الرواية المجتمعية ومنهجية استخدامها في رواية «حجر السعادة» للكاتب أزهر جرجيس

النشرة الدولية –

اللواء اللبنانية –

ضحى عبدالرؤوف المل

يروي الكاتب «أزهر جرجيس» في روايته الصادرة عن «دار الرافدين» قصة مجتمعية محبوكة بمعاناة أطفال الشوارع من خلال الراوي المغرم ببغداد وأزقتها «إذ لم يدع زقاقا إلا وطافه بعدسته» وبإسقاطات إخبارية تتمتع بتصوير ذي وجهات مختلفة ما بين نقطة البداية والنهاية، وكأن الرواية فعلا كاميرا من ورق، أي تلك المؤلفة من أربعة أقسام تشبه العدسة التصويرية التي تلتقط بسرعة الضوء ما يجعل الصورة نموذجا تأريخيا للقطة من خيال طفولي تطوّر ليصل الى العدسة الحقيقية في كتابة هذه الرواية التي يعيش من خلالها القارئ حالة من التعاطف مع الطفل الذي يكبر تحت واقع مأساوي، هو رصد لواقع الطفولة في مرحلة البؤس الاجتماعي المتصدع، بسرد لا يسمح بطرح الكثير من الأسئلة، لأنه من الناحية السردية التي طرحها «أزهر جرجيس» من خلال الواقع المرير وهوية المجموعات الاجتماعية المتهاوية بمجرد وصولهم للبلوغ ومتابعة العيش ضمن البيئة المتآكلة في حاضر هو حامل لعدسة تلتقط ما يثير بصرها أو الأحرى ما يسمح لها أن تروي قصة حقيقية من واقع مرير متأصل في مجتمع عراقي نحاول أن نفهمه من خلال السرد التصويري، ليحفّزنا على القراءة بصمت لا متناهي بعيداً عن التساؤلات والتفسير المنطقي الذي يمسّنا خياليا رغم الواقع المجتمعي الغارق بالتآكل والتشرّد والقسوة والطغيان، مما يؤثر عاطفيا على القارئ، وكأن «أزهر جرجيس» أراد خلق صورة تحفيزية هي تجربة سردية تصويرية أو اخبارية لا فرق إلا أنها تتشكل من المجتمعات المتصدعة، وتحولات أطفال الشوارع فيها في خضم شدة البؤس واختلافه بين فرد وآخر محاولا التكثيف في اللعبة الزمنية لمتابعة النمو المرتبط ببطل الرواية، ليفاجئ القارئ بما سيحدث له، وبإثارة قصصية نمطية لينهي بحالة من توازن بين الحدث كسرد والبطل كمصور، وبثنائية ما يشبه النظام المتألق من وراء الفوضى. فهل المأساة في واقعنا المرير هي رواية في صورة فوتوغرافية تركها «أزهر جرجيس» في حجر السعادة؟

يجول كمال في أزقة وأماكن لا انضباط اجتماعي فيها، وتستمر الأحداث بمرارتها عبر قصص من الحياة هي فرصة لإعطاء السعادة لصبي من المحرومين، وبأسلوب ممنهج أمتد مع قصة حياة كمال الشاهد على الانحلال الاجتماعي المتكرر في عدة مواقف تعرّض لها صاحب حجر السعادة المنتمي لفئة اجتماعية هي من واقع مرير أظهره «أزهر جرجيس» بموضوعية وبشكل من أشكال التفاعل، لإبراز تدنّي القيم الإنسانية في المجتمعات الفقيرة، لإعادة توجيه اجتماعي تتبلور مظاهره عبر كاميرا هي الأساس في حجر السعادة الذي أراد له كمال أن يشمل على قصص متعددة من الحياة في مواقف استرسل معها، وهي من الأساليب السردية التي تجعلنا نتعاطف مع أبطالها، وفق تقنيات الرواية والنظريات الكامنة وراء مرارة الحياة في المجتمعات البائسة، والصلة المرتبطة بالخطاب الاجتماعي والواقع الزاخر بالوجع والظلم والألم والتفكك الأسري، وبواقعية تكشف عن أسنان تنهش الإنسان مشيراً الى الإنسان الذي يأكل الإنسان، وهذا بحد ذاته هو الجهل الذي يرافق المجتمعات الفقيرة التي تئنّ تحت البؤس القاتل. فهل الرصاصات الأخيرة في الرواية هي صرخة وجع من روائي رافقناه في رؤيته المجتمعية وبؤسها؟ أم أن حجر السعادة بقساوته ومرارته هو القادر على جعل المُرّ حلواً والتعاسة سعادة؟ والحلم الطفولي مرحلة مهمة في حياة الفرد مهما كانت الانتماءات المجتمعية؟

صور فوتوغرافية لكاميرا ورقية في البداية، ومن منا في طفولته لم يصنع الكاميرا الورقية التي باتت من تراث أطفال الشوارع، وهي رمز للحرمان لأطفال لا يستطيعون الحصول على الرغيف أو على حمل كاميرا حقيقية كما هي الحال في يومنا هذا حيث أصبحت الكاميرا في الخليوي المحمول بين أيدينا، فكمال دفعته الرغبة بالتصوير، كما دفعه الأمل عبر الركض المستمر من قصة الى قصة، وبالتالي الانخراط في الحياة مدفوعا بأمل البقاء والاستمرارية. إذ تنتمي الرواية الى فن أدبي سردي يسعى من خلاله أزهر جرجيس الى الكشف عن مأساة أطفال الشوارع وبؤسهم الصامت مشيراً الى الخلاص بحجر السعادة الرمز المستحيل في واقع لا يمكن إصلاحه وكمال الذي شبّ في هذا المجتمع المرّ العلقمي. فهل الخلاص هو في مقاومة الواقع هو اللجوء الى الرموز الذي نصطنع منها السعادة؟ أم أن البؤس المجتمعي في رواية تحمل مفردة السعادة هي لمنح الأمل للقارئ في ظل تصوير حالة من حالات متعددة لأطفال الشوارع؟

زر الذهاب إلى الأعلى