رياض طبّارة: عملت سفيراً رغم أنفي ورفيق الحريري لا يُبارح بالي
الصدف في حياته كثيرة ووسيم روحه والأمم المتحدة عالمه
النشرة الدولية –
نداء الوطن – نوال نصر –
لماذا يشعر الإنسان بالخوف ما دامت الصدفة هي التي تقود خطاه؟ ونحن نسمعه نتذكر هذه المقولة للكاتب المسرحي اليوناني سوفوكليس. حياته كانت مليئة بالصدف التي هندسها لتكون سنتين فقط لا غير لكنها استمرت أعواماً. الصدفة قادته إلى الأمم المتحدة. والصدفة أخذته إلى إثيوبيا. والصدفة أخذته إلى العراق. والصدفة جعلته سفيراً للبنان في واشنطن… وأجمل ما في الصدفة أنها خالية من الإنتظار. إنه أحد «التريو» الشهير في بيت طبّارة: بهيج ووسيم ورياض. إنه الصبي الأوسط في بيت بهيج (والده إسمه أيضا بهيج) وداليا طبّارة. يسكن اليوم في منطقة بعبدا بمحاذاة أحد مكاتب الأمم المتحدة أيضاً. إنها صدفة أخرى. حوارٌ فيه نوستالجيا وحقائق وتاريخ مع الدكتور رياض طبّارة.
يرى في يد زميلنا المصوّر كاميرا فتلمع عيناه. التصوير عشقه وقبل أن نبدأ حوارنا يبدأ بالسؤال عن نوع العدسة وتفاصيلها. فلماذا هذا العشق الواضح لديه؟ يجيب: «الصور تحفظ اللحظة. تخلّدها. إنها ذاكرة وثروة ونوستالجيا. أول كاميرا إقتناها إشتراها له والده بهيج. كانت من نوع «إكزاكتا» ألمانية ما زالت حتى اليوم بين مقتنياته. أما أعزّ الصور التي إلتقطها فكانت في الحبشة (إثيوبيا). ويتذكر: «كنت أصطاد السمك أسبوعياً هناك، في بحيرة طلبت منا الأمم المتحدة عدم الإقتراب منها لأنها تضم قبائل محاربة. لكنني ذهبت إليها. وأتذكر أن الأطفال كانوا يتحلقون حولي ويقولون لي: أبابا أبابا… ومعناها رجل مسن محترم أرادوا أن ياخذوني إليه. كان ذلك في العام 1962. خفت في البداية أن أجاريهم خوفاً من أن يكون فخاً ينصب لي لكنني عدت وتابعت خطاهم فرأيت رجلاً مسناً يجلس قبالة البحيرة. وحين رآني قال لي: لبناني. كان لبنانياً، من دير القمر، يعيش هناك منذ أكثر من ثلاثين عاماً. اصبحنا أصدقاء والتقطت له الكثير من الصور. النسوة كنّ يهربن من الكاميرا. وذات يوم إلتقطت بعدسة كاميرا البولارويد صورة لطفل بيده قطعة خبز. أعطيته الصورة. وبعد وقت قليل عاد مع مجموعة نساء تأنّقن وطلبن أن أصورهنّ. هي أجمل الصور في أرشيفي».
والداه بهيج وداليا من ديانتين مختلفتين، الوالد سني من المصيطبة في بيروت والوالدة مسيحية من قضاء البترون. إلتقيا في العراق وتزوجا هناك. وولد بهيج وسعاد ورياض في العراق. والده كان أول من أنشأ مصنعاً للدخان في الحبشة. لاحقاً، إنتقلت العائلة الى بيروت وولد آخرا العنقود هيام ووسيم. والأخيران صارا في دنيا الحق. ويتذكر: «كنت أحب أن أستقل مالياً. تعرفت بالصدفة الى صائب سلام وطلب مني أن أعطي اولاده تمام (تمام بك سلام) وفيصل وابنتيه دروساً خصوصية. وقد التقيت منذ مدة قصيرة تمام فناداني أستاذي (يضحك لذلك كثيراً). يوم ذهبتُ ايضاً الى الولايات المتحدة الأميركية قررت أن اعمل. أحد رفاقي قال لي: هناك من يبحثون عن سائقي تاكسي. قدمت طلباً وأخذوني. عملت سائق أجرة أيضاً مساء وكنت طالباً نهاراً. ويستطرد: يوم عينت سفيراً في واشنطن سُئلت: هل تعرف أميركا؟ قلت لهم: أعرفها أكثر مما أعرف لبنان. عملت فيها سائق أجرة. فكتبوا عني: من سائق تاكسي الى سفير».
الثلاثي
نعود معه الى أيام المراهقة. ماذا عن الإخوة بهيج ورياض ووسيم؟ يجيب: «كنت صلة الوصل بين بهيج ووسيم. بهيج كان يحب وسيم كثيراً. هو يكبرني بأربعة أعوام ويكبر وسيم بأربعة عشر عاماً. وكانت شخصياتنا مختلفة. كان بهيج يحضر دائماً مسرحيات وسيم وكنت أرافقه أحياناً لكن، حين أصبحت سفيراً للبنان في واشنطن، لم أعد أذهب كثيراً. كنت أحضر التمارين فقط. وفي أحد الايام، أصرّ وسيم. ذهبت وجلست في المقعد الخلفي. وكان بهيج حاضراً. فقال وسيم للجمهور: إذا كان لديّ شقيقان أحدهما وزير والثاني سفير فبمن أرحب أولاً؟ بسفير في واشنطن أو بوزير في قريطم؟». (يضحك هنا أيضا كثيراً).
التناقض في الشخصيات والطباع يعزز سمة الإكتشاف. هذا ما حصل بين الأشقاء الثلاثة الذين لا يشبهون بعضهم في الطباع. ويقول: «الرئيس الياس الهراوي كان يردد: ليس وسيم أهضم شخص في بيت طباره بل رياض. نكات وسيم يؤلفها رياض». يعود ويضحك كثيراً.
ذات يوم وصل مكتوب من الوالد يقول فيه: إبني رياض سأرسل لك وسيم لتتعامل معه. أنا لم اعد أستطيع ذلك. أتى وسيم الى الولايات المتحدة الأميركية. وكان يقلدني. أحب التصوير. أراد ان يعمل مصوّراً، ثم أراد أن يعمل مخرجاً سينمائياً، ثم درس الكهرباء. ولاحقاً ادركت أنه كان يبحث عن نفسه، عن الفنان الذي فيه، لكنه لم يكن عارفاً ذلك لأن ليس في بيئتنا ومجتمعنا فنانون. في الآخر، وجد نفسه في الشانسونييه. ساعدته ليكتشف ذاته. في المسرح جمع شقيقي الأصغر كل ما تعلمه من تصوير وإخراج وكهرباء مسرح وأصبح الفنان وسيم طباره. ويوم أراد الزواج من صباح لم يتدخل أحد. كانت علاقتي بصباح ممتازة. كانت تبدو فرحة بشوشة جداً. ويوم ماتت كتبت: لماذا يموت المشاهير فقراء؟».
السنتان صارتا 17
لماذا إختار رياض طباره إختصاص الإقتصاد؟ يجيب «أعتقد أنه مهما خطط الإنسان لحياته كما يريد فهي تأخذه الى حيث هي تريد. حين تركت لبنان لأحضّر الدكتوراه في أميركا قالت لي والدتي: تذهب سنتين فقط. قلت لها أحتاج الى ثلاث سنوات. أجابتني: سنتان فقط. وعدت بعد تسع عشرة سنة. والدي أرادني أن ادرس التجارة – مثله – لكنني أعجبت بالإقتصاد وكانت أطروحتي عن السكان والتنمية. درست الإقتصاد الحسابي. إشتغلت هناك مع أحد مدراء الإحصاء في إعداد دراسة حول الفقر. أعجب بدراستي الكثيرون وطلب مني أحدهم أن التحق به تحت مسمى كبير المستشارين في وزارة العمل كي أكتب دليلا ديموغرافياً للخبراء الذين ينتقلون لمساعدة الدول. وافقت. قصدت الأمم المتحدة لأستشيرهم حول ما أكتب. سألني رئيس الفرع: هل تشتغل معنا. وافقت. وبعد ثلاثة أسابيع وصلني عرض عمل من الأمم المتحدة؟ ذهبت كخبير».
بدأ الدكتور رياض طبّارة العمل في الأمم المتحدة في العام 1962 في مقرها في نيويورك. «وبعد ثلاثة أشهر قال لي المدير: نحتاج إليك في اللجنة الخاصة في أفريقيا في اديس أبابا». كان قد مضى على مغادرته لبنان سبعة أعوام. ويقول «خطر في بالي أن أمرّ في لبنان حيث تنتظرني أمي كما وعدتها. مررت. وبعدها ذهبت الى الحبشة مدة سنتين. بعدها عدت الى نيويورك لأمكث فيها أحد عشر عاماً. وكل ذلك بالصدفة. بدأت أحاضر في جامعات كورنيل وبنسلفانيا. وذات يوم إتصل بي عالم إجتماعي مؤرخ شهير يدعى «كينغسلي ديفيس» وعرض علي أن أعمل في الأبحاث في بروكلين».
ما سرّ كل هذا الطلب عليه؟ لماذا شدّ إنتباه كبار علماء الإحصاء والدراسات؟ يجيب «حين يعيش الإنسان في نيويورك وفي الحبشة في آن واحد يكوّن نظرة مختلفة عميقة» ويتابع «إبني سامي ولد في نيويورك وابنتي لينا ولدت في بروكلين. ولداي معولمان. إشتغلا في إنكلترا. لينا تزوجت يونانياً ولديها فتاة تدعى ياسمين وفتى يدعى هاري. وزوجها يوناني. أما سامي فلديه ولدان: داني وليو. زوجتي كانت ايضاً يونانية».
أيام بروكلين
مكث في بروكلين سنة واحدة هي الأحب الى قلبه لأنه عمل في ما يعشق؛ في الإحصاء والدراسات. بعدها دخل الى الامم المتحدة ومكث 27 عاماً عاد في خلالها الى لبنان العام 1975. التوقيت لم يكن جيداً. فالحرب إندلعت وحدث ما حدث ويقول: «إتصل بي محمد سعيد العطار، رئيس الإسكوا (وكان اسمها الإكوا في حينه) بعد أقل من ثلاثة أشهر على تأسيسها في لبنان وقال لي: أنا الأمين التنفيذي واريدك أن تساعدني في لبنان. وافقت حالاً. ووصلت في شباط عام 1975. في نيسان إندلعت الحرب. وكنت آخر من غادر لبنان بعد إصرار من الامم المتحدة. أمنت جلاء الجميع قبل مغادرتي. وقالوا لي بالحرف: إما تغادر بيروت أو تستقيل».
نشعر بحنينه الى لبنان وهو يتكلم عن ذلك ويقول «لبنان هوسي». إنتقل رياض طباره الى تونس واصبح ممثل الأمم المتحدة هناك. ويقول: «طلبوا مني أن أكون ممثل منظمة التحرير التي أصبحت مراقباً في الأمم المتحدة. أصبحنا «رايحين جايين» الى (ومن) مقر أبو عمار. وهناك، في تلك الأثناء، إنطلقت ثورة الخبز. فاضطررت الى القيام بالجلاء الثاني. وأعطوني الخيار بين العودة الى نيويورك أو الإنتقال الى العراق. إخترت العراق بلدي الثاني. وهناك حضرت الحرب العراقية الإيرانية كاملة. ويوم دخل صدام الى الكويت أجريت الجلاء الثالث. إختارني كوفي أنان لذلك لأنه كان يعرفني تماماً. تعرفت اليه يوم كان كاتباً في الحبشة. واعتبرني يومها قد أصبحت متخصصاً بالإجلاء (يضحك لذلك). أخذت طاقم العمل وعائلاتهم الى الأردن. بعدها قررت أن أتقاعد مبكراً من الأمم المتحدة بعد 27 عاماً».
ما هي خلاصة تجربته في الأمم المتحدة؟ يجيب: «هناك، نكوّن نظرة مختلفة عن العالم. الإحتكاك مع الشعوب يعطينا نظرة أكثر عمقاً فنتمكن من أن نفهم لماذا هناك حروب وكيفية الخروج منها ونكتشف المواقف من الفقير ومن الغني ومن الابيض ومن الأسود».
ما دام الامر كذلك، فلماذا هناك حروب؟ يجيب «الحروب لها أسباب كثيرة. إذا نظرنا الى الحرب الأوكرانية نجد أن الطرفين لديهما مبررات. بوتين يقول: هذه حدودي واخترقوها. وهؤلاء، في أوكرانيا، يقولون: أخذوا القرم… في الأمم المتحدة نعرف كيف يفكر أطراف الحرب. ويستطرد بالقول: أعتقد ان الحياة صعبة وحين تحصل الحروب نقترب من الموت».
أبو عمّار
نعود الى الوراء قليلا لسؤاله عن علاقته مع منظمة التحرير الفلسطينية وأبو عمار؟ يقول: «تعرفت الى أبو عمار في لبنان. جلسنا معاً أكثر من مرة. وحين ذهبت الى تونس كنت مبدئياً أعرفه. كنت في كل مرة أعرف أن احداً من الامم المتحدة ينوي لقاء أبو عمار في تونس أستعوذ بالشيطان. كان الأمن مشدداً. كانوا يقولون لنا أن الموعد في تمام الثالثة لكن، ونحن في طريقنا إلى لقاء الزعيم الفلسطيني، يتصلون بنا ويقولون: تغير الموعد والمكان. وبعد قليل يعودون للإتصال وإبلاغنا أن مكان اللقاء تغيّر مجدداً. مع العلم أننا كنا نعرف أننا لن نحل مشكلة العالم في هذا اللقاء مجرد كلمتين على الماشي. هذا في العموم، أما بالنسبة الى أبو عمار كشخص (يتمهل في الكلام، يسكت، يحاول أن يتكلم ثم يتراجع) التعاطي معه صعب. يسكت مجدداً قائلاً: لم اكتب مذكراتي كي لا اتطرق الى هذه النقطة. أبو عمار كان يعرف ما يريد. كان لديه تركيز كبير على ما يريد لكن التعاطي معه لم يكن سهلاً. من يريد أن يتكلم عن أبو عمار عليه أن يفهمه. هو صاحب شخصية مركبة. ولا اريد أن أقول المزيد».
إلى واشنطن
نحترم رأيه ونتابع. سعادة السفير رياض طباره هل صحيح انه تمّ اختيارك سفيراً رغماً عن أنفك؟ يجيب «عدتُ الى لبنان، اسست مركز دراسات «مدما» وأمنت له تمويلاً على سنتين. هذا هو حبي في الحياة. لكن، في هذا الوقت، هناك من اراد أن أصبح عميداً لكلية العلوم الصحية. أصبحت عميداً. قلت لهم: سنتان فقط. لكن السنتين أصبحتا ثلاثاً. وذات يوم، بينما كنت في الطائرة، قرأنا عنواناً في صحيفة: إختيار إسم رياض طباره سفيراً في واشنطن. إتصلت ببهيج. قلت له: تكلم مع صديقك (الرئيس رفيق الحريري). أنا لا أريد أن أذهب مجدداً الى واشنطن. أجابني: تذهب سنتين أو ثلاثاً وتعود. عدت وقرأت من جديد في عناوين الصحف: إسم رياض طباره الأكثر حظاً لتبوؤ مركز سفير لبنان في واشنطن. إتصلت بشقيقي بهيج مجدداً وكدت أتشاجر معه. حكى مع رفيق الحريري فطلب رؤيتي. ذهبت. وقلت له: هذا شرف كبير لكنني أريد البقاء في لبنان. وأنا مستعد لقبول أي شيء تقترحه في لبنان مجاناً. سألني: جواب نهائي؟ أجبته: نعم. أخذ على خاطره. لكن، في اليوم التالي، كنت في مكتبي مع أسعد الأتات (أستاذ في الجامعة اللبنانية) فأتاني إتصال من الرئيس الحريري فحواه: غداً، بعد الظهر، لدينا إجتماع مجلس الوزراء وأنت ستذهب الى واشنطن. حضّر نفسك. إستعد. أجبته: دولة الرئيس يبدو أنك لم تفهم حديثنا في المرة السابقة فهل يمكنني أن أشرح لك أكثر؟ أجابني: أنتظرك. ذهبت أنا وأسعد (الأتات) الى مجلس الوزراء. جلست معه. فقال لي: شقيقك بهيج موجود الآن في القصر الجمهوري، مع الرئيس الياس الهراوي، وأكل «زفة» حولك. أنت ستخرب كل التعيينات. في النهاية عدت وقبلت. قلت له: أذهب سنتين فقط. عدت بعد ثلاث سنوات».
يسهب رياض طباره في كلامه عن تلك المرحلة التي لاقى فيها كل المساندة من مختلف الأقطاب «لا اعتقد أن سفيراً آخر نال المساندة التي نلتها. كان يتصل بي رفيق الحريري أكثر من مرتين أسبوعياً والياس الهراوي ثلاث مرات على الاقل. ولاحقاً، وصلني كتاب مدون عليه سري للغاية مرسل الى جهات كبرى فيه: إسمعوا لسفير لبنان رياض طباره لأنه يمتلك مساندة من كل الجهات». ويستطرد: «واجهت صعوبة هناك في جمع الجالية. لم يكن ممكناً تحديد عدد اللبنانيين المغتربين هناك. وسؤالي كان دائما: من هو اللبناني؟ هناك شخص في الكونغرس، والدته لبنانية، يدعى جان بلكانشي كان يقدم ما امكن من أجل لبنان وهو اميركي الجنسية، في حين كان هناك شخص آخر، لبناني الأصل، وصل الى أعلى المراكز في الولايات المتحدة الأميركية، لكنه أبى أن يقوم أقله بخدمة واحدة للبنان والجالية اللبنانية. كنت أراه يتظاهر بالبكاء كلما سمع باسم لبنان. في المقابل، هناك لبنانيون سألوني بماذا يمكن أن يساعدوا. إبراهيم الهبري ساهم بمكننة السفارة. نحن من أنشأنا أول موقع إلكتروني رسمي تابع لسفارة لبنانية في الخارج. الوزير جورج أفرام أتى الى السفارة أيضا وقال لي: كيف يمكنني المساعدة؟ هو من نهض بالإتصالات في السفارة وأصبح من يتصل بنا يسمع، في الإنتظار، صوت فيروز».
في تلك الفترة حدثت عناقيد الغضب. وعن ذلك يقول «من أجل تحقيق تفاهم نيسان أجرينا 13 جلسة مباشرة مع الإسرائيليين برئاسة أميركية وفرنسية وبحضور سوري. لو أجرينا الجلسات بشكل غير مباشر (كما الترسيم) لاحتجنا الى 33 جلسة على الأقل لتولد لجنة المراقبة. كان وليد المعلم يضع الملخص وحين أقرأه أرى أن أشياء تخص لبنان غير موجودة. رفضت ذلك. إتصلت بالحريري وأخبرته. أخبر سوريا التي طلبت من وليد المعلم فقط المساندة. يومها، قال لي: معنى ذلك أنك أنت تتكلم وأنا أساند».
هناك أشياء للنشر وأشياء ليست للنشر. وسؤالنا، بماذا خرج طباره من تجربته سفير لبنان في واشنطن؟ أجاب «تأكدت أن مهمة السفير لها شروط، لأنه حين يعرف الدبلوماسيون أن هناك خلافات بين السفير وأفرقاء من لبنان يبدأون اللعب على هذه النقطة وينظرون الى السفير على أنه لا يمثل كل لبنان. أتذكر، أنه حصلت حينها حادثة في بعلبك، مع حزب الله، ويومها إعتبرت أنه يجب الإعتراض على ما حصل فقيل لي: إذا كنت تعترض لأنك تريدنا أن نتعاطف مع حزب الله فمعناه أن لديك العنوان الخطأ. كان معي يومها السفير غابي صوفان. وأحد هؤلاء قال لي: نحن نعرف أنكم متضايقون من «حزب الله» أكثر منا. أجبته: أنا لست دبلوماسيا أنا أستاذ جامعة. وأنا أمثل الجميع في لبنان حتى من هم في السجون. ويومها قال لي صوفان: يبدو أننا تخطينا الحدود. أجبته: نحن نضع حدوداً».
أصبح رياض طباره لاحقاً مستشاراً للرئيس رفيق الحريري للشؤون الخارجية. فكيف سارت العلاقة بين الإثنين؟ وهل كان يعمل دولة الرئيس الشهيد باستشارات طباره؟ يجيب: «بتّ أفهم الرئيس الحريري أكثر من قبل. لم يكن يزعل مني مهما قلت له. ذات يوم، بينما كنا عائدين من المطار، سألني: رياض ما رأيك بي؟ قلت له: أنت معروف بأنك أشبه ببولدوزر يدخل في الحيطان ويخرج منها. ومشكلتي معك أنك ترى جدرانا بعيدة عن الطريق، عن طريقك، وتتجه نحوها وتقتحمها ثم تعود الى طريقك. مشكلتك أنك تؤسس الى شجار مع أطراف بلا ضرورة. عليك أن تركّز على مسارك (هنا كان ياسر عرفات في بالي). ضحك. وعرفت لاحقا أنه أخبرهم في مجلس الوزراء ما قلته له. قال: أخبرني أنني مثل شخص يركض ووراءه يركض مئة ألف شخص ليضربوه، وفي هذه الأثناء يرى شخصاً واقفاً على مفترق طريق يركض نحوه. يصفعه. ويكمل طريقه».
الراتب دولار واحد
كان يتقاضى مقابل منصب مستشار للرئيس الحريري للشؤون الخارجية مبلغاً رمزياً قدره دولار واحد شهرياً. ويتذكر: مرة كان الرئيس الحريري واقفاً وأتى غازي كنعان فقال له موجهاً أصبعه نحوي: هل تعرفه؟ هذا الإنسان «شايف حاله» ويعمل لدي بمبلغ دولار واحد سنوياً. أجبته: دولة الرئيس دولار واحد شهرياً لا سنوياً». يتابع: «أتذكر أيضا، أن غسان تويني قال لي: أريد الإستشارات التي تعطيها للرئيس الحريري لأنه يرينا الورقة ويضع يده على مضمونها ويقول لنا: «هذه إستشارة رياض طبارة». ينظر طبارة الى صورة تجمعه مع الرئيس رفيق الحريري في صدر الدار ويقول: كنت ضدّ الإشاعة أنه وراء القرار 1559 وأنه يشتغل لإخراج السوريين. هناك من اعتبره أنه تخطى الحدود في هذا الإتجاه». هل هذا ما قتل الحريري؟ «أعتقد أن هذا له دخل بحسب المحكمة الدولية».
العلاقة كانت وطيدة بين الأخوين بهيج ورياض طبارة ورفيق الحريري. ويقول رياض «كان يقول لي بهيج. هناك شخص لا يمكن ان تكذب عليه أبداً، ليس زوجتك طبعاً، إنه محاميك. بهيج كان مستشار رفيق الحريري القانوني وكان يثق به كثيراً. في المقابل، العلاقة بيني وبين الحريري كانت مختلفة. كنا نتناول الغذاء أحياناً معاً. وأتذكر أنه قال لزوجته نازك ( ما قاله الهراوي أيضاً في مناسبة أخرى): هل تعرفين أن أهضم شخص من بيت طبارة ليس وسيم بل رياض».
أمور كثيرة تغيرت. شركة الدراسات «مدما» لم تعد اليوم موجودة. ويقول عنها طبارة: «كنا نعدّ كل إستطلاعات الرئيس الحريري. وكان إذا مرّ شهر ولم نصدر نتائج إستطلاع يتصل بنا ويسألنا: شو إنتو كسلانين؟ كان يحب أن يتعرف على نبض الشارع. كان متحمساً دائما لذلك».
كيف يمضي وقته اليوم؟ «أعمل على ذوقي. أكتب. هناك زملاء قدامى يزورونني. وأحيانا نحتسي القهوة معاً في «الباك يارد». هنا أوفياء وهناك أوفياء الى حد ما». هو أتاه أكثر من عرض وزاري وسياسي لكنه رفض «لا أريد دخول وكر الدبابير» ويخبر «الفساد ليس في لبنان وحده. إبن كوفي أنان أوقف أيضا بقضية فساد» ويقول ما قاله ذات يوم لولده سامي: «هناك ثلاثة انواع من الأغلاط في الحياة. هناك غلطة ترتكب وننساها. وهناك غلطة ترتكب وندفع ثمنها. وهناك غلطة تبقى معنا طوال الحياة ويفترض أن تتفاداها».
ماذا عن أغلاط (أخطاء) رياض طباره؟ يجيب: «لم اخبرك أنني قلت لإبني أيضا أنني أخبره عن انواع الأغلاط من موقع مشارك».