام ولاية الفقيه، لكن هذه المرة تجري على نطاق مختلف تماماً. وأشارت في مقال بعنوان “آيات الله يرتعدون، هل يسقط النظام الإيراني؟”، إلى أن المتظاهرين لم يطالبوا بإصلاح سياسي داخل النظام، ولكن الإطاحة بالحكم الديني الحالي، وعلى رغم سقوط مئات القتلى، واعتقال أكثر من 12 ألف شخص، فشلت قوات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في قمع التمرد الحالي، وتنقل المجلة البريطانية عن أحد المتظاهرين في إحدى جامعات طهران قوله “لم نعد حركة، نحن ثورة تلد أمة”. كما أن الغضب الشعبي استمر لفترة أطول من ذي قبل، وانتشر إلى ما وراء الطبقة الوسطى واجتاح الطوائف والأعراق المختلفة، “من زاهدان إلى كردستان، أضحي بحياتي من أجل إيران”، هتافات تصدح في جميع أنحاء البلاد. ولأول مرة في الشرق الأوسط، تقود النساء احتجاجات اعتراضاً على ولاية الرجال عليهن سواء في طريقة لباسهن والسفر وحتى العمل، ويشعر عديد من الإيرانيين، بمن فيهم المتدينون، بالخوف من الفساد وكذلك العنف الذي يرتكب باسم عقيدتهم، لا سيما وهم يرون أبناء رجال الدين من الطبقة الحاكمة يقودون سيارات “فيراري” أو “بورش”، لكن المجلة البريطانية تقول إن الطريق لا يزال طويلاً أمام المتظاهرين لإسقاط النظام الإسلامي في إيران.

لكن هل ينجو النظام الإيراني؟ وماذا بعد العقوبات الأوروبية؟ وهل تنسحب إيران من الاتفاق النووي؟

ترى ممثلة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في لندن دولت نوروزي في حديث لـ “اندبندنت عربية”، “أن الشعب الإيراني يعرف جيداً أن جذور كل أزماته سببها القمع والفساد والنهب والسرقة وانتشار الفقر ووحشية هذا النظام”. وبرأيها أن “نظام الملالي استغل فرصة تاريخية وتسلق إلى السلطة، وركب الخميني (روح الله الخميني، المرشد الأعلى السابق لإيران)، موجة الثورة في ظل غياب القادة الحقيقيين للحركة الديمقراطية الذين كانوا في سجون جهاز “السافاك” (منظمة المخابرات والأمن القومي) التابع للشاه، حينها”. وتعتبر نوروزي أن الخميني سرق ثورة الشعب ضد دكتاتورية الشاه من أصحابها الحقيقيين، ووثق به الشعب بسبب الوعود التي قطعها قبل وصوله إلى الحكم، لكن فور تأسيس حكومته خان الخميني الشعب، وحنث بكل وعوده، وبدأ بحجة وذريعة الإسلام في ممارسة الديكتاتورية وفرض آراءه الرجعية، وزرعت بذرة نظام ولاية الفقيه منذ اليوم الأول بالقمع والتعذيب والإعدام، وبالمنطق نفسه استمرت في النمو حتى الآن.

وتضيف المعارضة الإيرانية أن وضع النظام داخل إيران أسوأ بكثير، بعد دخول الانتفاضة شهرها الخامس، بحيث لا يمتلك القوة لاتخاذ قرارات بشأن الاتفاق النووي، لذلك، الحديث عن خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA  أصبح نكتة مبتذلة أكثر من أي وقت مضى، وفي حين أن العملة الرسمية للبلاد في حال سقوط حر، فلن يكون لدى النظام القدرة والقوة على الرد، فقد يطالب النظام بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال الخداع والأكاذيب لرفع بعض العقوبات، وتشير إلى أن من واجب دول “5 + 1” والدول الغربية، وكذلك واجب دول المنطقة عدم السماح لهذا النظام باتباع أسلوب الخداع وكسب الوقت.

من جهته، يقول الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية العراقي المقيم في إيران محمد صدقيان “إن النظام ليس نظاماً كرتونياً وهو يوظف كل إمكاناته من أجل الدفاع عن وجوده، كما هي الحال لدى غالبية الدول، أما عن وجوده في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فهو أمر تحققه المصالح الوطنية، كما أن المراهنة على قوة إيران الداخلية والخارجية فيه كثير من البساطة والسذاجة”.

هل سيحاول النظام الإيراني إنقاذ نفسه؟

وتشير دولت نوروزي إلى أن “نظام الملالي لا يؤمن بأي مبادئ أو ثوابت سوى شيء واحد، وهو الحفاظ على نظام ولاية الفقيه بأي ثمن، ومن أجل ذلك، فهو مستعد للانخراط في أي جريمة وغدر”، لكن الحقيقة هي أن النظام وصل لنهاية الخط وفي طريق مسدود، ولن يتوقف هذا النظام عن القمع، وتصدير الإرهاب والتطرف وتطوير مشاريعه النووية ليوم واحد، لذلك فالسياسة الوحيدة الصحيحة هي لغة الحزم واتخاذ التدابير العقابية العملية التي ستجبر هذا النظام على التراجع وعندما يتراجع سيسقط حتماً. وتضيف أنه “بمجرد أن أصدر البرلمان الأوروبي قراراً في شأن ضرورة إدراج حرس الملالي (الحرس الثوري) على قوائم الإرهاب، كشف قادة النظام على مختلف المستويات، من الرئيس إلى وزير الخارجية وقائد حرس الملالي على الفور عن طبيعتهم الإرهابية التي تنم عن طبيعتهم الحقيقية كعصابات ومافيات إرهابية وهددوا أوروبا بالإرهاب، لذلك من الضروري أكثر من أي وقت مضى، إغلاق وسد الموارد المالية للنظام الإيراني”.

الاحتجاجات أضعفت قدرة النظام على الصمود

ويقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ودارسات التنمية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، الإيراني – الألماني، علي فتح الله نجاد، مؤلف كتاب “إيران في ظل نظام عالمي جديد ناشئ: من أحمدي نجاد إلى روحاني”، في حديث مع مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” أن الاحتجاجات الأخيرة “لم تعرض استقرار النظام للخطر وحسب، بل تزعزعت أيضاً قدرته على الصمود، وأدركت المنظومة السياسية والأمنية أن التهديد الرئيس يتأتى من داخل البلاد وليس من خارجها”.

وتم التوصل إلى هذا الإدراك عقب الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد من أواخر عام 2017 إلى مطلع عام 2018، وأثارت صدمة في أوساط النخب، وشكلت احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 استمراراً لها بحكم الأمر الواقع، وفي الحالتين، نزلت الطبقات الدنيا للمرة الأولى إلى الشارع بأعداد كبيرة.

 

والجدير ذكره أن الإيرانيين من هذه الطبقات يمثلون تقليدياً قاعدة النظام الاجتماعية أو هم في الأقل موالون له، وبلغ عدد المشاركين في احتجاجات 2017-2018 حوالى 50 ألف شخص، فيما نزل إلى الشارع 200 ألف شخص في احتجاجات عام 2019، وفق أرقام وزارة الداخلية الإيرانية، وقد اندلعت هاتان الانتفاضتان في الدرجة الأولى نتيجة تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لكن سرعان ما ارتدت طابعاً سياسياً، بحسب تعبير فتح الله نجاد، واستهدفت الشعارات المكونات الدينية والعسكرية لإيران، لا سيما رجال الدين والحرس الثوري، وكذلك المنظومة بجناحيها المتشدد والإصلاحي، وانتشرت التظاهرات كالنار في الهشيم في مختلف أنحاء البلاد، لتشمل حوالى 100 مدينة وبلدة.

قضيتا “الرغيف” و”الحرية” مترابطتان

بحسب مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة، (الذي لا يشمل مصادر إيرانية)، شهدت إيران خلال السنوات القليلة الماضية آلاف الاحتجاجات التي ضمت فئات اجتماعية متنوعة، ونظم أربعة آلاف احتجاج في عام 2021 وحده، وهو رقم قياسي لم يسجل منذ عام 2016، وأكثر من 2200 احتجاج خلال النصف الأول من عام 2022، وتعد هذه الأرقام مؤشراً إلى الاستياء العارم من الظروف في إيران، بحسب الأكاديمي الإيراني. ويتمثل الدافع وراء اندلاع هذه الاحتجاجات في ما أطلق عليه تعبير “الأزمة الثلاثية” للبلاد التي تطال المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية، مع العلم أن الأزمة السياسية تشكل مركز الثقل فيها. ففي نهاية المطاف، تحتكر الأوليغارشية الحاكمة في إيران السلطة السياسية والاقتصادية على السواء، في وقت تكاد تنعدم قدرة البلاد على تجاوز أزماتها المتعددة من دون حدوث تغيير سياسي، وخلال الانتفاضتين الأخريين على صعيد البلاد، لم يكن ثمة تحالف بين القطاعات، أما الآن فهذا التحالف موجود، وكان لإفقار الطبقة الوسطى (الأعداد المتزايدة لـ”فقراء الطبقة الوسطى”) في الأعوام الأخيرة دور أيضاً في تسهيل هذه العملية، ولم تعد الطبقة الوسطى تعتبر أن تحقيق الاستقرار بأي ثمن يخدم بالضرورة مصالحها، إذ تواجه بطالة مرتفعة، لا سيما في صفوف النساء والخريجين والشباب، ونتيجة لذلك أصبحت قضيتا “الرغيف” و”الحرية” مترابطتين على نحو وثيق.

إلغاء الحجاب الإلزامي سيكون بمثابة بوابة للحرية

في مقالة للأستاذ المساعد في جامعة “جورج تاون” وزميل مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي كريم سجادبور في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعنوان “السؤال لم يعد هل سيسقط الإيرانيون آية الله؟”، يشير إلى أن المبادئ الآيديولوجية للمرشد الأعلى خامنئي وأتباعه تمثلت في شعارات “الموت لأميركا” و”الموت لإسرائيل” والإصرار على الحجاب، ويدرك خامنئي جيداً أن إلغاء الحجاب الإلزامي سيكون بمثابة بوابة للحرية، وسيفسره كثير من الإيرانيين، باعتباره إجراء ناجماً عن ضعف، وليس كرماً. ولن يقنع الإيرانيون بحرية الملبس فحسب، وإنما سيتجرأون على المطالبة بكل الحريات التي حرموا منها في ظل نظام ثيوقراطي.

من ناحية أخرى، ثمة مؤشرات إلى وجود فوضى داخل النخبة الحاكمة، وفي الوقت الذي لمح بعض المسؤولين إلى أنه سيجري إلغاء “شرطة الأخلاق” التي باتت سيئة السمعة، رأى آخرون ذلك باعتباره مجرد تكتيك موقت لاستعادة النظام، وعلى رغم أن المعارضة الإيرانية للنظام دونما سلاح أو تنظيم أو قيادة، فإن الاحتجاجات تستمر مع القمع العنيف من قبل النظام، وبغض النظر عن الطريقة التي ستجري بها تسوية الاحتجاجات، يبدو أنها قد غيرت بالفعل طبيعة العلاقة بين الدولة الإيرانية والمجتمع. وعلى رغم أن تحدي قانون الحجاب ما يزال جريمة جنائية في إيران، ترفض نساء في مختلف أرجاء إيران بخاصة طهران على نحو متزايد تغطية شعورهن، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لشبان إيرانيين يسقطون عمائم من على رؤوس رجال الدين يسيرون في الشوارع.

زر الذهاب إلى الأعلى