اختلال عقلي أم إخباري!
بقلم: يمينة حمدي
جار البحث عن الأخبار الإجابية
النشرة الدولية –
العرب –
في بلدي تونس يبدو أن الوضع السياسي قد وصل إلى طريق مسدود. وبات لديّ انطباع بأن القوى السياسية المتناحرة تجترّ بعناد نفس الأخطاء، وتتبنى وجهات نظر متعنّتة ومتشدّدة، لا تقبل المساومة.
في السنوات الأخيرة أصبح واضحاً مدى انخراط البعض من السياسيين في نشر القيل والقال، وتحولت أكاذيبهم إلى ما يشبه تعاويذ السحرة، تنشر الذعر والخوف واليأس في البلاد، ما أدى إلى تأثيرات اجتماعية سلبية تسببت في اختفاء الكثير من السلع والمواد الأساسية، وساهمت في تضخم الشعور بالضيق والتعاسة بين الناس.
الأزمة في تونس لم تعد ترتبط فقط بضبابية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحالة الاستقطاب التي يمارسها السياسيون لإلهاء الناس عمّا هو مهم، بل بكثرة استهلاك الأخبار السلبية والأفكار السامة على المواقع الاجتماعية وفي سائل الإعلام، ما فاقم أوضاع الصحة النفسية في البلاد، بما في ذلك الاكتئاب، واضطراب الوسواس القهري والفصام، وبعض أنواع الاختلالات العقلية الحادة.
ليس هذا غريبا على أي حال، نعلم جميعا أن التوتر والضغط الناتجين عن ارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية والبطالة والتضخم والعوائق أمام الرعاية الصحية يجعلان الناس يضمرون قدرا كبيرا من المشاعر السلبية بداخلهم، ويمكن أن يقود ذلك إلى ارتفاع مستوى الضغوط واضطرابات النوم، وحدوث فورات غضب، وربما ينتج عنها الانخراط في أعمال عنفٍ وسرقة.
حدثتني إحدى صديقاتي في تونس كيف أصبحت غارقة حتى أذنيها في مطالعة الأخبار السلبية عن وضع البلاد، تحاول جاهدة العثور على معلومات تبدّد قلقها، عن مدى توفر بعض المواد الأساسية في المستقبل، كالسكر والزيت والحليب. لكن هذا لم يكن يقودها إلا إلى قراءة أخبار أخرى مخيفة عن الموضوع نفسه وعن وضع البلاد المربك والمخيف.
المفارقة أن مثل هذا الأمر جعلها أشبه بالمدمنة على تلك الأخبار السلبية، إلى درجة أن بعض أحلامها قد تحوّلت إلى ما يشبه الصفحة لحسابها على فيسبوك، مليئة بالمخاوف والقلق، بدلا من المنشورات المعتادة.
الطريف في الأمر أن بعض علماء النفس شبّهوا تصفح الأخبار السلبية على الشبكة العنكبوتية باللعب على طاولة القمار، فمن يمارسون عادة مطالعة الأخبار السيئة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يرغبون عن قصد في البحث عمّا يمكن أن يسبب لهم الحزن والقلق، بل يسعون للعثور على أخبار إيجابية تبعث في نفوسهم الأمل والتفاؤل، وكذلك بالمثل يفعل المقامرون، فهم يدمنون اللعب على القمار ليس لغرض الخسارة بل طلبا للربح.
لكني على قناعة أن تصفح الأخبار الإيجابية لن يستطيع بالضرورة أن يمحو أو يبطل أثر الأخبار السلبية التي تنتشر كالنار في الهشيم، وتفوق الأخبار الإيجابية في سرعة انتشارها وعمق تأثيرها ومداها.