12 أو 20 ألفاً: اصطناع سعر للدولار بـ”موازنة” اعتباطية
بقلم: عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
المدن –
تتعامل السلطة السياسية مع الموازنة العامة على قاعدة “تركيب الطرابيش”، فتخطط للإنفاق على الرواتب والأجور، على سبيل المثال، بشكل تقريبي من إيرادات افتراضية، وتضع سعراً عشوائياً لصرف الدولار، من دون أي معايير واضحة أو تفسيرات لتحديده. وأكثر من ذلك تتفاقم الخلافات حول سعر صرف الدولار المتوقع اعتماده في موازنة العام 2022.
يأتي كل هذا في وقت تجاوزت فيه السلطة كافة المهل الدستورية لإقرار الموازنة العامة.
وفي حين يؤكد مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال، نقولا نحاس، اعتماد 12000 ليرة سعر صرف موحد بالموازنة، يجزم رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، ابراهيم كنعان، عدم اعتماد هذا الرقم.
فما صحة الحديث عن اعتماد سعر صرف موحد بالموازنة هو 12000 ليرة؟ وما هي المعايير التي بُنيت عليها أسباب اعتماده؟
بين النفقات والإيرادات
تجاوزت السلطة البحث بالمهل الدستورية المحددة لإقرار الموازنات العامة والمُنتهكة في موازنة 2022، كما تجاهلت غياب قطع الحساب وأعادتنا إلى إعداد الموازنة على قاعدة حسابات “الدكنجي”، فصبّت كامل اهتمامها على عملية توحيد سعر صرف الدولار المعتمد في الموازنة العامة.
وفيما يقترب وزير المال يوسف خليل من حصد توافق على اقتراحه باعتماد 12 ألف ليرة سعراً لدولار الموازنة، خرجت أصوات رافضة لـ12000 ليرة. أما اللافت فهو غياب المعايير العلمية والواقعية لتحديد سعر صرف الدولار المقترح، أو أقله غياب أي تفسير لاختيار هذا الرقم.
بدورهم، المعترضون على اختيار الرقم 12 ألف ليرة لم يقدّموا رقماً بديلاً مبنياً على أسس واضحة. وفي نهاية المطاف لا يشكّل اعتماد 12000 ليرة سعراً للدولار في جانب من جوانب الموازنة العامة، توحيداً لسعر الصرف. فالأسعار ستبقى متعدّدة حتى في الموازنة نفسها.
لا سعر صرف الـ12000 ليرة منطقياً ولا رفضه من دون تقديم بدائل منطقياً. وحسب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، فإن كل ما يدور في إطار غير طبيعي يبقى عرضة للطعن ولعدم الاستقامة والاستمرارية. ويسأل حمود في حديث لـ”المدن” “على أي أساس تم تحديد 12000 ليرة؟ كيف تحددت؟ ما هي معاييرها؟ لا يجب أن يتم وضع رقم أو طرح من قبل الحكومة من دون أن يكون له قواعد وأسس واضحة وتبريرات منطقية وحجج مقبولة، يقول حمّود. وقبل الحديث عن الرقم والتدقيق به، علينا أن نعرف من أين نتج هذا الرقم. وكيف نتج الرقم 8000 ليرة للدولار المصرفي؟ وكيف تحدد سعر صيرفة وغيره؟… كل هذا يدور في حلقة مفرغة.
إذا ما افترضنا اعتماد 12000 ليرة لسعر صرف الموازنة اليوم والسير به، وفي حال استمر لاحقاً سعر صرف دولار السوق السوداء بالارتفاع وبلوغ أضعاف ما هو عليه اليوم، حينها ما العمل؟ وكيف يمكن الاستمرار بالـ12000 ليرة؟ أي مؤشر اعتُمد في ذلك؟” يسأل حمود.
ويستغرب مصدر مالي في حديث لـ”المدن” كيف يصف المعنيون بالشأن المالي سعر الـ12 ألف ليرة بالسعر الموحد للدولار لمجرّد اعتماده في احتساب الإيرادات المالية في الموازنة؟ ويسأل ماذا عن النفقات؟ مذكّراً بأن بعض النفقات في الموازنة لا تزال تُحتسب على سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1507 ليرات، ويجري البحث باعتماد سعر صرف أقرب إلى السعر الرسمي لاسيما للرواتب والأجور، لكن قطعاً لن تُحتسب النفقات وفق سعر صرف 12000 ليرة كما الإيرادات.
ولا تقتصر عملية “تركيب الطرابيش” على طرح سعر صرف من دون أساس علمي، إنما أيضاً على ترسيخ تعدّد أسعار الصرف في الموازنة تحت مظلة توحيد سعر الصرف الوهمي، على ما يقول المصدر. فسعر الـ12 ألف ليرة لن يكون نهائياً، خصوصاً أن البحث يجري حول اعتماد سعر صرف آخر قريب من 20 ألف ليرة، مرجّحاً اعتماد أسعار صرف مختلفة بالموازنة نفسها، لجباية الضرائب والرسوم وللدولار الجمركي وللرواتب والأجور.
مؤشر علمي لسعر الصرف
نظراً لكون الموازنة العامة هي أساس أول إجراء إصلاحي، وفيما لم تتمكن الحكومة من إحداث توازن في موازنتها، فإن الحال سيراوح مكانه. والحل يكمن بالعودة الى الأصول الصحيحة والبناء على أسس علمية واضحة، ووضع مؤشر لسعر الصرف.. وإلا فلن تستقيم الأمور. وفي حالة الدولار الجمركي، من غير المقبول تغيير سعر صرف الدولار الجمركي، بل يجب التوجه إلى تعديل نسبة الرسم الجمركي. فالبناء على دولار مصطنع لا يمكن أن يستمر، على ما يرى حمود.
ويلفت حمّود إلى أن هناك نفقات لا يمكن تحديدها على سعر 12000 ليرة، بل يجب تحديدها بـ30 ألفاً و32 ألفاً ومن المحتمل أن تبلغ لاحقاً 50 ألفاً و60 الفاً. تلك النفقات التي يجب شراؤها من موردين محليين أو استيرادها من الخارج. هذه جزء من النفقات الحكومية. فالنفقات لا تقتصر فقط على الرواتب والاجور.
المزيد من أسعار الصرف
وإذا ما استُكمل العمل على الموازنة بشكلها المطروح اليوم، بما يشمل أسعار صرف متعددة، حينها ستفوق أسعار الصرف شبه الرسمية في لبنان 5 أو 6 أسعار، بالحد الأدنى.
ويُضاف إلى الأسعار التي سيتم اعتمادها بالموازنة العامة، سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات، المعتمد حتى اللحظة في بعض تعاملات مصرف لبنان والمصارف وفي صرف رواتب القطاع العام، ودعم استيراد القمح وشريحة من الأدوية والمواد الاولية الطبية. وسعر صرف الدولار المصرفي البالغ اليوم 8000 ليرة المخصص لسحب الودائع المصرفية بموجب التعميم 151. وسعر صرف بعض السحوبات المصرفية (400 دولار للمودع) أيضاً بموجب التعميم 158، ولا ننسى سعر صرف منصة صيرفة المتغيّر بشكل مستمر والبالغ اليوم 26100 ليرة، وسعر الصرف المعتمد في مؤسسات التحويل المالي (OMT) وسواها، والبالغ اليوم 29450 ليرة. وطبعاً السعر المعتمد في الأسواق وتسعيرة كافة الخدمات حتى الصحية منها، وهو سعر صرف الدولار الحقيقي المعروف بسعر السوق السوداء، ويتراوح اليوم بين 30500 ليرة و31000 ليرة، ويتغير حسب مزاجية التاجر أو صاحب المؤسسة أو الصرّاف.