هل يشعل اغتيال نصرالله حربا لبنانية مع الذات؟

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

تفيد كل المؤشرات والمعطيات أن المشهد القادم في لبنان قاتم وخطر، ذلك أن اغتيال أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله عد شبيهاً بمحطات مر بها البلد عند اغتيال رموز للطوائف، كاغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط والقائد المسيحي بشير الجميل ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري واليوم نصرالله الذي يعده جزء كبير من الشيعة في لبنان والمنطقة رمزاً من رموزها.

عند هذه النقطة يرى عديدون أن الاغتيال الأخير سينعكس أزمات خطرة في الداخل اللبناني، وقد يقود إلى فتن متنقلة أو حرباً داخلية طالما تخوف منها اللبنانيون لأنهم لم ينسوا بعدُ الحرب الأهلية 1975-1990.

سوسن مهنا

ظراً إلى الدور الذي يلعبه “حزب الله” بوصفه قوة سياسية وعسكرية في الداخل اللبناني، قد ينقسم تأثير اغتيال رأس الحزب إلى مستويات عدة على صعيده الداخلي، فعلى رغم أنه يعد تنظيماً هرمياً وله هيكل قيادة منظم فإن نصرالله كان يتمتع بشخصية كاريزمية وخبرة طويلة في قيادة الحزب، واستبداله سيكون تحدياً كبيراً، وقد يثير خلافات داخلية في البيت الشيعي حول من يجب أن يتولى القيادة، وهذا حتماً سيضعف الحزب ويؤثر في تماسكه. لكن كما هو متوقع قد يقوم “حزب الله” برد فعل قوي ضد إسرائيل، مما قد يتسبب في تصعيد كبير على الحدود الجنوبية، بالتالي قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة وقودها الشعب اللبناني والأبرياء.

حرب الآخرين

من ناحية أخرى، صحيح أن الاغتيال قد يعزز التماسك داخل الطائفة الشيعية وزيادة التعاطف مع الحزب بسبب الشعور بالخطر الخارجي، لكن خلافات ستظهر داخل الطائفة نفسها حول كيفية التعامل مع الموقف، على اعتبار أن هناك تنوعاً في الآراء داخل المجتمع الشيعي في لبنان حول سياسة الحزب، وخصوصاً في ما يتعلق بالحروب الخارجية أو ما يعده قسم كبير من اللبنانيين حرب الآخرين على أرضهم. وهذا سيؤدي إلى ظهور توترات داخل الطائفة الشيعية نفسها، خصوصاً بين داعمي النهج العسكري وآخرين يفضلون التوجهات السياسية أو تجنب التصعيد.

في أول كلمة له منذ مقتل الأمين العام نصرالله، علق نائبه نعيم قاسم على إمكانية شن إسرائيل عملية برية على لبنان، بالقول “جاهزون للالتحام البري مع العدو”. وأردف قائلاً، “نعالج الاغتيال للكوادر بالكوادر البديلة، ولن تتمكن إسرائيل من أن تطاول قدراتنا العسكرية، وما يقوله إعلامها إنهم ضربوا قدراتنا الكبيرة حلم لن يصلوا إليه، ولدينا الجهوزية الكاملة ومستمرون في القدرة البشرية والعسكرية”. وتوجه إلى اللبنانيين بالقول، “نحن في مركب واحد، وسنفوز كما فزنا عام 2006 أمام العدو الإسرائيلي”.

قرأ بعض المحللين تصريح قاسم في هذا الوقت بأنه “تصعيد خطر” بخاصة مع التهديدات الإسرائيلية باجتياح بري، علماً أن الغارات الإسرائيلية لم تترك مكاناً آمناً على كل الأراضي اللبنانية، وسقط نتيجتها حتى الآن أكثر من 1745 قتيلاً و8767 جريحاً، وهُجر نحو مليون، والأعداد في تصاعد.

فكيف ستنعكس كل هذه الأزمات على الأزمات الموجودة أصلاً، وهل ستؤدي كل تلك التراكمات الخطرة إلى صراع داخلي لبناني؟

يعد “حزب الله” قوة رئيسة في التوازن الطائفي والسياسي في لبنان، واغتيال زعيمه سيزعزع هذا التوازن، مما سيؤدي إلى تصاعد التوترات بين الطوائف الأخرى، وقد تستغل بعض الفصائل المسلحة هذه الحادثة كفرصة لتقليص نفوذ الحزب، مما قد يؤدي إلى توترات سياسية وحتى عسكرية. وأيضاً قد يرى بعض من خصوم الحزب أن هناك فرصة اليوم للضغط في اتجاه إعادة هيكلة المشهد السياسي، بحيث يتولى الجيش اللبناني مهمة حماية الحدود، وهو مطلب قديم جديد في اتجاه تنفيذ القرارات الدولية 1559 و1701.

هل تتفجر صراعات داخلية؟

عملياً وبعيد عملية الاغتيال كانت هناك بعض الاحتكاكات في المجتمعات المختلطة، ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي بعض الفيديوهات التي تظهر نازحين يقتحمون بيوتاً وشققاً ويحتلونها، وآخرون يطالبون بالانتقام. فهل سيؤدي ذلك إلى تفجر صراعات داخلية؟

إنه أمر محتمل، فإذا ما تحولت الخلافات حول القيادة والنهج المستقبلي للحزب إلى نزاعات بين الفصائل المختلفة داخل الحزب نفسه، أو بين الحزب والفصائل اللبنانية الأخرى، فإن الوضع قد ينفجر بسرعة. وأيضاً في حال تدخلت قوى خارجية لدعم أو مواجهة “حزب الله” في هذه الفترة الحساسة، قد يؤدي ذلك إلى تفجر صراعات داخلية واسعة، وربما يتوسع الأمر إلى حرب أهلية.

يقول الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب لـ”اندبندنت عربية”، إنه “مما لا شك فيه أن اغتيال نصرالله كان بمثابة صدمة عند جمهوره ومؤيديه وبيئته، وكان هناك بعض ردود الفعل عندما نعاه الحزب. ومن المفترض أن الأيام المقبلة أو الساعات التي تسبق تشييعه ودفنه ستكون حساسة، وهذا الأمر يتطلب وعياً من قبل الناس بألا تنجر إلى ردود الفعل ولا للاستفزازات، وأيضاً يلزم ذلك وعي من قبل الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية بالوجود على الأرض منعاً لأي احتكاك”.

يشير الصحافي والمحلل السياسي محمد حمية، إلى أنه “من المبكر الحكم على طبيعة المشهد المقبل بعد اغتيال نصرالله، لكن المؤكد أن لبنان والمنطقة برمتها دخلا المنعطف الأخطر منذ عملية (طوفان الأقصى) ومخاض مرحلة جديدة، لكن لا يمكن تلمس معالمها قبل جلاء معطيات عدة خلال الأيام القليلة المقبلة”.

ويتابع حمية، “أولاً سيكمل الحزب الترتيبات اللازمة لتنصيب خليفة لنصرالله في الأمانة العامة والمناصب القيادية الأساسية، مكان الذين اغتالتهم الغارات الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، بالتالي قد يتغير المسار الذي سيسلكه الحزب مع قائده الجديد، فهل سيبدي مرونة في المفاوضات المرتقبة ويخفض سقف شروطه تحت ضغط الوقائع الجديدة ويضبط إيقاعه العسكري على ساعة المتغيرات الإقليمية وعقارب رياح التغيير في التوجهات الإيرانية الجديدة، أم سيظهر تشدداً أكثر بعد اغتيال قائده ويقاتل بلا هوادة وسقوف وضوابط، وماذا يملك ويخفي من مفاجآت، ومتى سيفرغ خزان المفاجآت والمخزون الاستراتيجي من الصواريخ، وهل سينجح في إعادة التوازن ورد الصاع صاعين ولجم مسلسل الإجرام الإسرائيلي ضد لبنان؟”.

يشير المحلل السياسي إلى أنه وفقاً المعلومات، فإن “الحزب يقوم بترتيبات داخلية ويجري مشاورات مع أطراف المحور والقيادة الإيرانية لتحديد الخطوات التالية للمواجهة الجديدة التي قد تفتح الأبواب على الحرب الكبرى التي ستحمل مفاجآت، على اعتبار أن الحرب صولات وجولات وكر وفر ولم تنته، بل بدأت وربما تكون طويلة”.

الحاكم الفعلي

على الصعيد السياسي يشير الصحافي يوسف دياب إلى أنه مما لا شك فيه أن اغتيال نصرالله ترك فراغاً، إذ إنه لم يكن فقط مقرراً في البلد أو أحد الشركاء المقررين، بل كان الحاكم الفعلي، ذلك أن مصير الأمور يتحدد تبعاً لموافقته من عدمها، بدليل أن انتخاب رئيس للجمهورية معطل منذ سنين، بالتالي هذا سيترك تداعيات على الداخل اللبناني، لأنه لم تتبلور قيادة جديدة للحزب، ولم يتعين أمين عام جديد، وهذا الأمين لا يملك هيكلية في حال تعيينه، وذلك على ضوء الأخطار الأمنية، إذ تهدد إسرائيل باغتيال كل قادة الحزب، بل قالت إنها ستقتل الشخص الذي سيخلف نصرالله، بالتالي يسود جو من الإرباك في صفوف الحزب، وفي الوقت نفسه لا يمكن للسلطة السياسية اللبنانية أن تتخذ قراراً في الملفات الداخلية بمعزل عن رأي الحزب، من ثم ستكون المرحلة دقيقة وصعبة جداً”.

ويؤكد دياب أن اغتيال نصرالله لا يقف وراءه أحد من الأطراف الداخلية، فالتي اغتالته هي إسرائيل، كما أن الخرق الأمني الموجود هو من ضمن بيئته، والمشكلة في مكان آخر وليس عند اللبنانيين، كما أن قرار الحرب لم يتخذه خصوم الحزب كي يتحملوا نتائج المعركة. ومن المفترض أن يكون هناك وعي كبير في الشارع الشيعي، وعلى جمهور الحزب أن يستدرك الوضع وينشئ علاقة جيدة مع كل الأطراف، وألا تكون لديه مشكلات أو نفور مع المكونات الأخرى لأن ذلك سيزيد من ضعفه أكثر مما هو عليه الآن”.

على صعيد تفجر صراعات داخلية أو استفزازات بعد المشاهد التي نشرت على وسائل التواصل في شأن الاعتداء على ممتلكات الغير، يقول حمية “في العادة وفي أوقات الحروب تخلق بعض المشكلات حكماً بسبب ضغط السكان بعد موجة النزوح الكبيرة والتشرد، والأزمات الاجتماعية التي ستنشأ، كما أن الشارع الشيعي جرح جرحاً كبيراً باغتيال نصرالله، وهذا شيء طبيعي”. ويستدرك قائلاً، إنه “ضمن هذه البيئة سيظهر بعض الجماعات غير المنضبطة والمتهورة والمنفعلة، وهنا على الأجهزة الأمنية أن تتدخل وتضع حداً لهكذا تصرفات وتجاوزات”.

هل ينتخب رئيس جمهورية قريباً؟

من جهة أخرى يرى دياب أن “هناك تعويلاً كبيراً على الرئيس نبيه بري للعب دور الإطفائي ومبرد الأجواء، ويجب أن يتخذ مبادرة بفتح حوار مع الحزب، ومن المفترض أنه يمثلهم اليوم خصوصاً أنه رئيس السلطة التشريعية وهي سلطة منتخبة. وهذه المبادرة من المفترض أن تبدأ بالدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإرساء صورة حكم مختلفة، وأن تكون هناك سلطة حقيقة للملمة الوضع الداخلي والحديث مع المجتمع الدولي، أولاً لإنهاء الحرب، وثانياً في شأن الترتيبات السياسية لما بعد الحرب، ومسألة إعمار ما تهدم بفعلها، وإنقاذ البلد من وضع اقتصادي منهار. من هنا على البيئة الشيعية أن تتفهم الوضع، وفي الوقت عينه لا أحد من اللبنانيين سعيد بما وصل إليه (حزب الله) وقيادته، ولا أحد يتشفى، من ثَم لا لزوم لردود الفعل وإلا فمن سيقوم بهذه الصراعات سيتحمل نتيجتها وستزيد من أزمته”.

والسؤال هو، هل سيبدي الحزب مرونة في المفاوضات المرتقبة ويخفض سقف شروطه تحت ضغط الوقائع الجديدة؟

في هذا الشأن يبدو أن من الواضح أن الصراعات الداخلية المحتملة تعتمد بصورة كبيرة على كيفية تعامل قيادة “حزب الله” والطائفة الشيعية مع الفراغ القيادي، إضافة إلى كيفية تفاعل الأطراف الأخرى في لبنان والمنطقة. فهل سترتد تلك البيئة على الداخل اللبناني؟

يقول المحلل السياسي محمد حمية، “إن السلم الأهلي خط أحمر، وهذا ما كان يعلنه نصرالله دائماً، وعلى العكس نحن في مرحلة لم الشارع الوطني، إذ إن البيئات الثانية استقبلت النازحين بشكل إنساني وأخوي كبير والتفاف من كل الطوائف، وهذا سيسجل في التاريخ”.

ويتابع، “أن الرئيس نبيه بري مفوض الآن من قبل الحزب، وهو لا يقبل على الإطلاق المس بالسلم الأهلي، كما أن الجيش اللبناني أصدر بياناً واضحاً بهذا المعنى، واللبنانيون جميعاً مصيرهم مشترك، واليوم البلد في أحوج وقت للتضامن والتلاحم بوجه الحرب الإسرائيلية”.

Back to top button