هروب إلى الأمام… أردوغان يؤجج الحرائق بدلاً من إطفائها

النشرة الدولية –

تحاول تركيا استعادة التوازن في علاقاتها الإقليمية بعد سنوات من القطيعة والانجرار خلف ما فرضته الأيديولوجيا، ولم يكن دعم الحزب الحاكم فيها لجماعة الإخوان المسلمين سوى الجانب الظاهر من حزمة المشاكل، فهناك الكثير غير هذا الخلاف العقائدي مع مصر أو مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات باستثناء قطر.

الصراع على بسط النفوذ على المنطقة العربية كان في مقدمة ما تسبب بالمشاكل، والمصالحة التي تسعى أنقره لترسيخها الآن مع الرياض والقاهرة وأبوظبي في حاجة إلى الكثير حتى تقف على أرجلها.

أولى الإشارات التي أرسلتها تركيا إلى تلك الدول كانت رفع يدها الداعمة للإخوان، وبالتوازي مع ذلك التراجع التدريجي للرئيس التركي عن سياسته الداعمة للانتفاضات الشعبية العربية التي اندلعت في العام 2011، وتفسيره لبعضها بأنها مؤامرة لتقسيم دول المنطقة، كما أعلن مؤخراً، إضافة إلى اقترابه أكثر من النهج المعتدل في المنطقة، بعد أن دعم قطر خلال فترة مقاطعتها من جيرانها الخليجيين، وبعد أن قام باستثمار قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى أبعد حد.

يعود أردوغان إلى الواقعية السياسية مجدداً، ويعلن استئناف علاقات بلاده الدبلوماسية مع إسرائيل بعد أكثر من عقد من التوترات التي اندلعت في 2010 عندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية 10 نشطاء أتراك على متن سفينة مساعدات تركية، مافي مرمرة، عند محاولة كسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة.

لم تتغير إسرائيل، ولم تبد أيّ ليونة في التعامل مع حماس، بل إن حماس هي التي تغيرت وذهبت نحو الحضن الإيراني أكثر، فما الذي دفع أردوغان إلى تغيير موقفه من الإسرائيليين؟

التغير في سياسة أردوغان نابع من داخل تركيا لا من خارجها، فهو في مراهنة صعبة أمام الانتخابات القادمة، وكل ما اشتكى منه الأتراك ورفعت المعارضة التركية أصواتها لانتقاده، هو الآن على طاولة الرئيس التركي ليقلب معادلاته من جديد، حتى لو تعارض ذلك مع مبدئية لطالما بارز بها خصومه السياسيين، فلا شيء في سياسة العدالة والتنمية يمكن اعتباره ثابتاً.

لكن جيمس دورسي، الباحث في معهد واشنطن، يرى مفارقة في ما يقوم أردوغان بمراجعته من سياساته السابقة، تكمن في أن الرئيس التركي يحسّن علاقات بلاده مع القوى الإقليمية التي لا تجمعها بها أي حدود، وعلى النقيض من ذلك، فإن العلاقات مع ثلاثة من جيرانها الثمانية الذين تشترك معهم في الحدود البرية؛ العراق وسوريا واليونان ”تشهد انحدارا، مع بقاء شبح الصراع المسلح يلوح في الأفق“، لتبقى المشاكل عالقة في هذه الملفات مع هذه القوى دون أيّ حلول مقترحة.

بالتوازي مع ذلك يجد الرئيس التركي نفسه وسط النزاع الروسي – الأوكراني، وكان من السهل عليه قبل التحولات الأخيرة في سياسته أن ينزلق نحو موسكو أو كييف، غير أنه وبسبب تحوّل البحر الأسود الذي تطل عليه تركيا إلى منطقة حرب، لجأ إلى دور الوسيط بين البلدين في عملية كتب عليها الفشل من بدايتها، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس في حاجة حتى إلى ساعي بريد بينه وبين الأوكرانيين لأنه أغلق باب الحوار وكل ما لديه هو اشتراطات لن يتراجع عنها، وهكذا تقلص دور أردوغان إلى مجرّد إطفائي ومساعد في صفقات الحبوب لتخفيف أضرار الحرب لا لإيقافها.

زر الذهاب إلى الأعلى