باحث أميركي: ينبغي عدم السماح بالتوقف التام لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني
النشرة الدولية –
فشلت تماماً المفاوضات الرامية إلى إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني، بعد نحو عامين تقريباً من الجهود من جانب الولايات المتحدة وإيران، حسبما يرى محلل السياسات الخارجية الأميركي، أليكسندر لانغلويس.
ويضيف لانغلويس، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية: «رغم أن كثيراً من العوامل أسهمت في الموت القريب للمفاوضات بين الدولتين المتنافستين منذ وقت طويل، تعتبر حركات الاحتجاج الأخيرة في إيران، بعد وفاة الفتاة مهسا أميني، بعد إلقاء القبض عليها من قبل شرطة الأخلاق، ذات دور أساسي في توقف المحادثات بين واشنطن وطهران». ويأتي ذلك في ظل برنامج نووي متطوّر بصورة متزايدة داخل إيران، ما يمثل سيناريو خطيراً تواجه فيه إيران قلاقل واسعة النطاق وسقوطاً اقتصادياً حراً بسبب العقوبات الغربية.
وكانت مدينة فيينا بالنمسا قد شهدت في الفترة من الثالث إلى الثامن من أغسطس الماضي آخر جولة من المفاوضات بين «مجموعة 5+1»، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ألمانيا. وأثناء هذه الجولة أعلن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، أنه اطلع على مسودة «نهائية» لاتفاق نووي إيراني يتم إحياؤه. واستمرت واشنطن وطهران في التفاوض بصورة غير مباشرة، من خلال مجموعة الدول الثلاث: المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي جرت فيه المشاركة في التعليقات وتطبيقها على نص مسودة الاتفاق.
واستمر ذلك حتى مطلع سبتمبر، عندما أرسلت إيران رسالتين متعاقبتين تحدد فيهما مطالب متشددة خارج ما سبق مناقشته في ما يسمى بـ«المسودة النهائية». ووفقاً لمعلومات للحرس الثوري الإيراني، تم تسريبها، فُهم منها أن إيران طالبت بإغلاق قضية وكالة الطاقة الذرية الدولية ضد إيران الخاصة بانتهاك الضمانات، وعدم فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني، وضرورة تقديم الولايات المتحدة تأكيدات بعدم انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني.
وبطبيعة الحال، تسبب ذلك في إلحاق الضرر بالمفاوضات، حيث دعا الدول الغربية إلى التشكك في نوايا إيران واهتمامها بإحياء الاتفاق. وفي الحقيقة، يعتبر طلب إيران – بأن تكون هناك ضمانات أفضل – أمراً له ما يبرره في ضوء انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وهو ما تسبب في الفشل الذريع الحالي. وبغض النظر عن كل شيء، يمكن اعتبار هذا التوقف في المفاوضات ناقوس موت الاتفاق، حيث إنه مع استمرار واشنطن وطهران في اتصالاتهما غير المباشرة عبر وسطاء مثل قطر، انفجرت حركة الاحتجاج الأخيرة في شوارع إيران.
وفي الواقع فإن قرار إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن توقف المفاوضات وفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، إلى جانب الخطاب العلني الداعم للمحتجين، أمر يسفر عن رد فعل سلبي من جانب طهران، من شأنه إلحاق الضرر بفرص نجاح إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني. فالقيادة الإيرانية معروفة بمعاداتها لأميركا، وبسبب إيدولوجيتها الثورية تنظر إلى تصرفات واشنطن بشكوك، وكذلك بسبب كثير من قرارات السياسة الخارجية الأميركية السابقة غير العادلة.
والأهم من ذلك هو أنه من الممكن أن تعتبر طهران توقف المفاوضات في وقت حركة الاحتجاج نفسه، «مؤامرة خارجية»، لإرغامها على قبول اتفاق رديء، أو إجراء إصلاحات من شأنها أن تضعف نظامها. ومن الممكن أن يكون لذلك تداعيات خطيرة يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.
وفي أسوأ سيناريو، يمكن أن تواجه إيران حركة الاحتجاج بتصعيد الملف النووي، كما فعلت في الماضي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. ومن الممكن أن يشمل هذا زيادة قدرات التخصيب إلى 90%، ما يتيح لها إنتاج أسلحة نووية.
ورغم أن إيران صرحت مراراً بأنها لا تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية، ليس من الصعب تصور قيامها بذلك لتحقيق قوة ونفوذ، إذا رأت أن حركة الاحتجاج بدعم من الدول الأجنبية تمثل تهديداً وجودياً لبقائها. ومن هنا يمكن أن ينهار الوضع بسرعة.
ويقول لانغلويس: «إنه إذا استمرت الاحتجاجات واختار النظام الإيراني زيادة قدراته النووية رغبة في البقاء، سيواجه العالم سيناريو إنتاج دولة غير مستقرة بدرجة كبيرة لأسلحة نووية». وكما أشار كثير من الخبراء، فإنه رغم أن انهيار إيران أو قيامها بإصلاحات سيكون أمراً محل ترحيب، طالما أنه يسفر عن نظام حكم مستقر وتمثيلي، من المحتمل أن تكون القلاقل الناجمة عن ذلك مروعة. فمن الذي سيضمن أن المواد والمعدات والمعلومات النووية في أمان، إذا ما ساد الاضطراب دولة يبلغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة في منطقة غير مستقرة بشكل سيئ؟
وبالقدر نفسه من الأهمية هناك تداعيات إقليمية، إذ إن أي تصعيد في الملف النووي الإيراني سيؤدي إلى رد فعل من جانب المعسكر المعادي لإيران. وهذا يعني انتشاراً نووياً في المنطقة، وزيادة في سباق التسلح بها بشكل خطير. وكل هذا ليس أمراً جيداً للمصالح الأميركية في المنطقة، ناهيك عن الصالح العام.
ورغم أن التضامن مع حركة احتجاج مشرفة، ودعم المرأة والطبقة العاملة بصورة أوسع نطاقاً، أمر يحظى بالترحيب، وينبغي أن يكون أساسياً بالنسبة لأي سياسة خارجية أميركية، فإن واشنطن ترتكب خطأ بوقفها لمفاوضات الاتفاق النووي.
ويختتم لانغلويس تقريره بأنه يتعين، في الواقع، أن «يدرك المسؤولون الأميركيون أن بوسعهم الإعراب عن تضامنهم أثناء تفاوضهم على اتفاق سيكون مهماً للأمن الإقليمي والعالمي. ويمكن القول ببساطة إن الملف النووي الإيراني يغيّر كل الاعتبارات، وينبغي النظر إليه بأعلى مستوى ممكن لتجنب المخاطرة».
- يأتي توقف المفاوضات بين واشنطن وطهران، في ظل برنامج نووي متطوّر بصورة متزايدة داخل إيران، ما يمثل سيناريو خطيراً تواجه فيه إيران قلاقل واسعة النطاق وسقوطاً اقتصادياً حراً بسبب العقوبات الغربية.
- بغض النظر عن كل شيء، يمكن اعتبار هذا التوقف في المفاوضات ناقوس موت الاتفاق، حيث إنه مع استمرار واشنطن وطهران في اتصالاتهما غير المباشرة عبر وسطاء مثل قطر، انفجرت حركة الاحتجاج الأخيرة في شوارع إيران.
- رغم أن إيران صرّحت مراراً بأنها لا تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية، ليس من الصعب تصور قيامها بذلك لتحقيق قوة ونفوذ إذا رأت أن حركة الاحتجاج بدعم من الدول الأجنبية تمثل تهديداً وجودياً لبقائها.