حرب غزة أطلقت عنانا لسيل من “نظريات المؤامرة”
رافقت العملية اعتقادات منها القريب إلى المنطق ومنها نتاج الخيال الخصب
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
صدم العالم بالهجوم المفاجئ الذي قامت به مجموعات “كتائب القسام” التابعة لحركة “حماس” على مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في المنطقة المسماة “غلاف غزة”، السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، الهجوم الذي حقق نجاحاً تكلم عنه محللون وباحثون، وفسروه من وجهات نظر ونواح عديدة، تاريخية وجغرافية ودينية وعسكرية وسياسية. وربطها بعضهم بما يعرف بـ”نظريات المؤامرة”.
“نظرية المؤامرة”
ووفقاً للأكاديمي والعالم السياسي الأميركي مايكل باركون، فإن نظريات المؤامرة ترتكز على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ، لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط بعضه ببعض. وكان عالم الاجتماع النمسوي كارل بوبر في كتابه “المجتمع المفتوح وأعداؤه” تناول هذه القضية بالقول “توجد نظرية، أسميها نظرية المؤامرة، يرى دعاتها أنه يكفي لتفسير ظاهرة اجتماعية أن نكتشف من لهم مصلحة في حدوثها”. ورد مصطلح نظرية المؤامرة (Conspiracy Theory) لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920، وجرى تداوله في عام 1960، وأضيف إلى قاموس أوكسفورد عام 1997. ومما لا شك فيه أن عملية “طوفان الأقصى” التي هزت إسرائيل ستبقى خاضعة لدراسات وأبحاث لمدة طويلة، لكن رافقت العملية اعتقادات ونظريات منها القريب إلى المنطق والآخر لا يمكن أن يليق بالعقل.
“صفقة القرن”
أشار البعض إلى أن ما قامت به “حماس” جاء خدمة لإسرائيل، حتى تعود “القضية الفلسطينية” إلى الواجهة، على حساب المدنيين الفلسطينيين، الذين قيل إنهم سيهجرون إلى سيناء في مصر كجزء من “صفقة القرن”، وهي خطة سلام في الشرق الأوسط أعدتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي. وتحدثت وسائل الإعلام حينها عن بعض مضمون تلك الخطة، التي تتلخص بإقامة دولة فلسطينية من دون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام مصر بمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة من دون السماح للفلسطينيين في العيش فيها، على أن يتفق على حجم الأراضي وثمنها، وإنشاء جسر معلق يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة. تجدد الكلام عن “الصفقة” مع حرب غزة، وسلسلة من التصريحات الإسرائيلية، التي تؤكد التوجه للتخلص من سكان غزة بتوطينهم في شبه جزيرة سيناء، وكان لافتاً في هذا الإطار تغريدة الكاتب الإسرائيلي إيدي كوهين على حسابه على منصة “إكس”، حين كتب “توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر الخارجية، فكروا فيها”. وقال كوهين في اتصال مع “مونتي كارلو الدولية”، إن الفكرة قديمة، وعلى رغم الرفض المصري للفكرة، فهناك مثال دول أوروبية رفضت استقبال اللاجئين السوريين، ولكنهم وصلوا إليها، مضيفاً “وفي نهاية الأمر مصر ستتلقى الثمن المقابل المالي لتوطين الفلسطينيين في سيناء”.
ولفت قيادي من “حماس” في حديث إعلامي أن “خطة الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي تشمل تهجير نصف سكان غزة لمصر، وأن الخطة الأميركية الإسرائيلية تشمل القضاء على حكم حماس في غزة وتجريد المقاومة من سلاحها”. وأشار إلى أن “الرئيس الأميركي جو بايدن جاء (خلال زيارة بايدن الأخيرة للمنطقة) ليضغط على مصر للقبول بخطة تهجير سكان غزة إلى سيناء، وأن بايدن سيعرض على مصر تصفير ديونها مقابل الموافقة على خطة التهجير”، مستدركاً أن “القيادة المصرية ترفض خطة التهجير لمصر، وتعتبرها تهديداً للأمن القومي المصري”.
تنسيق أو لا تنسيق مع “محور المقاومة”؟
القيادي في “حماس” علي بركة المقيم في لبنان تحدث إلى وكالة “أسوشيتد برس”، وقال إن “حماس” استخدمت في عملية “طوفان الأقصى” 2000 عنصر من مقاتليها من أصل 40 ألف مقاتل في غزة وحدها. نافياً التقارير التي أفادت بأن مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط للهجوم، أو أعطوا الضوء الأخضر للتنفيذ، في اجتماع عقد في بيروت قبيل العملية. وأوضح بركة أنه “لم يكن هناك سوى عدد قليل من قادة حماس كانوا على علم بساعة الصفر”. ولفت بركة إلى أن “حماس” “تعمل على إنتاج وتطوير صواريخها الخاصة، وتدريب مقاتليها من دون مساعدة من إيران أو جماعة حزب الله، منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014″، هذا الكلام نسفه تصريح أحد مسؤولي “حماس” في لبنان، أحمد عبدالهادي في حديث لمجلة “نيوزويك” الأميركية، إذ قال “نسقنا مع حزب الله ومع إيران والمحور قبل وأثناء وبعد هذه المعركة على أعلى المستويات”. وتابع أن هذا التنسيق “له أبعاد عديدة، سياسية وعسكرية وغيرها”. المتحدث باسم “حماس” غازي حمد، قال لقناة “بي بي سي”، رداً على سؤال عن حجم الدعم الإيراني “أنا فخور بأن هناك عديداً من الدول تساعدنا، إيران تساعدنا، ودول أخرى تساعدنا، سواء بالمال أو بالسلاح أو بدعم سياسي، لا بأس أن نفعل ذلك”.
كلا ولكن
يشير المحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد يعرب صخر إلى أنه لا يحبذ فكرة “نظريات المؤامرة” لكن “نعيش مؤامرات منذ عقود وقرون، والهدف هو تقسيم المقسم في الشرق الأوسط أو البلدان العربية، أي تطوير اتفاق (سايكس بيكو) نحو التفتيت”. ويلفت إلى أنه عام 1983 قدم المؤرخ والباحث البارز في تاريخ الشرق الأوسط برنارد لويس خطة تفتيتية للشرق الأوسط، تبناها الكونغرس الأميركي في جلسة سرية، أي عشية الحرب على العراق، وتقوم على أن “سايكس بيكو” لم تعد تفي بالمطلوب، ويجب تفتيت المنطقة على قاعدة الأقليات، أي أن كل أقلية تأخذ مساحتها الجغرافية، وهذا ليس انحيازاً لمصلحة الأقليات، بل لتفتيت الوطن العربي. ويلفت العميد صخر إلى أنه ومنذ “بداية القرن الـ20 يحاول الغرب التوغل في المنطقة عبر إعطاء امتيازات للأقليات لتغليبها على الأكثرية في بلادها، فينشأ الصراع حتى يتدخل الأوروبي أو الأميركي كوسيط للحل.
وعلى أرض الواقع يبدو جلياً ما يحصل في السودان “إذ ستصبح أربع دول، وليبيا تتجزأ، وهناك إشكاليات بين الجزائر والمغرب، والعراق أصبح أربع دول، وسوريا تشظت إلى مناطق، ولبنان انقسامه المجتمعي قد يكون تمهيداً لانخراطه بخريطة المنطقة، على أساس مناطق مقسمة للشيعة والسنة والمسيحيين”، ويضيف العميد صخر المؤامرة الإيرانية التي “تأتي متزامنة مع (المؤامرة الأميركية) حين كبلت مصر باتفاق (كامب ديفيد)، والأردن باتفاق (وادي عربة)، أما في سوريا فجرت اتفاقات من تحت الطاولة بين حافظ الأسد وهنري كيسنجر وإسرائيل، لتسليم الجولان إلى إسرائيل، ومنذ السبعينيات لم تطلق رصاصة على إسرائيل من الأراضي السورية، إلا عندما بدأت الفصائل الإيرانية تتدخل، لتطلق رشقات دعائية فقط”. ويشير إلى أنه وبعد القضاء على آخر قوة عربية وهي العراق، تحررت إيران وشرعت لها الساحات، فأخذت تسرح وتمرح في كل الأصقاع العربية، تحت أعين الأميركي والإسرائيلي، والعبرة من ذلك تحقيق أمن إسرائيل. وخلال هذا الوقت تمكنت إيران من التغلغل في نسيج المجتمعات العربية، لتغليب الفئات المتماهية معها في المذهب والعقيدة، للتمرد على أوطانها، وتصبح قوى عابرة للدولة (Non-State Actors)، ومسلحة وقوية، وتضاهي قوة الدول الحاضنة لها، وفي بعض الأحيان طغت على قوتها. هذه الشراذم في المنطقة العربية، العراق وسوريا ولبنان واليمن، بدأت الآن في غزة، وهكذا استطاعت إيران أن تبسط نفوذها في المناطق العربية المتاخمة لإسرائيل، برضا إسرائيلي وغربي، والدليل على ذلك أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عقد مع إيران اتفاقاً نووياً كمكافأة لها على إلهاء العرب عن إسرائيل.