لماذا ادّعى المحقق في انفجار مرفأ بيروت على المدّعي العام؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
يُعرف المدعي العام التمييزي في لبنان القاضي غسّان عويدات بهدوئه وطول أناته، ولكنّ ما فعله، بعد قرار المحقق العدلي في ملف انفجارمرفأ بيروت طارق البيطار، أظهر عكس ذلك، بحيث أدخل القضاء اللبناني في حرب من شأنها أن تضيفه إلى قائمة المؤسسات المنهارة في البلاد.
ما الذي حصل حتى انقلبت أحوال عويدات رأسا على عقب؟
في ظاهر الحال، يبدو عويدات في موقع المدافع عن صلاحياته، اذ إنّ المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، في اجتهاده الذي أعاد فيه لنفسه القدرة على متابعة التحقيقات التي جرى تجميدها منذ أكثر من ثلاثة عشر شهرًا ، استحوذ على صلاحيات النائب العام التمييزي حتى يستطيع الادّعاء على كبار الموظفين والقادة الأمنيّين، بعدما رفضت مرجعياتهم السياسية إعطاء الإذن بملاحقتهم. هذا في ظاهر الحال، ولكن في الواقع، إن البيطار ذهب أبعد من ذلك، فادّعى على عويدات نفسه وطلبه إلى جلسة استجواب.
وهذا الادّعاء كان من شأنه إعادة تسليط الضوء على الدور الذي لعبه المدعي العام التمييزي في ملف انفجار المرفأ، اذ كان المرجع الأكثر اطلاعًا على مخاطر كمية نيترات الامونيوم المخزنة بطريقة عشوائية وخطرة، في العنبر رقم ١٢ في مرفأ بيروت التي انفجرت في الرابع من أغسطس.
وقد نجحت الحرب التي شنّها عويدات على البيطار في طمس السؤال عن أسباب الإدعاء عليه، وأدخلت البلاد في فوضى لم تعرف البلاد مثيلًا لها، حتى في زمن الحرب اللبنانية التي امتدت بين العامين ١٩٧٥ و١٩٩٠.
وتظهر التحقيقات في ملف انفجار المرفأ أنّ عويدات كان قد تلقى قبل ثلاثة أشهر من انفجار مرفأ بيروت الذي قتل وجرح أكثر من ستة آلاف شخص تقريرًا رفعه إليه مسؤول المرفأ في المديرية العامة لأمن الدولة الرائد جوزف النداف وأبلغه فيه عن خطورة كمية نيترات الأمونيوم المخزّنة في العنبر رقم ١٢ ،بطريقة عشوائية، وفي ظروف غير مناسبة، بحيث تظهر فجوة في أحد جدران العنبر ويعاني بابه الرئيسي من خلل كبير،.
وقد ورد في التقرير الذي درسه عويدات أنّ كمية نيترات الأمونيوم الموجودة خطرة للغاية، لأنّه، في حال اشتعالها، فسوف تؤدّي إلى انفجار ضخم “تكون نتائجه شبه مدمّرة لمرفأ بيروت”.
وعلى الرغم من أهميّة ما تضمنه هذا التقرير، فإن عويدات اكتفى بطلب إصلاح الباب وسد الثغرة، وأمر بإقفال المحضر، أي بإبقاء الحال على ما هي عليه.
ونتيجة لأوامر عويدات، تمّ استقدام عامل تلحيم سوري لإصلاح الباب الرئيسي، فكان التلحيم الذي يُشاع بأنّه تسبب بنشوب الحريق الذي امتدّ إلى مادة نيترات الأمونيوم وفجرها.
ولم يعرف لماذا تأخر عويدات حتى عشية الرابع من أغسطس ٢٠١٠، ليصدر تعليماته، على الرغم من أنّ التحذير الذي أطلقه النداف كان في شهر مايو ٢٠٢٠.
ويكتسب هذا السوال أهميّته من أنّ المحكمة الخاصة بلبنان كانت قد حددت، في ذلك الوقت، موعدًا لإعلان حكمها المنتظر في ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بعد ثلاثة أيام، أي في السابع من أغسطس ٢٠٢٠.
وقد طغى الانفجار والكوارث والمآسي التي انتجها على الحكم الذي أظهر دور “حزب الله” في تنفيذ جريمة اغتيال الحريري.
ولم يكن طبيعيًّا أن يتمّ الادعاء على ضبّاط وموظفين وعمال وتوقيفهم بتهم الإهمال في موضوع معالجة كمية نيترات الأمونيوم، فيما يبقى المدعي العام التمييزي الذي لم يكن على علم بها فقط بل ظهر أيضًا فاعلًا في القرار المتعلق بوجوب معالجتها، حرًّا، وكأنّ لا ناقة له ولا جمل، في ما كل ما حصل.
وقد استغلّ عويدات صلة القرابة التي تربطه بالنائب غازي زعيتر الذي تمّ الادعاء عليه في الملف، حتى يتنحّى عن متابعة التحقيقات في الانفجار، وذلك تجنّبًا لإثارة ملفه من قبل وكلاء الدفاع عن المدّعى عليهم.
وامتنع المحقق العدلي، في المراحل السابقة من التحقيقات عن الادعاء على عويدات، لأنّه كان يلتزم بصلاحياته الكلاسيكيّة، لكنّه وجد نفسه،عند إصدار اجتهاده ” الثوري” الأخير، مضطرًا للاّدعاء على عويدات وغيره من القضاة الذين تترك, عادة، شؤون ملاحقتهم في ما ينسب إليهم من جرائم وجنح، إلى محكمة خاصة بالقضاة.
لقد أدى ادّعاء المحقق العدلي على عويدات إلى ضمّه علنّا إلى منظومة المتضررين من التحقيق، فحوّل نفسه، بذلك إلى رأس حربة في محاولة تطيير البيطار التي كان قد تولّاها سياسيًّا، في مراحل سابقة، “حزب الله” من خلال تهديد أبلغه المسؤول فيه وفيق صفا إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود.