النشرة الدولية –
الاشتباكات العنيفة التي تشهدها مدينة الحسكة، شرق سوريا، قد لا تكون بأهمية وخطورة التمرّد الذي قامت به قوات “فاغنر” ضدّ السلطات الروسية قبل نحو شهرين، لكن اضطرار القوات السورية إلى شن عملية عسكرية لتنفيذ قرار عزل قائد ميليشيا “الدفاع الوطني” عبد القادر حمو بعد تحصّنه في مقاره، يدل من دون شك على أنّ سياسة “تفريخ الميليشيات” خارج الأطر العسكرية الرسمية غالباً ما تنقلب ضدّ القائمين عليها، لاسيما في ظلّ تعدّد الانتماءات واختلاف الأجندات التي تتنافس في المنطقة،
وشنّت وحدات من الجيش السوري ليل الثلثاء الأربعاء الماضي هجوماً ضدّ مواقع ومقار ميليشيا “الدفاع الوطني” التي تتحصّن فيها المجموعات الموالية لحمو، بهدف تنفيذ قرار عزله بالقوة، بعد فشل كل محاولات تنفيذه عبر الحلول السلمية. واندلعت على الفور اشتباكات عنيفة بين الطرفين لا تزال مستمرة، وسط مخاوف من أن يتحوّل الهجوم إلى حرب شوارع طويلة الأمد نسبياً.
واستخدمت قوات الجيش السوري الدبابات والأسلحة المتوسطة في الهجوم، وهو ما قابلته مجموعات حمو بتفجير عبوات ناسفة شديدة الانفجار، سُمع صداها في أرجاء المدينة، ما أثار أجواء رعب وخوف بين السكان.
ونُشر مقطع
فيديو ظهر فيه عبدالقادر حمو محاطاً بأعداد من مقاتليه، أعلن فيه التمرد والانفصال عن قـوات الجيش ، واتـهم وزير الدفـاع ورئيس مكتب الأمـن القـومي علي ممـلوك والأمين العام المساعد لحزب البعث هلال هلال وضبـاط المخـابرات بطلب مبلغ 3 ملايين دولار لتـسـوية وضـعه وعدم حـل مركزه طالباً من عناصره استهداف أي سيارة تابعة لأجهزة الأمن والجيش، في خطوة تشبه إلى حد كبير الفيديو الذي ظهر فيه يفغيني بريغوجين مؤسس فاغنر في بداية تمرده واتهم فيه وزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان بمحاولة تدمير مجموعته عبر أفعال ترقى إلى خيانة الوطن.
وصدر قرار عزل حمو من منصبه قائداً لميليشيا “الدفاع الوطني” على خلفية إشكال حدث بينه وبين أحد شيوخ قبيلة الجبور منتصف الشهر الماضي. وهدّدت القبيلة بتصعيد احتجاجاتها ضدّ الإهانة التي تعرّض لها الشيخ عبد العزيز المسلط، واقتحام المربّع الأمني ما لم يتم عزل حمو من منصبه وإبعاده من المنطقة. وقد أعلن محافظ الحسكة لؤي صبوح في اجتماع ضمّ وجهاء القبيلة، قرار عزل حمو وتعيين نائبه مكانه، في محاولة من السلطات السورية لاحتواء الخلاف والحيلولة دون تحوّله إلى صراع مع العشائر، خصوصاً وأنّ التوقيت لم يكن يسمح بمثل هذا الانفلات الذي كانت “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) تترصّد لحصد مكاسبه.
وكان حمو محسوباً على إيران ومعروفاً بقربه من قيادة الحرس الثوري في المنطقة، حيث كان يقوم بتسهيل تنفيذ أجندات إيران في الحسكة، وكانت مكاتب “الدفاع الوطني” تُعدّ مكاتب لتنسيب مقاتلين في صفوف الميليشيات الإيرانية.
ومنذ حادثة التعدّي على شيخ قبيلة الجبور، لوحظ أنّ القوات الروسية تمارس ضغوطاً كبيرة لوقف تصعيد التوتر بين الجانبين، وأرسلت وفداً من قاعدة حميميم لمقابلة الشيخ عبد العزيز المسلط، وذكرت مصادر إعلامية حينها أنّ الوفد الروسي هو الذي أوصى بضرورة عزل حمو من منصبه تجنّباً لإراقة الدماء، وهو ما اعتبره مراقبون اقتناصاً روسياً للحظة مؤاتية من أجل تقويض نفوذ إيران في المدينة عبر التخلّص من أحد أهم أذرعها العسكرية والأمنية فيها.
ويعتبر العديد من المراقبين، أنّ حمو لم يكن يملك الجرأة برفض قرار عزله والتحصّن في مقاره والتهديد بالتصعيد في مواجهة قوات الجيش السوري، لولا وجود ضوء أخضر إيراني، مشيرين إلى أنّ إيران لن تقبل بسهولة التخلّي عن عبد القادر حمو الذي يلقّب نفسه بـ”أبو أحمد الحسيني”، لعدم قدرتها على إيجاد بديل عنه من جهة، ولأنّها لا تريد أن تعطي إشارة إلى أنّها لا تدافع عن أتباعها في وقت الشدّة من جهة ثانية.
واقتحمت “قوات حمو” قبل يومين العديد من المواقع في المربع الأمني في الحسكة، في خطوة تصعيدية قد تكون هي السبب المباشر وراء اتخاذ قرار الهجوم ضدّه. واستولت مجموعات “حمو” على فرن البعث وسط المربّع الأمني، بعد امتناع الفرن عن توزيع الخبز له ولعناصر مجموعته. كما استعاد “حمو” مقرين تابعين لـ”الدفاع الوطني” وسط المربّع الأمني في مدينة الحسكة، بعد طرد عناصر من الجيش والدوريات العسكرية.
وعلى إثر ذلك، فرضت قوات الجيش السوري سيطرتها على مقرّات تتبع لميليشيات “الدفاع الوطني” في محافظة الحسكة، كما حاصرت مكان إقامة متزعم “الدفاع الوطني” “عبد القادر حمو”، وذكرت المصادر ذاتها أنّ قوات الجيش داهمت “مؤسسة البراد الآلي”، في حي المساكن، المقر الرئيسي للدفاع الوطني الكائن قرب شارع القضاة، وسيطرت عليه، من دون قتال مع عناصره، كما حاصرت الفيلا الخاصة بحمو.
وبعد قرار محافظ الحسكة عزل حمو وتعيين نائبه مكانه، حضرت لجنة عسكرية من دمشق لإعادة هيكلة ميليشيا “الدفاع الوطني” وجعلها تابعة بشكل مباشر لقوات الجيش في محافظة الحسكة، وتحت إشراف قائدها العسكري اللواء منذر سعد إبراهيم، وتعيين العقيد سمير إسماعيل مسؤولاً عن كل الميليشيا بعد أن كان مسؤولها في مدينة القامشلي فقط.
وكان طالب اللواء إبراهيم عند بدء الهجوم، حمو ومجموعاته بالاستسلام من دون قيد ولا شرط، ولكن يبدو أنّ الأمور متّجهة إلى تصعيد أكبر ما لم يجر تفاهم تتخلّى بموجبه قيادة الحرس الثوري عن ذراعها في الحسكة مقابل شروط معينة، لحفظ ماء وجهها في المنطقة.