ما هي انعكاسات التقارب السعودي – الإيراني على لبنان؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – اندريه قصاص –
قبل خمسة أيام فقط من اعلان عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في اليمن، ومن بكين وليس من أي مكان آخر، قال الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، في إحدى طلاته الكثيرة هذه الأيام “إن من يراهن على تفاهم إيراني – سعودي يجب أن ينتظر طويلاً”. وهذا يعني في ما يعنيه أن لا أحد من المسؤولين الإيرانيين، الذين هم على تواصل يومي مع القيادة الحزبية في حارة حريك، أطلعها على ما تحضّره الصين من مفاجآت على صعيد تقريب المسافة الفاصلة بين المملكة العربية السعودية وبين إيران، من ضمن خطّة متكاملة بعيدة عن المشاريع الأميركية في المنطقة، وربما تقود إلى تدعيم الجبهة الصينية – الروسية المستجدّة بركائز قوامها التقارب السعودي – الإيراني، خصوصًا أن انفتاح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على كل من موسكو وبكين يُعتبر ضربة تكتيكية للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
يُستدّل من عدم اطلاع المسؤولين الإيرانيين قيادة “حزب الله” على ما هم مقبلون عليه أن ثمة سقفًا لتعاطي الخارج، أيًّا يكن هذا الخارج، مع لبنان بالمفرّق أو بالجملة. وهذا يعني أن مصالح هذا الخارج الدولية والإقليمية تعلو على أي مصلحة أخرى، أو على مصالح الأطراف المحليين، أيًّا كانوا. وهذا ما حاول السيد نصرالله تلافي الحديث عنه في طلّته أمس الأول، وبعدما بدت عليه علامات المباغتة عندما أُدخل إليه الخبر الأولي في أثناء حديثه، فقال معلقًا ومتدركًا “إن إيران لا تخلع صاحبها”.
وفي ذلك رسالة واضحة إلى جميع الذين كانوا يراهنون في الماضي على أن أي تقارب سعودي – إيراني قد يكون على حساب العلاقة القائمة بين المرجعية الدينية والسياسية في طهران وبين “حزب الله”. وقد أراد نصرالله أن يقول لهؤلاء المراهنين، في الداخل والخارج، “خيطوا بغير هذه المسّلة”. فعلاقة إيران بحلفائها، في رأي سيد المقاومة، سواء أكانوا في لبنان أو في فلسطين أو في سوريا أو في العراق أو في اليمن، هي علاقة وطيدة غير قابلة للتبدّل مع تبدّل الظروف الدولية والإقليمية.
وبغض النظر عن هذه الجدلية، والتي هي خارج السياق الطبيعي لهذا التطور المهمّ في المنطقة، والذي سيكون له انعكاسات متسارعة على أكثر من صعيد، فإن ما يهمّ اللبنانيين من هذا التقارب بين السعودية وإيران هو ما يمكن ترجمته على أرض الواقع، وإن كان ما قيل في هذا المجال من قبل بعض المسؤولين في كلا البلدين لا يوحي بأن لبنان “سيلحقه طرطوشة” من إيجابيات هذا التقارب، الذي كان يبني عليه البعض، وقبل حصوله، الكثير من التحليلات والمقاربات غير الواقعية.
وهذه الترجمة لا تكون، وفق مصادر سياسية، إلاّ من خلال تقارب لبناني – لبناني بعيدًا عن أي تأثير خارجي. فلهذا الخارج مصالح لا تدخل فيها مصلحة لبنان كبند من بنودها إلاّ بما يتوافق مع ما يخدم هذه المصالح. وأولى خطوات التقارب اللبناني – اللبناني يجب أن تكون بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وفي أسرع وقت وقبل أن يتحّول لبنان إلى ساحة لتصفية ما تبقّى من حسابات جانبية، أو ردّات فعل على هذا التقارب السعودي – الإيراني عبر الوسيط الصيني.
ومن بين ما تخشاه هذه المصادر أن تأتي التسويات التي تهبّ رياحها في المنطقة على حساب اللبنانيين إن لم يسارعوا إلى تدارك ما يمكن أن ينتج عن هذه التسويات، التي غالبًا ما تستهدف الحلقات الأضعف في التركيبية الموزايكية في المنطقة. ولا نقول جديدًا عندما نقول إن اللبنانيين جعلوا من بلدهم هذه الحلقة الأضعف.
إلاّ أن هذا النوع من التحليلات والتنظيرات، في رأي مصادر أخرى، يبقى محصورًا في نطاق رغبات وتمنيات هذا الطرف أو ذاك، لأن ما يمكن أن ينتج عن هذا التقارب، وإن لم يؤخذ وضع لبنان في الاعتبار، يبقى أخفّ وطأة من عدمه. وما على اللبنانيين سوى التوافق على سّلة متكاملة من الخطوات التحصينية، والتي تكون بدايتها الطبيعية بانتخاب رئيس للجمهورية وفي أسرع وقت.