هستيريا التبييض والشفط والنفخ على شبكات التواصل الاجتماعي
النشرة الدولية – الكاتبة نزهة عزيزي
ترددت كثيرا قبل أن أكتب عن هذا الموضوع الذي يشعل مواقع التواصل الاجتماعي حتى أصبح الوضع هستيريا وأتسائل لماذا كل هذا التهافت على التجميل؟
هذا لا يعني أني ضد الجراحة التجميلية لأنها فعلا جاءت لمساعدة الإنسان نفسيا وجسديا لتقبل جسده أو لإيجاد حلول لمشاكل خلقية وتشويهية خصوصا بعد حادث أو التعرض للعلاج الكيميائي عند مرضى السرطان. ولست ضد البحث عن الجمال والرونق خصوصا للمشاهير من الفنانين والمغنيين لابد أن ضرورة العمل في هذا المجال أو كل ماهو مرئي يتطلب مظهرا حسنا والحفاظ على الصورة الجميلة للظهور أمام الجمهور يمثل غلاف ماليا مهما لاستمرار الفنان.
لكن ما أثر ذلك على الجمهور؟ أين هم علماء الاجتماع والنفس للإجابة على تفاقم الطلب على التجميل حتى في أبسط البيئات الاجتماعية ولماذا تتهافت الكثير من النساء على إبرة أصالة وعلى تبييض البشرة خصوصا في دول الخليج لماذا هناك خلل في معايير الجمال في كل مجتماعتنا العربية، هل السمارة عيب أو تشوه خلقي لكي تتقاتل النساء على إصلاحه؟
هل نمطية البشرة البضاء هي بالضرورة الأجمل؟ وكيف وصلت افكاربناتنا إلى أنهن لسن جميلات لانهن سمراوات؟
هنا مربط الفرس في التنشأة والمحيط الذي يرسخ في رأس المرأة أفكارمتطلبات المجتمع الذكوري، البيضاء أكثر حظا في الزواج من السمراء وخصوصا في البلدان الصحراوية والعالم العربي عموما علما أن لابيئتنا ولا مناخنا يعزز الجينات لتصبح روسية أو إسكندنافية وماذا لو تطالب النساء الرجال بالمثل؟
إن الجمال في العين التي ترى الجمال وهو مسألة نسبية تختلف من شخص لآخر، عارضة الازياء الإثيوبية الأصل ناومي كامبل لم تكن تفكر يوما أنها ستصبح ملكة جمال في البلد الأكثر تنوع جنسيا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا حتي كانت تحلم أن تقف جنبا إلى جنب مع أسطورة البوب الأمريكي مايكل جاكسون. والامثلة كثيرة، معايير الجمال تغيرت في الغرب بشكل ملفت للانتباه فعروض الازياء العالمية لا تخلو من الافريقيات الزنجيات التي يبهرن بحضورهن وبطلتهن، لم يطلب منهن تبييض بشرتهن لتتزوجن.
رغم أن موروثنا الأدبي زاخر بالتغني بالجمال الاسمر فلولا سواد المسك ما إنباعا غاليا إلى متى والمرأة العربية تبحث عن الكمال في التجميل، فتحبس كل شخصيتها داخله لسنا دما لنشبه باربي ويكفي التنمر على البشرة السمراء والشعر المجعد في وسائل التواصل الاجتماعي، لأننا لم نخلق أجسادنا ولم نخترها لكن هذا لا يعني أن نفعل المستحيل لتغيير خلق الله فينا. لا أحب المواعض ولا أن ألعب أدوار الوعض لكن طفح الكيل من هستيريا التبييض والشفط والنفخ.
تتصدر العربية السعودية قائمة عدد عمليات التجميل سنويا وتفوقت على لبنان ودبي ومصر. حتى أصبح رجال الدين يدقون أجراس الانذار لكثرة المشاكل الناجمة عن التهافت على عمليات التجميل الباهظة والتي تأثر على ميزانية الأسر في بعض الحالات. يلعب الاشهار والإعلانات دور كبير في التشجيع على إجرائها لكن إلى أي حد ممكن أن تسرف النساء على أنفسهن والاسراف هنا معناه تكليف النفس مالاطاقة به وهذا نهانا عنه ديننا الحنيف فالهوس بالبشرة الفاتحة ليس حكرا على العالم العربي الصين والبيان والهند وكوريا تخضع فيه النساء لعمليات تجميل خرافية التكاليف لكي تكون رخامية البشر أو زجاجية ، ولا زلت أذكر صديقتي لين الفيتنامية ذات يوم في الصيف جاءت لزيارتي بعد سفرتها لمرسيليا حيث رجعت كستنائية اللون فرحت أطري على لونها الجديد لأنها أصلا فاتحة اللون قالت لي بكل عفوية أنا أحب هذا اللون لكن فرصي في الحصول على عريس في فيتنام تقل كثيرا إذا لم تعد بشرتي إلى لونها الأصلي حينها فكرت في مآسي كل النساء في العالم التي لم يحضين بعريس فقط لانهن سمراوات. إن هذا هو فعلا منجم العقد النفسية التي يغرسها المجتمع في الأفراد فإلى متى والمرأة سلعة تعرض لمن يدفع للاكثر جمالا.