خذها مني كلمة
بشار جرار

النشرة الدولية

الدستور الأردنية –

عادة ما تكون أقوى من نصيحة، لما فيها من تحدي المواجهة. «خذها مني كلمة»، غالبا ما تكون مطلع ما يختم فيه الحوار أو السجال. والأصل أن تكون كل كلمة في محلها، موزونة بميزان الحكمة والمسؤولية. فلا يطلق الكلام هكذا على عواهنه. فإن كان في الكلام ما يعني وعدا أو تعهدا، اكتسب صفة العهود والمواثيق. لذلك كانت تعرف الرجال «الثقّالة» بأن كلمتها سيف، تقطع الشك باليقين. وقولها دائما هو الفيصل، حيث يكون فصل الخطاب.

ولا يأخذن أحد المقولة بعيدة عن الجندرة! فمصداقية الكلام والصدق في القول والفعل، من سمات الأصائل والحرائر. هكذا ربّانا الكرام، أهلا ومعلمين، والقائمين على كل ما كان يعنى بالتربية الوطنية وصياغة الوعي الوطني، والحس الإنساني العام.

في الثقافة الأمريكية مقولة قريبة من المعاني السابقة، لم تستخدم استعارة السيف لكنها اختارت البنك معيارا. فيطمئن القائل مثلا المستمع أو الحضور إن كان في تجمّع انتخابي بالعبارة التالية: خذها إلى البنك «تيك إت تو ذا بانك». بمعنى أن كلمته أو وعده مضمون كما الشيك أو إيصال الدفع الذي يصرفه البنك فورا دون أي سؤال أو تحفّظ.

منذ بدء ما قد يكون مسلسلا -لا قدّر الله- انهيار المصارف ب «بنك سيليكون فالي» قبل أيام، سارعت الإدارة الأمريكية -عبر كل السبل المتاحة ومنها الإعلام الجديد والتقليدي-إلى تأكيد سلامة أموال المودعين لحد ربع مليون دولار. البنوك موضع ثقة بضمان «الاحتياطي الفدرالي» أو ما يعرف في دول أخرى بالبنك المركزي.

لن أخوض بتفاصيل اقتصادية ومالية ليس غايتها في هذه المقالة، لكن قضية الثقة والرأي العام تظهر مرة أخرى، وفي أي مكان في العالم كقضية أمن قومي.

الاستقرار المالي والاقتصادي يصب في صميم أمن وسيادة أي دولة. وهي -للأسف- خاضعة كغيرها من الأمور ذات الصلة بمفهوم الأمن الشامل، إلى المماحكات

السياسية و «الشو» الاستعراضي الإعلامي، وكأنها حلقات مشبوكة بعضها ببعض،

لا انفكاك فيها ولو حرص المخططون، خيرا أم شرا.

قضايا من هذا النوع تذكّر -ولا بأس من التذكير، فالذكرى تنفع المؤمنين- بأن أساس الثقة دائما وأبدا هو الصدق. هي كلمة قائمة بذاتها، لا تصرف ولا تستبدل، لا تشترى ولا تباع..

زر الذهاب إلى الأعلى