ثائرة العربيات أطلقت مبادرة أردنية “مهدّبات الهدب” نسوية لإحياء موروث تراثي وشعبي ومنع اندثاره

النشرة الدولية –

يُعدّ “الشماغ” زيّاً تقليديّاً أردنياً توارثته الأجيال منذ عقودٍ طويلة، ويُعتبر رمزاً خاصاً بالأردنيين، ويخضع في العادة لعمليّة تزيين وتجميل، من خلال إضافة لمساتٍ فنيةٍ عليه، لا يُتقنها سوى القليلين، يُطلق عليها “الهَدَب”.

“مهدّبات الهدب” مبادرة نسوية أطلقتها سيدة أردنية تُدعى ثائرة عربيات (46 عامًا) في عام 2021 من محافظة البلقاء (وسط)، أخذت على عاتقها إحياء موروث تراثي وشعبي، فن تطريز “الهدب” في محاولةٍ منها لمنع اندثاره، لاسيّما مع تطور المجتمع واقتصار ارتدائه على كبار السن وفئات محدودة.

من مكان عملها في مدينة السلط غرب العاصمة عمّان، تشرح السيدة الأردنية تفاصيل مبادرتها التي مكنتها من تدريب مئات السيدات الأردنيات على تهديب الشماغ، مع ما يعنيه ذلك من تأمين فرص عمل لهن.

“ثائرةٌ على نفسي، وأكره العيش الخاطئ وأعشق صوابَه، وأحبّ عمل الخير والتطوّع”، بهذه الكلمات بدأت عربيات حديثها، فقد تربّت على ذلك في بيت والدها، مُختار عشائر السّلطية في منطقة “ماحص” التابعة لمحافظة البلقاء.

ثائرة اسمٌ مألوفٌ لدى معظم أبناء السلط وبات متجرها المعروف باسم “بيت خيرات السلط” مقصدًا لزائري المدينة، إذ من غير الممكن دخولها دون المرور به والاستمتاع بمشاهدة أقدم الأزياء التراثية التي اشتهرت بها.

تزوّجت عربيات وهي ابنةُ 15 عامًا، وكانت مقرّبة من والدة زوجها التي كانت السبب الرئيسي في مساعدتها على اكتساب خبرتها والانخراط في المجتمع.

وأضافت “كانت حماتي مثقفةً جدًا رغم أنها أميّة لا تقرأ ولا تكتب، ومكّنتني من الالتحاق بإحدى دورات الخياطة في مكانٍ قريب من منزلنا لمدة عام”.

وتابعت “كانت تُهدّب الشماغ لأشقّائها وأبنائها، وكنت أحاول التعلّم منها، لكنها كانت تحاول منعي خوفًا عليّ، لأنها حِرفةٌ تحتاج إلى تركيزٍ عالٍ وتؤلم العيون، لكنني على الرغم من حرصها عليّ، تمكنت من تعلم تلك الحرفة”.

وأردفت “في عام 1997 ذهبت إلى بيت أهلها بمحافظة الزرقاء (وسط) بسبب وفاة شقيقها، وجلست لوحدي 10 أيام”.

وبيّنت “قبل ذهابها، كانت تمسك بشماغ وتقوم بتهديبه، لكنها لم تكمله، وقررت أن أقوم بتلك المهمة، وبالفعل أنجزت ذلك، وعندما عادت بحثت عن الجزء غير المهدّب منه، وقالت بابتسامةٍ عريضة ‘الملائكة كانت تشتغل معي’”.

ونظرًا إلى إتقانها هدَب الشماغ، قالت لها والدة زوجها “هذا الشماغ لك، وغداً سأذهب إلى السوق لأشتري لك آخر لتقومي بتهديبه”، لتبدأ بعدها رحلتها مع هدَب الشماغ.

وفي محاولةٍ منها لتوضيح ارتباطها بوالدة زوجها، ذكرت أنها “قبل وفاتها في عام 1999، أوصت زوجي بي، وقالت لي في داخلك جوهرةٌ لا بدّ أن تُخرجيها”.

تعرّضت عربيات لأزمة صحية في عام 2012 جرّاء إصابتها بمرض “السكري العنيد”، ما أدّى إلى استئصال جزءٍ من أمعائها، وبقيت أسيرة مرضها عامين متتالين قبل أن تستعيد عافيتها.

بعد ذلك، عادت إلى الهدب عبر إعطاء دورات مجانية للسيدات من خلال جمعيّاتٍ خيرية، وكان كل ذلك صدقةً جاريةً على روح والدة زوجها التي علّمتها الصّنعة، على حدّ قولها.

وأوضحت “استطعت بين عامي 2016 و2019 عقد 35 دورة تدريبية، تجاوز فيها عدد المستفيدات 400 سيدة في عموم محافظات المملكة”.

وفي أكتوبر عام 2021، قرّرت عربيات فتح محلّها الخاص، وأسّست من خلاله مبادرة “مهّدبات الهدب”، واستقطبت عدداً كبيراً من النساء للعمل في هذه المهنة، وتوفير مداخيل لهن ولأسرهن.

Thumbnail

وفي وصفها للهدب قالت “هي خيوطٌ تضفي جمالاً ولمساتٍ جذابة، غُرست بحبّ من عيون الأمهات لأبنائهن”.

أما عن خطوات التهديب، فقد بيّنت أنها “تبدأ بمرحلة المراجلة وهي مطابقة أطراف الشماغ على شكل مثلث، ومن ثمّ غزّ أو زرع الخيوط القطنية البيضاء على أطرافه كاملةً”.

وأثناء شدّها لأطراف الشماغ على ركبتيها لإحكام سيطرتها عليه، أشارت عربيات إلى أن “الهدب له 3 أنواع، وذلك بحسب العقد وعدد خيطانها”.

النوع الأول، تشرح عربيات، يُعرف بـ”الأميري” ويستخدم فيه خيطان اثنان، ومع مرور الزمن تتحوّل تلك العُقد إلى شكل طابة صغيرة بسبب تعرّض القطن للنفش، تُعرف بـ”حبة الأرز” لصغر حجمها.

والنوع الثاني يسمى “الملوكي”، وتستخدم فيه 4 خيوط، ويُعرف هدبه بـ “حبة العدَس”.

أما النوع الثالث، تتابع عربيات، فهو “البادية الشبابي”، وتستخدم لعقدته 7 خيوط، وهو ما يعرف بهدب حبة الحمص.

وعن إنتاجها من الهدب، بيّنت ثائرة أنه “يعتمد على نوعه، لكن في المجمل يحتاج الشماغ الواحد من يومين إلى 10 أيام، وبإجمالي شهري 7 أشمغة”.

وقالت إن “زبائنها هم من المجتمع المحليّ وزوار المملكة الراغبين في الاحتفاظ بأشياء تراثية بعد زيارتهم للأردن”.

وبحسب عربيات، فإن عدد السيدات العاملات معها في الوقت الحالي هو 32، حيث تقوم بتزويدهن بالأشمغة والمواد اللازمة للعمل على تهديبها في منازلهن.

وتتراوح أسعار الشماغ المهدّب ما بين 25 دينارًا أردنياً (35 دولاراً أميركياً) و50 ديناراً (70 دولاراً)، ويعتمد ذلك على سعر الشماغ قبل تهديبه.

واختتمت حديثها بالتأكيد على أنها لم تهدف بمهنتها إلى التكسّب مادياً، بقدر حبّها وحرصها على عدم اندثار رمز خاص لبلادها، واصفةً نفسها بأنها “أول امرأة تدرّب الهدب على مستوى الأردن”.

Thumbnail

 

زر الذهاب إلى الأعلى