عادات سادت ثم بادت
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

من مجلة "العربي" والسفر الذي يتطلب بدلة وكرافته والهاتف الأرضي والأسطوانات وصولاً إلى الثورة الرقمية التي يتفق العلماء على أنها في بداياتها

النشرة الدولية –

عنوان هذه المقالة مستوحى من أحد أقسام مجلة “العربي” الكويتية الشهيرة، وكان “حضارات سادت ثم بادت”، يسلط الضوء على تواريخ الأمم الغابرة وحضاراتها وكيف أصبحت أثراً بعد عين.

لا أعرف عدد من لا يزالون يقرأون مجلة “العربي” كما كنا نفعل صغاراً. ولعل التعلق والإدمان والانتظار بشوق للعدد الشهري المقبل من المجلة حتى يصل إلى الأسواق هي من العادات التي بادت. فالقراءة تتحول رقمياً، و”العربي” من المجلات التي اختفت من واجهات المكتبات التي تتلاشى شيئاً فشيئاً.

يشهد أبناء جيلي الذين تخضرموا وعاشوا قبل الثورة الرقمية تحولات عادات سادت ثم بادت. فنحن آخر الشهود على تلك العادات، وبرحيلنا سترحل معنا تلك العادات، أو لنقل ذكريات واستذكار تلك العادات.

كان السفر عبر الطائرة في الستينيات والسبعينيات يتطلب بدلة و”كرافته” – ربطة عنق، وتجمع الأهل والجيران والأصدقاء للوداع، ناهيك بفرقة توديع للمطار قد يتغير أعضاؤها باستقبال العودة من المطار كذلك. كلها تهون أمام البدلة والكرافته! عليك المحافظة على بطاقة الطائرة التي كانت تحمل رقم المقعد، حافظ عليها كما تحافظ على جواز السفر، فإن أضعتها راحت عليك الرحلة وألغيت السفرة. تركب الطائرة، فيقوم جارك بالمقعد “بطق الزقاره”! كان ذلك في القرن العشرين، قرن النووي والطائرات والسيارات والدراجات النارية والهبوط على سطح القمر! كان قرناً للإنجازات العلمية والطبية والمجالات كلها، لكنه أصبح شيئاً قديماً مقارنة بما يجري في القرن الحادي والعشرين.

كان المسافرون يصفقون للطيار حين تهبط الطائرة بسلام، مع تقدم الأمان بالطيران، بدأ التصفيق يتلاشى، وإن سمعتم تصفيقاً اليوم، فهو من جيلي المخضرم الذي صفق قبل العصر الرقمي.

كان الاتصال الهاتفي يتطلب انتظاراً قد يطول لساعات. أذكر أننا كنا نتصل من لندن ببدالة “المكالمات” في الكويت خلال السبعينيات، ترد علينا موظفة فتخفق قلوبنا لسماع صوت كويتي من الوطن، ونرجوها تحويل مكالمتنا إلى البيت – الخط كان أرضياً فحسب، وهو بدوره من عادات الاتصالات التي تتلاشى من بيوتنا بدخولنا بثبات في العصر الرقمي.

تلاشى مع الهاتف الأرضي المرحوم “بيجر” والراحل “فاكس”، ماتا في عز شبابهما ولا يعرفهما الجيل الرقمي اليوم. حتى الكاميرات اليدوية، والمصورون عند المعالم السياحية وفي الأسواق والمطاعم أصبحوا في خبر كان.

ولّت أيام الأسطوانات التي تلتها الأشرطة الملفوفة، فأشرطة “الكارتريدج” ثم الأشرطة الصغيرة فالأصغر وتبعها “الميني تيب”، بل إن الأسطوانات المضغوطة (سي دي) لم تعمّر طويلاً، فقد حل محلها “ذاكرة البرق” (Flash memory).

أصبح الهاتف الذكي في جيب الواحد حافظة كل شيء، فهو السكرتير والمنبه والملف الشخصي بل والبنك والحساب. بدأ النقد يتلاشى من الجيوب. وبدأ عازفو الشوارع بالانقراض. فالناس لا تحمل “خردة” من النقود. أصبح الهاتف المحمول يحمل بطاقات مصرفية للدفع، ومن يدري؟ فقد يعود عازفو الشوارع يوماً بهواتف تحول بها المبالغ لحسابهم، لكن ذلك سيكشف ثروات بعضهم، وسيعرضهم للملاحقة من قبل جامعي الضرائب.

تدخل المطار وتمرر الكود الرقمي QR على آلة تخرج لك بطاقة دخول الطائرة على الشاشة، فتطلب تحويلها لك على بريدك الإلكتروني، فتخرجها على شاشة الهاتف الذكي لموظف الدخول للطائرات. تلتفت فترى بجانبك شاباً يلبس “شورت” فوق ركبته، تتذكر البدلة والكرافته والأيام التي سادت ثم بادت بعاداتها وسلوكها الذي فرضه القرن العشرين، الذي أصبح شيئاً متخلفاً من الماضي.

يتفق علماء الرقميات على أن الثورة الرقمية ما زالت في بداياتها، وسيتلاشى معها كثير من العادات ويختفي مفسحاً الطريق لبدائل رقمية في القرن الحالي.

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى