براء القاطرجي… رجل الأعمال الذي توسط بين “داعش” ودمشق وقتلته إسرائيل

اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بتسهيل تجارة الوقود بين النظام السوري والتنظيم الإرهابي

النشرة الدولية

اندبندنت عربية –

تتوالى عمليات الاغتيال الإسرائيلية النوعية في الداخل السوري التي تستهدف شخصيات تتبع أو قريبة من “محور الممانعة”، إما إيرانية أو من “حزب الله” أو قريبة من النظام في سوريا.

آخر فصول هذه الاغتيالات غارة نفذها سلاح الجو الإسرائيلي، استهدفت سيارة رجل الأعمال السوري محمد براء القاطرجي قرب الحدود اللبنانية – السورية، أدت إلى مقتله على الفور.

سوسن مهنا

خبر مقتله أكدته وكالة “رويترز” نقلاً عن ثلاثة مصادر أمنية، كذلك قالت صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام، إن القاطرجي قتل في الغارة التي نفذت على طريق الصبورة قرب دمشق، من دون تقديم مزيد من التفاصيل، فيما لم يصدر أي تعليق إسرائيلي فوري على الغارة.

إمبراطورية آل القاطرجي

تعد عائلة القاطرجي، بقيادة حسام القاطرجي، من أبرز اللاعبين الاقتصاديين في سوريا خلال السنوات الأخيرة، تحديداً تلك التي تلت الحرب السورية.

ويتصدر اسم عائلة “القاطرجي” قائمة أغنياء سوريا، فالأشقاء الثلاثة، محمد براء وحسام ومحمد آغا، يمتلكون مجموعة “القاطرجي الدولية”، التي تضم شركات عدة تعمل في مجالات متنوعة مثل الصناعات الهندسية والنفط والزراعة والتجارة. من بين الشركات البارزة في المجموعة شركة “أرفادا للبترول” وشركة “جذور” للزراعة وتربية الحيوان وشركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري وشركة “الذهب الأبيض” و”البوابة الذهبية” وغيرها.

ويعد مالكو المجموعة من أبرز رجال الأعمال في الاقتصاد السوري، بسبب النفوذ الممنوح لهم من الحكومة. واكتسبت المجموعة شهرة واسعة بسبب دورها كوسيط بين النظام السوري وتنظيم “داعش”، إذ أمنت نقل النفط والقمح من مناطق سيطرة التنظيم إلى مناطق النظام السوري، مقابل تزويد التنظيم بالأموال والأسلحة. هذا الدور استمر حتى بعد سيطرة وحدات الحماية الكردية على تلك المناطق تحديداً في الشمال السوري، إذ استمرت المجموعة في تأمين النقل بين المناطق المختلفة.

وإضافة إلى أنشطتها الاقتصادية تشتهر عائلة القاطرجي بعلاقاتها الوثيقة مع نظام بشار الأسد وشخصيات بارزة فيه، مما مكنها من توسيع نفوذها الاقتصادي بصورة كبيرة. كما أن المجموعة تمكنت من ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب شركات أخرى في السنوات الأخيرة من سوريا كانت تعمل في المجالات نفسها بعد فرض العقوبات الغربية عليها.

وبحسب تقارير سورية، بدأ صعود عائلة القاطرجي بعد انكفاء مالك شركة “هيسكو” لإنتاج الغاز الطبيعي جورج حسواني، عقب العقوبات الأوروبية التي فرضت عليه، ليتراجع مفسحاً المجال لحسام القاطرجي وإخوته، ليستولوا على قطاع نقل النفط.

وفي نهاية عام 2022 أعلن عن إنشاء شركة “بي أس للخدمات النفطية”، ومقرها في لبنان، وهي تابعة لـمجموعة القاطرجي، إذ سمح لمحطات المحروقات التابعة للشركة باستيراد النفط الخام وتكريره في مصفاتي بانياس وحمص، مقابل أجور مالية تدفع للحكومة اللبنانية، ومنحت مقابل ذلك الحق ببيع المشتقات النفطية الناجمة عن التكرير في السوق المحلية أو تصديرها، وذلك وفق مواقع سورية.

لكن من هو محمد براء القاطرجي؟

هو رجل أعمال ومعروف باسم براء القاطرجي، ولد في الرقة عام 1976، وهو شقيق رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب حسام القاطرجي.

ويعد براء شريكاً مؤسساً في عدد من الشركات التي تديرها المجموعة وأهمها “أرفادا البترولية”، التي تعمل في مجال الدراسات الهندسية التصميمية الأساسية والتفصيلية لمشاريع البنى التحتية النفطية والغازية، وتحديد حجم الاستثمارات اللازمة، ويتاح للشركة حفر الآبار الاستكشافية والإنتاجية في المناطق السورية والقطاعات البرية والبحرية وتجهيزها للإنتاج، وتأجير واستئجار المعدات اللازمة للحفر والاستكشاف، ويحق لها بيع وشراء النفط الخام والمنتجات الهيدروكربونية بجميع أصنافها داخلياً وخارجياً، وذلك وفقاً للقرار المصدق من وزارة التجارة الداخلية السورية في مارس (آذار) 2018.

عقوبات أميركية

وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات عدة على أشخاص اتهمتهم بالعمل كوسطاء بين “داعش” والنظام، وجمدت وزارة الخزانة الأميركية أصولهم وممتلكاتهم، وحظرت التعامل معهم تجارياً.

ومن هؤلاء، برز اسم براء القاطرجي، الذي اتهمته وزارة الخزانة بتسهيل تجارة الوقود بين النظام السوري و”داعش”، وتوفير المنتجات النفطية للمناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم. وكان القاطرجي، بحسب الوزارة، يتمتع بعلاقات قوية مع عديد من المسؤولين داخل النظام، ولديه عقود عدة مع وزارة النفط ووزارة التجارة التابعة للنظام.

كما يتحمل، بحسب الوزارة الأميركية، مسؤولية الأنشطة الاستيرادية والتصديرية في سوريا، واستخدم عمليات نقل الأسلحة والذخيرة تحت غطاء استيراد وتصدير المواد الغذائية، التي كانت تحت إشراف إدارة الاستخبارات العامة التابعة للنظام.

وفي صفقة تجارية عام 2016 بين حكومة النظام وتنظيم “داعش” تم تحديد شركة القاطرجي كوكيل حصري لتزويد مناطق “داعش” بالمواد الضرورية، بما في ذلك النفط والسلع الأخرى. وتميزت الشركة بمروحة واسعة من النشاطات التجارية، التي تشمل النفط والغذاء والتطوير العقاري والسياحي وترتبط بعلاقة وثيقة بالأسد، بخاصة أن أحد مالكي أسهمها هو حسام القاطرجي.

كما مولت شركات القاطرجي الشحنات النفطية التي كان يتم استيرادها من إيران لمصلحة نظام الأسد، مما دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى أن تكرر فرض العقوبات في يناير (كانون الثاني) 2019 بسبب صفقات النفط وتهريب السلاح للنظام.

لكن وعلى رغم العقوبات الغربية ساعدت علاقات العائلة ونفوذها على إبقائها ضمن قائمة الشخصيات المؤثرة في سوريا.

شركة “القاطرجي” و”داعش”

في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 نشرت وكالة “رويترز” تقريراً تحدثت فيه عن عمليات التهريب والتعاملات السرية التي ينفذها “داعش” مع عضو في البرلمان السوري المقرب من نظام بشار الأسد وهو حسام القاطرجي.

ونقلت الوكالة عن مزارعين ومسؤولين إداريين في الرقة، المعقل السابق للتنظيم، أن هذا الترتيب ساعد الحكومة السورية على توفير الغذاء في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد أن سيطر “داعش” على منطقة زراعة القمح في شمال شرقي سوريا خلال الحرب، التي كان مشتعلة في تلك المرحلة.

ووفقاً للمزارعين فإن تجاراً يعملون لحساب عضو مجلس الشعب حسام القاطرجي كانوا يشترون القمح من المزارعين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وينقلونه إلى دمشق، في ترتيب سمح للتنظيم بأخذ حصة من القمح.

هذه المعلومة أكدها بدوره محمد كساب، مدير مكتب القاطرجي حينها، الذي أفاد بأن “مجموعة القاطرجي” كانت تزود المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالقمح، بعد شرائه من مزارعين في شمال شرقي سوريا ونقله عبر أراضي “داعش” إلى دمشق، لكنه نفى وجود أي اتصال مع التنظيم.

التعاملات التجارية للنظام مع تنظيم “داعش”

يقول مدير برنامج “ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بمعهد واشنطن” ماثيو ليفيت في تحليل له في سبتمبر عام 2021 إن المجتمع الدولي فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة المشكلات المتعددة الأوجه التي طرحها الأسد، الذي عمل نظامه لسنوات مع التنظيم الإرهابي.

ويتابع “وفر نظام الأسد الدعم بصورة منتظمة لتنظيم (داعش) عندما كان الأخير يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، حتى عندما كان النظام يكافح لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية من مختلف الجماعات المتمردة المشاركة في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك التنظيم. وكان أحد التكتيكات الرئيسة لاستراتيجية النظام هو تركيز جهوده العسكرية لمحاربة الجماعات المتمردة السورية المعتدلة التي تعارض ديكتاتورية الأسد، ولا سيما (الجيش السوري الحر)، وليس تنظيم (داعش)”.

النفط في صلب تعاملات الأسد و”داعش”

ووفقاً للباحث في شؤون الإرهاب ماثيو ليفيت “كان أحد الأسباب التي دفعت بنظام الأسد إلى عدم استهداف مواقع داعش هو التعاملات التجارية”. وبحسب وزارة الخارجية الأميركية اشترى “النظام السوري النفط من تنظيم (داعش) عبر وسطاء مختلفين، مما زاد من عائدات التنظيم الإرهابي”، وبخاصة عام 2014، عندما سيطر “داعش” على أكثر من 60 في المئة من حقول النفط في البلاد، في منطقة دير الزور شرق سوريا، بما فيها حقل “العمر” النفطي.

ووفقاً لتقرير الوزارة “ربما يكون تنظيم (“داعش”) قد كسب ما يصل إلى ملايين عدة من الدولارات في الأسبوع، أو ما مجموعه 100 مليون دولار، من بيع النفط والمنتجات النفطية للمهربين المحليين الذين يبيعونها بدورهم إلى الجهات الفاعلة الإقليمية، ولا سيما نظام الأسد”.

وفي تقرير عن تمويل “داعش” “مجموعة العمل المالي” (فاتف)، صدر في فبراير (شباط) 2015، أشار إلى أن “أكثر من 20 مؤسسة مالية سورية لها عمليات في الأراضي التي يسيطر عليها (داعش) واصلت القيام بأعمال تجارية هناك. إضافة إلى ذلك بقيت هذه الفروع مرتبطة بمقرها الرئيس في دمشق”.

“قسد” على خط القاطرجي والأسد

وفي سياق متصل، تحدثت وكالة “رويترز” عن صفقات مشابهة قام بها الإخوة القاطرجي، بين النظام السوري و”قسد” منذ عام 2016 وحتى اليوم، فضلاً عن تمكنها من شراء القمح من مختلف الفصائل العسكرية التي سيطرت على حقول الذهب الأصفر في الجزيرة السورية لمصلحة النظام.

وهنا تكشف الوكالة عن الأرباح الهائلة التي حققها الإخوة القاطرجي من تلك الصفقات، وهي استخدمت في تمويل مجموعة كبيرة من الشركات والاستثمارات التجارية والنفطية، فضلاً عن مجموعة مسلحة لحماية أسطول صهاريج نقل النفط التي تصل إلى أكثر من 1000 صهريج، تنقل حالياً النفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى مصفاتي حمص وبانياس بمعدل 20 ألف برميل يومياً.

الدخول على خط تجنيد المقاتلين

لم يقتصر دور عائلة القاطرجي على الأعمال والاقتصاد والعمل كوسيط بين “داعش” والأسد، بل وصل إلى حد المنافسة على تجنيد المقاتلين.

وفي هذا الإطار ذكرت شبكة “عين الفرات” المعنية بنقل أخبار شرق سوريا، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أن المجموعة المسلحة التابعة لعائلة القاطرجي دخلت على خط التنافس مع الفصائل الإيرانية الموجودة في محافظة دير الزور، وذلك عبر تطويع شبان للتجنيد، بإغرائهم برواتب عالية، وتابعت الشبكة أن عمليات التطويع بدأت بعد انتشار معلومات عن نية الحرس الثوري الإيراني فتح باب التجنيد والتطويع بالمدينة على مصراعيه.

وقالت إن المدعو أحمد دالاتي وهو مدير العلاقات العامة بمجموعة القاطرجي التجارية والمفوض الرسمي باسمه في المدينة، طلب من طريق مقاتلي المجموعة التابعة له الترويج لتطويع الشبان، وذلك بالاعتماد على الإغراءات المادية، وأعلن حينها عن رواتب بقيمة 200 دولار أميركي شهرياً للمتطوعين الجدد، أي ما يعادل نحو 555 ألف ليرة سورية، وهو خمسة أضعاف الراتب الذي يمنحه الحرس الثوري الإيراني للمتطوعين المحليين.

ووفقاً لتقرير الشبكة نفسها، ضمت تلك المجموعة المقاتلة مئات العناصر، الذين يأتمرون بأوامر روسية، وكان يرسل بعضهم كمرتزقة للقتال في ليبيا إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق.

“المرصد السوري لحقوق الإنسان” أوضح بدوره أن “القاطرجي كان مسؤولاً عن تمويل فصيل “المقاومة السورية لتحرير الجولان”، وهي مجموعة أسسها “حزب الله” قبل سنوات.

وكان “حزب الله” قد أعلن عن تشكيل ذلك الفصيل، منذ إعلانه عن تدخله في الحرب السورية عام 2013، وتولى سمير القنطار حينها مسؤولية قيادة تلك المجموعة، وكانت المسؤولة عن تنفيذ عمليات في مرتفعات الجولان.

هل شهدت “مجموعة القاطرجي” تضييقاً من قبل النظام؟

تناقلت مواقع سورية محلية معارضة في الـ14 من يوليو (تموز) الجاري خبراً عن هجوم قامت به عناصر تابعة لـ”داعش” استهدف قافلة صهاريج نفط في منطقة وادي عبيد في بادية حمص، مما أدى إلى احتراق صهريجين ومقتل السائقين، وأوضحت أن الصهاريج تتبع لمجموعة “القاطرجي”.

كما وفي بداية العام الحالي، وتحديداً في يناير، شهدت مدينة العشارة الخاضعة لسيطرة النظام السوري والفصائل الإيرانية شرق دير الزور، خلافات تطورت لاشتباكات متبادلة بين الفرقة الرابعة (التابعة لماهر الأسد) ومجموعة “القاطرجي”، وذلك وفقاً لمواقع سورية محلية. وكشفت مصادر خاصة لشبكة “عين الفرات” أن الخلافات وقعت بسبب منع الفرقة الرابعة مرور سيارات محملة بالخردة “الحواجة” تابعة للقاطرجي.

أيضاً وبحسب تقارير إعلامية سورية معارضة، وقعت خلافات بين أسماء الأسد زوجة بشار الأسد التي تدير ما يعرف بالمكتب السري، وحسام القاطرجي بسبب رفضه دفع الإتاوات، ووفقاً للتقارير طالب المكتب السري بنسبة 40 في المئة من أملاك القاطرجي، وبعد رفض الأخير جمدت أمواله وممتلكاته.

وفي مارس الماضي، تداولت مواقع إعلام عربية وأخرى معارضة، أن أسماء الأسد لاحقت عديداً من أمراء الحرب الذين ظهروا في الأعوام الأخيرة، من بينهم حسام القاطرجي، وتحدثت أنباء حينها عن مصادرة الأسد جميع ممتلكاته، وذلك تزامناً مع الأخبار التي انتشرت عن محاصرة شخصيات اقتصادية معروفة كرامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي غاب عن المشهد الاقتصادي بعد فتح ملفاته والحجز على كثير من حصصه وممتلكاته، لا سيما شركة “سيريتل” للاتصالات.

Back to top button