في اليوم العالمي للدّيموقراطية… أزمةُ إعلام أم أزمةُ ديموقراطيّة؟
النشرة الدولية –
النهار العربي – الدكتورة ليليان قربان عقل
يفرض الواقع الإعلامي الشديد الانقسام، بسبب التركيبة المجتمعيّة اللبنانية المتعدّدة الولاءات الطائفيّة والحزبيّة والزعاماتيّة والعائليّة التقليديّة، التنبّه إلى الدور الذي يقوم به الإعلام في حماية الحريّة في بيئة ديموقراطية، رغم التحدّيات الكبيرة التي يواجهها الإعلام اللبناني ومن أبرزها:
– التصدّي لسلطة أصحاب النفوذ الاقتصادي والسّياسي التي قد تضعه في خدمة أغراض واستراتيجيّات خاطئة على حساب مصلحة الشعب وحقوقه.
– تصويب الإعلام الحرّ نحو رسالته التوعويّة الأساسيّة الملتزمة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي دفاعاً عن قضايا الناس وحقوقهم والحقيقة.
-الابتعاد من كلّ أساليب التضليل وغسل الدماغ التي تقوم بتسميم الرأي العام خدمة لأجندات خاصة، غالباً ما تدعم مصالح حزبيّة أو طائفيّة سلطويّة على حساب حقوق المواطنين.
– عدم الوقوع فريسة الفهم الخاطئ للديموقراطيّة التي عمل البعض على استخدامها وسيلة للقبض على السلطات المتنوّعة المعطاة لهم، وذلك بالمحافظة على واجبه النقدي ودوره التقويمي بأن يكون الرقيب والرّادع للتجاوزات والممارسات الشّاذة.
– الحرص على تزويد الجمهور بالوقائع والمعلومات والحقائق الضروريّة لتشكيل رأي جامع بشأن القضايا الوطنيّة المصيريّة، خصوصاً في زمن النزاعات وظروف الأزمات.
– القيام بدوره الإصلاحي والتوعوي الذي يساهم في دعم البنية التحتيّة لبناء أسس الديموقراطيّة التوافقيّة الضروريّة لبلوغ الديموقراطيّة المستقرّة، حيث الإنماء الاقتصادي والانصهار القومي في سبيل بناء الدولة العادلة، التي تتكامل فيها مفاهيم السلطات الأربع.
من المؤكّد أن الديموقراطيّة الخالصة في لبنان تتعرّض حالياً، بسبب التجاذبات السّياسيّة والاختلافات التي غالباً ما تتحوّل إلى خلافات، للكثير من التأويلات والتفسيرات الخاصة التي تناسب كل فئة بحسب نظرتها (استراتيجيّاتها الخاصة للأمور)، ما يطرح إمكانية أن تكون الديموقراطيّة التوفيقيّة لا التوافقيّة، النموذج الأنسب الذي يتلاءم مع خصوصيّات الحياة المجتمعيّة السياسية اللبنانية ويصون الحقوق المجتمعيّة والاقتصاديّة في وجه السّلطة المطلقة، إذ يولي هذا النموذج أهميّة للمواطنة والالتزام بتطبيق الدستور، ولبناء الدولة على أسس متينة تشدّد على ضرورة المحافظة على الصفة التمثيليّة المجتمعيّة التي يتمتّع بها المسؤولون والعاملون في الشأن العام عادةً في البيئة الديموقراطيّة بالالتزام تجاه شعبهم بالقيم والقوانين والأخلاقيّات الوطنيّة التوفيقيّة والجامعة.
بعدما أصبحت سلطة الإعلام في لبنان ممسوكة أو موجّهة إلى حدٍّ بعيد من قبل كبار المجموعات الاقتصاديّة والأيديولوجيّة ذات التوجّهات المعروفة خدمةً لمصالح خاصّة، تطوّر الإعلام الخاص الموجّه على حساب الإعلام الرسمي الملتزم، وأصبح سلاح حرب قد يستخدم المعلومات المُفبركة والأكاذيب للسيطرة على الجمهور وجعله رهينة أجندات سلطويّة ذات نفوذ اقتصادي وسياسي.
هذا الواقع الرمادي الدقيق تنتج منه ممارسات وتصرّفات خارجة عن الأصول باسم الديموقراطية. إن الوضع اللّبناني الآن هو في حالة ضعف شديد بسبب الفهم الخاطئ والممارسة السيّئة للديموقراطيّة التي عمل البعض لاستخدامها كوسيلة للقبض على السّلطات المتنوّعة المعطاة لهم.
لن يستقيم الوضع السّياسي والاجتماعي في لبنان من غير بناء قواعد ركيزيّة للإعلام، تضمن حماية الحريّة في بيئة ديموقراطيّة مُنفتحة على النقد والتقويم والإصلاح، وتُسهم بتحصين التعدّدية السّياسيّة وتكون صوت الناس وضميرهم الخام، وذلك من خلال إقرار القوانين المنظّمة لمهنة الإعلام وأبرزها تعزيز حريّة التعبير، المسؤولة تجاه المصلحة الوطنيّة، وتحصين الإعلاميين النظاميين ومكافحة الأخبار الكاذبة.