هل تزعزع الإخفاقات التحليليّة الثّقة بالإعلام؟

النشرة الدولية –

النهار العربي – ليليان قربان عقل –

لا يُمكن مقاربة المشاكل الحادّة التي تعترض وسائل الإعلام في الأزمنة والحالات الصعبة، إلّا من حيث اعتبارها في صلب الدور الواجب أن تتحمّله، بين حالَتَي تقديم المعلومات المُمَكّنة والمؤكّدة، أو إعطاء توقّعات هي أقرب إلى رسم السيناريوهات الخاصّة وغير المرتكزة على بناءات صحيحة.

وهذا ما ينعكس سلباً على صدقيّة بعض وسائل الإعلام ويوقعها بمشاكل تحريريّة من الصعب تصحيحها، يستحيل معها استعادة ثقة الجمهور بالإعلام، باعتباره مرجعيّة معرفيّة تساعد المواطن على الاستفسار والاستعلام عن تفاصيل ما يحدث في اللحظات الساخنة ميدانياً.

فهل يستطيع الإعلام تجفيف الفجوة الحاصلة بين ما يجب أن يعرفه الناس عن واقعهم المعيش وما يمكن للإعلام أن يقدّمه لهم من معلومات ومُعطيات، خارج التّحليلات التي غالباً ما ينتج منها إخفاقات قاسية بسبب حاجة الإعلامي المحلّل إلى ذخر معرفي يقيه الوقوع في مهاوي تقديم التحليلات وإطلاق الأحكام؟

فالإخفاقات التحليليّة في وسائل الإعلام ومن خلالها، تترك ندوباً من الصعب محوها في فترة زمنيّة قصيرة. وهذا ما يستوجب الإسراع لوضع آليّة فعّالة للتعامل مع هذا الوضع الاحتمالي والمهني، ينحصر في مستويين من عمليّة بناء الثّقة.

الأول السرعة الاستدراكيّة لتصحيح الخلل الناتج وتقويمه باعتدال وهدوء، بما يتوافق ومنطق تعدّد المواقف والمفاهيم بين المحلّلين، كأشخاص وليس المؤسّسات الإعلاميّة التي تعمل وفق معايير معيّنة وتتبع قواعد محدّدة في التعاطي مع مفهوم الحريّة؛ وثانيها وضع نظام وقائي متكامل، يحرص على منع صياغة وإنتاج تنبّؤات مختلفة وهوائيّة، تنعكس سلباً على رصانة المؤسّسة وسلامة الأمن الإعلامي والمجتمعي.

يتلازم مع الحالتين العمل الجاد لبناء منظومة علاقات إعلاميّة، تتكامل فيها المعطيات مع التحليلات، وتضع في صلب أولوياتها تقديم إعلام نظيف، وتوفير حماية معرفيّة للجمهور من خلال الحرص على تحصين الآراء وتدعيم الأسانيد التي يتمّ التركيز عليها في الاستخدامات الإعلاميّة والتّحليليّة. كثيراً ما يقع البعض في إخفاقات تحليليّة، بسبب قلّة معرفتهم بأسباب الحدث وتفاصيله وتداعياته، نظراً لتغرّبهم عن الواقع المَعيش، فتأتي آراؤهم أقرب إلى (تأليف كلام) منها إلى التراكيب الإعلاميّة، الأمر الذي يتسبّب بأذى للجمهور وللوسيلة وللإعلامي على السواء.

والحل الأنسب لتفادي الإخفاقات التحليليّة، هو الابتعاد من المبالغة والادّعاء بشموليّة المعرفة، والاقتناع بأن الحقيقة المطلقة والكاملة، لن تكون ملكيّة خاصّة لأي محلّل إعلامي أو سياسي. وهذا ما يلقي على الوسائل الإعلاميّة مسؤوليّة مضاعفة، مبنيّة على تقديم خدمة تتّصف بالجودة، وتحرص على حماية المستهلك والإعلامي وتقديم الأفضل من المعلومات المتوفّرة والموثوقة.

وبذلك يكون الإعلام قد وفّر حريّة التعاطي السليم مع جو الحدث وإفرازاته، وأبعد منه شبهة التلاعب والاختلاف والوقوع في الإخفاقات التي غالباً ما ترافق المواكبات التحليليّة في الأزمنة الصعبة، وتجعل من الجمهور ضحيّة افتراضيّة لكلّ مادّة إعلاميّة ضعيفة الصناعة وغير متقنة الصياغة.

كثيراً ما يتم استخدام مصطلحات وتسميات مثل “المحلّل الإعلامي”، “الخبير الاستراتيجي”، “الخبير الإعلامي”، و”المحلّل الاستراتيجي” التي توحي بأن الضيف يفقه جيّداً بخفايا وأبعاد الموضوع  الذي يتناوله، وأنه تتمّ استضافته ليتحدّث عن أسباب الأحداث وخلفيّاتها وتداعياتها وارتداداتها المحليّة والإقليميّة.

غالباً ما تأتي التّحليلات غير دقيقة وبعيدة من الواقع، الأمر الذي يتسبّب بحالة من الإرباك والتوتّر عند المتلقّين .

وهذا ما يستوجب على المؤسّسة الإعلاميّة التأكّد من مؤهلات ومعلومات وخبرة  ومهنيّة وأخلاق الضيف، المحلّل الإعلامي، وألا يكون مرتهناً لأجندات سياسيّة خاصّة، وذلك لتجنّب الإخفاقات التحليليّة التي تنعكس سلباً على الرأي العام وتفقد الإعلام هيبته وصدقيّته وسلطته المعرفيّة التي تشكّل لكثيرين المرجعيّة الإعلاميّة التي يُركَنُ إليها.

 

دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال

زر الذهاب إلى الأعلى