ألفريد نوبل.. وصالح الفضالة
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

كان لصديق لبناني دَين على مواطن كويتي. عجز المدين عن السداد فطلب مني صديقي، كوني وكيلاً عنه، رفع دعوى على المدين، وصدر الحكم لمصلحتنا! تدهورت بعدها أمور المدين، فرفعتُ القيود عنه ليعيش بصورة طبيعية.

بعدها بعشر سنوات قرر وجيه معروف التبرع بمبلغ ضخم لسداد ديون المواطنين، وكلَّف أحد البنوك القيام بتلك المهمة، فقام ذلك المواطن بتقديم طلب سداد الدين الذي عليه، وحضر تالياً ودفع دينه «الميت أصلاً»، عرفاناً بموقفي معه في محنته!

***

تسرَّب كامل مبلغ المنحة التي خصصها الوجيه، كتسرُّب الماء في الرمل، وكتبت يومها مقالاً قلت فيه إنه كان حرياً بالمتبرع الكريم استثمار المبلغ الكبير في مشروع جيد أو عن طريق محفظة، وصرف الريع السنوي على المدينين، لكي يدوم الخير والربح لسنوات وسنوات، وهذا ما فعله الكثير ومنهم ألفريد نوبل (1833ــــ1896) الكيميائي والعالم السويدي الذي اخترع الديناميت سنة 1867، وحقق من وراء ذلك ثروة هائلة، أوصى باستثمارها وصرف عوائدها، في حياته، وبعد وفاته، على منح جوائز مالية سنوية كبيرة للمخترعين والمكتشفين في مختلف ميادين العلوم، إضافة للأدب والسلام! ولا يزال المبلغ الذي رصده للجوائز ينمو منذ أكثر من 120 عاماً، وخلد التاريخ اسم نوبل، للأبد!

قررت الحكومة قبل فترة قصيرة أن تقوم مؤسسة التأمينات بصرف 600 مليون دينار (أو مليارَي دولار) على 130 ألف متقاعد، وذاب المبلغ الضخم بين أيدي من قبضوه، ولا يتذكر الآن غالبيتهم كيف تصرَّفوا به، وأضعنا فرصة استثمار ذلك المبلغ لحساب المتقاعدين؛ ليستمتعوا هم وأبناؤهم وأحفادهم به، ولكن الكثيرين، وبدعم حكومي تربوي واضح طالبوا بدفع المبلغ نقداً؛ لشعورهم ربما بأنهم يعيشون في دولة مؤقتة!

هذا التسابق بين الحكومة والمجلس على إصدار القوانين المالية الشعبوية أمر مؤسف، ومؤسف أكثر الإصرار على تقديمها على القضايا والقوانين الأكثر أهمية وإلحاحاً المتعلقة بمستقبل الوطن!

لست حتماً ضد شعور المواطن بالرفاهية والتمتع بخيرات وطنه، ولكن ما يحصل مؤسف ومزعج، وله ردات فعل أخلاقية. فلا شك في أن الكثيرين ممن حصلوا على مكافأة الصفوف الأمامية، من مبلغ 600 مليون دينار، لا يستحقونها، وأُدخلت أسماؤهم في الكشوف… قسراً!

إن ضمان العيش الكريم للمواطن لا يعني صرف مبالغ نقدية له، بل رفع مستوى الخدمات المقدمة له، وتحسين مستوى معيشته وضمان رخائه المستقبلي، وليس الصرف النقدي الذي ستذهب غالبيته لشراء السخيف من الأمور والخدمات. فكيف لدولة فيها كل هذا العدد من الباحثين عن وظائف، وتأتي الحكومة والمجلس ويقران صرف مبلغ 300 مليون دينار لشراء إجازات موظفي الحكومة، علماً بأن نسبة كبيرة منهم لا يعملون، وأخرى غير منتجة أساساً!

كما أن تأجيل أقساط القروض، وتحمل الحكومة لتكلفة فوائد البنوك، على حساب الملتزمين وغير المقترضين، مصيبتان مالية وأخلاقية حقيقيتان، نتمنى عدم تكرارهما!

الموضوع متشعب وطويل، ومؤلم بالفعل!

الهجوم البذيء وغير المسبوق في لهجته على الجهاز المركزي للبدون، وعلى الرجل الفاضل صالح الفضالة أمر مثير للشبهات.

لقد قام الرجل بواجبه في حفظ الهوية الوطنية، وهو يستحق كل الدعم والتشجيع والتكريم، وكل من يعارض أعماله لا يريد الخير لوطنه حتماً.

قضية البدون يجب أن يوضع لها حل نهائي، لكن ليس بالتجنيس ولا على حساب هويتنا، فالذي فينا يكفينا.

زر الذهاب إلى الأعلى