الفنانة اللبنانية ليلى جبر جريديني تستعيد إرث عائلتها وتنسج خيوط الذاكرة الذهبية

النشرة الدولية –

العرب  ميموزا العراوي –

من ذكرياتها الطفولية مع مصنع عائلتها المخصص للنسيج، والذي لم يسعفه الحظ ليستمر إلى اليوم، نسجت الفنانة اللبنانية ليلى جبر جريديني لوحات تستعيد إرث أجدادها وتعيد تقديمه مستوحية التفاصيل الدقيقة للسجاد وخيوطه وألوانه الزاهية المتناغمة.

افتتحت صالة “جانين ربيز” اللبنانية في الثامن من مارس الجاري معرضا للفنانة اللبنانية متعددة الوسائط ليلى جبر جريديني تحت عنوان “الإرث المُستعاد”. ويضم المعرض عدة أعمال مشغولة بمواد مختلفة، ويستمر حتى الخامس من أبريل القادم.

واختارت الصالة اللبنانية يوم المرأة العالمي، الذي يحل كل عام في الثامن من مارس، لتقدم معرضا يضم أقانيم ثلاثة لها تاريخ متصل: المرأة والنسيج والعائلة.

وجاء الاحتفاء الملون بهذه الأقانيم من خلال الفنانة ليلى جبر جريديني متعددة الوسائط والتي اشتغلت بالحبر والأكريليك، والنحت بالجص والبرونز والرمل.

معرض الفنانة هذا الذي يحمل عنوان “الإرث المُستعاد” هو احتفاء بالعائلة وبالإرث الفني الذي جسدته. وقد ذكرت الفنانة في تقديمها لمعرضها “حتى هذا اليوم لاتزال ذكريات طفولتي حاضرة أمامي.. شعرت بانجذاب شديد للعودة إلى المؤسسة التي جمعت نتاج العائلة بعد أن أغلقت أبوابها منذ فترة طويلة وهي الغزل والنسيج للصناعة”.

وتضيف “مصنع العائلة الذي سكن ذاكرتي بغنى المشاعر والأفكار شديدة الوضوح والمُلتبسة في آن واحد يعود ليكون موضوع معرضي الحالي”.

صحيح أن معرض الفنانة الجديد يحمل عنوان العائلة ومهنتها غير أن المطّلع على أعمالها السابقة يدرك تماما أنها فنانة لطالما عالجت مواضيع وأفكارا بأساليب تقنية تشبه تقنية النسيج ومنطقه. ونذكر على سبيل المثال وبالشكل المباشر: تداخل الخطوط التي تضيق وتتّسع، والعقد البارزة والتقطيع (ونكاد نقول القصّ) والحلّ والربط، وتجاور الألوان وتداخلها في حبكات تذكّر بالنسيج.

أما بالشكل غير المباشر ونقصد بالتحديد “منطق” النسيج، إذا صح التعبير، فيبرز ذلك في كيفية معالجة المواضيع واختيارها ونذكر على سبيل المثال أحد معارضها الذي دار حول انفجار هيروشيما النووي.

تمحورت أعمال ليلى جبر جريديني آنذاك حول فكرة ماذا لو لم يحدث الانفجار؟ وعلى هذا الأساس نسجت الفنانة أعمالها كمن يحلّ القطب المنسوجة رجوعا إلى الوراء حتى الوصول إلى هيئة مختلفة تماما، كما يمكن أن يحدث مع من يحوك قطعة بالصوف عند ارتكابه لخطأ ما ليقرر فكّ ما صنعه قطبة وراء قطبة ليعود بعد ذلك إلى الحياكة من جديد.

ربما ليس هناك أكثر من فعل النسج قادرا على أن يمدّ ممارسه بتجربة الصبر والالتفات إلى التفاصيل وإدراك خطورتها في تحقيق الشكل الكامل والمتماسك من ناحية، وللإيغال في كيفية نشوء التفاصيل ونشوزها وإعادة تصويب مسارها من ناحية أخرى. وإن كانت الصناعة بالكميات تختلف عن النسج اليدوي غير أنها تنطلق من ذات المنطق والبنية.

يمكننا أن نتصور مدى تأثير هذه المهنة العائلية شديدة البصرية بألوانها وأشكالها على الفنانة اللبنانية وكيف أنها أسست لمسارها وذوقها الفني. ولعل أعمالها الحاضرة اليوم في صالة “جانين ربيز” أكبر دليل على ذلك. فكما يستوعب النسيج أصناف الخيوط وألوانها المختلفة جاءت أعمال الفنانة لتتضمن كل واحدة منها على حدة “النسج” بألوان الأكريليك والخيوط البارزة الغليظة والأخرى الرقيقة المتدثرة تحت الألوان والخطوط الأخرى.

وحضرت أيضا الخيوط المتحررة من حدود اللوحة والمنهمرة خارجها وتلك الملتفّة على بعضها بعضا حتى كادت تشبه التمائم والأسرار التي تكتنف دفئها.

خيوط من الزمن المتناسق
خيوط من الزمن المتناسق

كما حضر في أعمالها الصوف والقطن والقماش. وهنا نذكر العمل الذي أطلقت عليه الفنانة ليلى جبر جريديني اسم “شجرة العائلة” الذي ربما هو أول قطعة صنعتها الفنانة ومنها انطلقت باقي الأعمال. وفي عملها هذا الكثير من الحب والعذوبة والإصرار على حميمية المعنى التي تحمله كلمة “عائلة” التي مهما تأرجحت، تأرجح القطع التي تؤلفها، على خيوط الزمن تبقى متماسكة وعابقة بألوانها.

أما القطع الأخرى التي قدمتها الفنانة فهي لا تقل جمالية وتكثر فيها الأشكال الهندسية المتداخلة تارة والمتجاورة تارة أخرى لتذكر بأجواء البيوت الجميلة والأنيقة والدافئة من الستينات وبداية السبعينات.

كما تذكر هذه الأعمال بفن فاسيلي كانديسكي حيث العناصر الهندسية لها الروح والأثر الموسيقي في محيطها.

ولعل أبلغ ما قالته الفنانة في تقديمها لمعرضها “وجدت نفسي أتلقف التفاصيل، ألتقطها من ماض غاب منذ فترة طويلة ولم تغب ذكرياته في بالي. هذه الأجزاء تسرد قصة أسرتي وإرثها. وأنا أقوم بتجميع تلك التفاصيل الثمينة وقولبتها شعرت برغبة جارفة في مساءلة القطب والتمعن بها وكأنني أتمعن في مسار حياتي وأحداثها: أن أدقق وأبحث في الوسائل المعتمدة للنسج وفي الخيوط المستخدمة والقطب التي شكلت قطع النسيج وكيفيتها الرائعة والثمينة بالنسبة إليّ. كل هذا يجعلني أدرك أن القماش المنسوج قادر أن يكون مؤرّخا يسرد التاريخ بفصوله”.

Thumbnail

يُذكر أن الفنانة ليلى جبر جريديني من مواليد 1963 تلقت دراستها في باريس حيث التحقت بمحترف “جاك دانتان” ومحترف “ميتة دو بينينغهن” وهي لا زالت في السن الثامنة عشرة. ثم التحقت بالمعهد العالي لفن الغرافيكس وإثر ذلك أمضت سنتين في “كلية بارسونز للتصميم” وحصلت على شهادة في التصميم من نيويورك.

كما تلقت الفنانة دراستها في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة السوربون الفرنسية، ولها مشاركات عديدة في معارض جماعية في بيروت ولندن وباريس. كما لديها معارض فنية فريدة كثيرة. معرضها الفردي هذا هو الثالث في صالة “جانين ربيز” حيث قدمت معرضين تحت عنوان “فُتات” و”ثوار الحرية”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى