الإعلام بين تضارب المعلومات وتضارب المصالح
النشرة الدولية –
النهار العربي- ليليان قربان عقل –
التوجّهات التي تحكم وظائف الإعلام وتتحكّم باستخداماته، تظهر بوضوح في المراسلات التي يتمّ بثها ونشرها وتحمل هوية المؤسسة واتجاهات الآراء المسيطرة عليها أو التي تراعيها وتعمل لصالحها. وهذا ما يطبع سياسة كل وسيلة ويحدّد مدى استقلاليتها ومعايير الموضوعية التي تعتمدها في إنتاجها ونشرها للمواد التي تحمل بصماتها الإعلامية، إن لجهة الاحترافية وإن لناحية…!.
في المسار العملي الميداني الذي يحدّد طبيعة العمل الإعلامي ووظائفه الإبلاغية، يكون اعتماد الوسيلة على المعلومات التي يمكن أن تصل اليها عن طريق مراجع ومراسلين، وتلك التي تسعى هي إلى الوصول إليها وكشفها، وتعمل على نشرها كمادة تحمل توقيع المؤسسة وتعكس اتجاهاتها السياسية والتزاماتها في مجالات عقيدية وانتمائية محدّدة، بما يشكّل معلومات حصرية سبقت الآخرين بتوزيعها على انّها من إنتاجها.
وغالباً ما يقع الإعلاميون في خطأ التسرّع بنقل المعلومات ونشرها قبل التأكّد من كامل معطيات المعلومة والتحقق من صحة ومتانة عناصرها، فلا يتحمّل الإعلامي مسؤولية تعميم خطأ تضارب المعلومات بينه وبين وسيلة أخرى، أو مع مرجعية الخبر التي نفت أو صححت أجزاء الخبر غير المكتمل النتائج والمتماسك المعارف.
إنّ تضارب المعلومات الذي يشيع في سياق العمل الإعلامي المباشر، يشكّل عيباً مهنيا تنعكس سلبياته على رصيد المؤسسة والإعلامي، ويخفف من ثقة الجمهور بالوسيلة التي تقدّم أخباراً فيها معلومات متضاربة تشوِّه جوهر الخبر وتحيد به عن مبدأ الرصانة والموضوعية.
وفي سياق المنافسات السبقية في الإعلام، يعمد مراسلو بعض الوسائل إلى نشر أو نقل معلومات غير مؤكّدة، بقصد التعمية والجذب وإشاعة جو من القلق والبلبلة حول قضية معينة، وذلك من ضمن استراتيجية خاصة يعتمدونها لإظهار إختلافهم عن الآخرين ورغبتهم في تحقيق نسبة مرتفعة من المتابعات والمشاهدات التي تسهم برفع رصيدهم المعرفي، ولا تعدو هذه الخطوات اكثر من مناورات مقصودة، يتمّ الارتكاز عليها لتحقيق إنجاز لحظوي مهدَّدٍ بالتصحيح والتنقيح والتصويب من باب الإشارة والتحجج بتضارب المعلومات التي تمّ اعتمادها والاستناد إلى مصادر غير موثوقة.
فهل أنّ شيوع مصطلح “تضارب المعلومات” يشكّل حجة وعذراً موصوفين يمكّنان الإعلامي والوسيلة من الاختباء وراء الخطأ المقصود او بالمصادفة؟
انّ التسرّع في اعتماد معايير للتحقّق من كل عناصر المعلومة قبل نشرها، يعرِّض الوسيلة الإعلامية لنقص الثقة وخفض مقاييس الصدقية في التعاطي المهني المسؤول مع الأحداث وتطوراتها وتداعياتها.
يبقى أنّ الجمهور هو الذي يدفع كلفة تسرّع الإعلام بنشر أخبار غير مكتملة العناصر المؤكّدة والمثبتة بزمنية ومكان وقوعها، وما نتج منها من أرقام وأعداد ونسب مرافقة للخبر الذي تمّ توزيعه.
والسؤال الدائم الطرح في ظروف مماثلة، هو: على منْ تقع مسؤولية نشر أخبار غير مؤكّدة والتسرّع بتوزيع معلومات متضاربة؟
*أستاذة جامعية