الطبقة الوسطى في تونس تراجعت في تركيبة المجتمع من 60 إلى 30% بسبب الخيارات الفاشلة ما بعد الثورة

النشرة الدولية –

تتراجع الطبقة الوسطى التي تمثل 60 في المئة من تركيبة المجتمع التونسي بشكل واضح وتنحدر نحو الفقر، بسبب ارتفاع مستويات التضخّم وارتفاع إنفاق التونسيين أكثر من قيمة رواتبهم، ما يطرح تساؤلات عن كيفية معالجة الدولة للملف وإنقاذ ما تبقى من هذه الطبقة باعتبار دورها الجوهري في إحداث توازنات اجتماعية واقتصادية في البلاد.

وتعاني تونس منذ سنوات من خلل هيكلي في الاقتصاد والموازنات العامة، دفع بالطبقة الوسطى التي تمثل عمود التوازن الاجتماعي إلى التقلص بسبب خروج جزء من الموظفين سواء في القطاع العام والخاص الذين يتقاضون رواتب تقل عن 800 دينار (قرابة 260 دولارا) من دائرة الطبقة المتوسطة التي تعيش وضعا مريحا في سنوات ما قبل الثورة وتنتقل الآن إلى طلقة الفقراء.

وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إن “الطبقة الوسطى في تونس اندثرت بسبب التركيز على جدل سياسي عقيم وإهمال الملف الاقتصادي”.

وأكد في تصريح لقناة تلفزيونية محلية أن “الطبقة الوسطى في تونس عجزت عن مواجهة التضخّم المالي لأن هذه الطبقة متكوّنة أساسا من أشخاص لهم راتب قار من المتقاعدين والموظفين والعاملين بالقطاعين العام والخاص وأن قدرتهم الشرائية تراجعت”.

الطبقة الوسطى ستحافظ على صفتها، لكنها في المقابل ستتدحرج نحو خانة من الفقر بسبب الارتفاع المتواصل للأسعار

وأوضح سعيدان أن “الطبقة الوسطى تراجعت في تونس منذ سنة 2011 بنسب تقدّر بين 25 إلى 30 في المئة في حين كانت تمثّل 60 في المئة من التونسيين”، لافتا إلى أن “أكثر من نصف التونسيين كانوا يعيشون في وضع الرفاه”.

وبحسب سعيدان فإن الطبقة الوسطى، كانت “عامل استقرار كبير في تونس من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، لكنها تدهورت بشكل كبير وجزء منها التحق بالطبقة الفقيرة وهذا راجع لعدم تحقيق نمو اقتصادي في السنوات الأخيرة وبالتالي لم يتم استحداث مواطن شغل ولا يمكن تحقيق كرامة المنتمين إلى الطبقة الوسطى إلا بمواطن شغل حقيقية وليس بمواطن شغل مزيفة”.

وعرفت نسبة التضخم في تونس ارتفاعا غير مسبوق وصل إلى 9.8 في المئة خلال نوفمبر الماضي وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ تسعينات القرن الماضي. ويتوقع محافظ البنك المركزي التونسي مروان عباسي أن يرتفع التضخم إلى 11 في المئة خلال 2023.

وبحسب بيانات رسمية شهدت نسبة النمو في البلاد ارتفاعا طفيفا خلال السنة الماضية من 2.4 في المئة خلال الربع الأول من 2022 إلى 2.8 في الربع الثاني وصولا إلى 2.9 خلال الربع الثالث.

ويرى متخصّصون في علم الاجتماع أن الطبقة الوسطى ستحافظ على صفتها، لكنها في المقابل ستتدحرج نحو خانة من الفقر والاحتياج في سلم الطبقات الاجتماعية في تونس بسبب الارتفاع المتواصل للأسعار وارتفاع نسبة التضخّم خصوصا بعد مرحلة كوفيد – 19 والأزمة الروسية الأوكرانية.

وقال أستاذ علم الاجتماع العيد أولاد عبدالله إن “الطبقة الوسطى لن تضمحلّ بل ستنحدر إلى الأسفل وستبقى دائما وسطى مقارنة ببقية الطبقات، بل سنرى فئة اجتماعية أكثر بؤسا وفقرا ووسطى تتأقلم مع التداين والأزمات كي تستمر وتعيش لكن بملامح فقيرة”.

وأضاف أولاد عبدالله لـ”العرب” أن “هذه الطبقة كانت ميسورة الحال فتدحرجت نحو الفقر تدريجيا، وهي نتاج لهذا الواقع الاقتصادي الذي يشهد ركودا متواصلا وعدم إحداث ثورة اقتصادية حقيقية ترسّخ العدالة الاجتماعية”.

وتابع “غلاء الأسعار زاد من تدهور الطبقة الوسطى، وحتى إن تمت الزيادة في الأجور فلن تقدر تلك الطبقة على مجابهة نفقاتها وديونها، والمواطن التونسي أصبح يمارس العديد من الأنشطة الموازية في شكل مشاريع صغيرة وخاصّة”.

وسبق أن قال عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين إن “جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية سيساهمان في إلحاق ضرر بفئة الأجراء”، لافتا أن “منوال التنمية اعتمد بالأساس على التموقع في المجال الاقتصادي العالمي انطلاقًا من ضعف الرواتب”.

واعتبر بن حسين في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “توجه الدولة التقشفي أضر بالعائلات وأصبحت كلفة التعليم والصحة مثلًا عالية جدًا”، موضحا أن “الطبقة الوسطى ستكون عاجزة عن توفير حاجياتها الأساسية وما يؤزم الوضع أكثر أن الدولة تخلت عن السياسات النشيطة في إعادة توزيع الثروة التي تشمل التعليم والصحة، فضلا عن فشل الدولة في التحكم في منظومة الأسعار وهو ما أدى إلى انفجار في نسب التضخم”.

وكشفت دراسة بعنوان “ميزانية الكرامة في تونس” أُعدّت بالاشتراك بين معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بفرنسا ومؤسسة فريدريش إيبرت شمال أفريقيا والشرق الأوسط مكتب تونس أن ما بين 40 و50 في المئة من سكان تونس الكبرى يفتقرون إلى الموارد اللازمة لضمان ظروف معيشية كريمة وغير قادرين على توفير الاحتياجات الضرورية.

وأظهرت نتائج المشروع أنه لضمان عيش كريم لعائلة تتكون من 4 أفراد يجب أن يتوفر دخل شهري قدره 2466 دينارا لضمان الحصول على الاحتياجات الضرورية وهي التغذية والسكن والتعليم والصحة والخدمات وغيرها.

وأكّدت ثريا التبّاسي، نائبة رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس، أن “الطبقة الوسطى هي الشريحة المستقّرة اجتماعيا، لكنها شهدت تراجعا كبيرا حيث لم تعد قادرة على مجابهة غلاء الأسعار وهي عاجزة عن المحافظة على قدرتها الشرائية مع تراجع إقبالها على الاستهلاك”.

Thumbnail

وقالت التباسي لـ”العرب” إن “هذه الطبقة كانت تحدث نوعا من التوازن الاقتصادي والاجتماعي في تونس، لكن الظرف الاقتصادي الدقيق وتعاقب الأزمات جعلها تتراجع وتدخل في مرحلة التداين ومواجهة الغلاء، كما أن نسبة القروض الاستهلاكية التي يطلبها المواطنون من البنوك التونسية وصلت إلى نسب مرتفعة”.

وبخصوص الحلول المقترحة لإنقاذ ما تبقى في هذه الطبقة التي تصارع من أجل البقاء، اقترحت ثريّا التباسي “ضرورة اتخاذ الدولة لقرارات شجاعة تتعلّق أساسا بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية عبر مراجعة منظومة الدعم دون المسّ من المقدرة الشرائية للتونسيين”.

وكانت وزيرة المالية سهام نمصية البوغديري أعلنت في وقت سابق أنه سيتم رفع الدعم عن المحروقات بصفة نهائية بحلول سنة 2026 لتبلغ أسعارها الحقيقية وذلك تطبيقًا للإصلاحات التي انطلقت فيها تونس بخصوص التعديل الآلي لأسعار المحروقات بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.

في المقابل، حذّر المرصد التونسي للاقتصاد من “الذهاب إلى حقيقة الأسعار لأنه سيؤثر على الجهاز الإنتاجي ويمس من الحقوق الأساسية للمواطنين ذلك أن الوقود منتج حيوي يؤثر على عدة قطاعات من النشاط الاقتصادي وسيرفع من تكلفة الإنتاج والأسعار”.

وسبق أن شهدت تونس هزات اجتماعية نتيجة ذهاب الدولة في خيارات تقشفية والزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية مثلما حدث في سنة 1986 وانتهت إلى تراجع سلطة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عن تلك القرارات، كما عرفت البلاد انتفاضة شعبية سنة 2011 أسقطت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بسبب ارتفاع نسب البطالة وتردي الوضع الاجتماعي، وكثيرا ما كانت الطبقة الوسطى، التي تتكون في مجملها من أجراء القطاعين العام والخاص، فاعلًا في هذه الحركات الاجتماعية للدفاع عن مصالحها المادية والمعيشية خصوصا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى