قناة “القاهرة الإخبارية” تسحب صوت مصر الرسمي من الفضائيات العربية

النشرة الدولية –

عكس إطلاق مصر قناة “القاهرة الإخبارية” في بداية الشهر الجاري، والذي جاء قبل أيام على عقد قمة المناخ، عزمها على إيصال رسائلها إلى الخارج والدفاع عن مصالحها الإقليمية من خلال وسيلة إعلامية خاصة بها بعد أن اعتمدت في السنوات الماضية على ما تجود به فضائيات عربية شهيرة من تعاطف في معالجة بعض المواقف السياسية للدولة المصرية ضمْن عدد من الأزمات التي واجهتها في المنطقة.

وكان الانحياز الإعلامي وليد تقارب في المصالح بين مصر والدول الممولة لهذه الفضائيات، وربما مثّل دعما سخيا للقاهرة وتقديرا لمواقفها؛ إذ لعبت قنوات “سكاي نيوز عربية” و”العربية” و”العربية الحدث” ثم “الشرق” دورا إيجابيا في إطار من المهنية لمساندة القاهرة أثناء مرورها بفترات شهدت العديد من التطورات، ويكفي أنها فسحت المجال للصوت المصري كي يظهر بقوة عبر برامجها ونشراتها.

وشكلت قمة المناخ التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 19 نوفمبر الجاري علامة على فك الارتباط الضمني بين قنوات عربية عابرة للحدود والقاهرة؛ فلم تحظ التغطيات الإعلامية للقمة باهتمام كبير إلا بالقدر الذي يخدم مصالح الدولة التي تنتمي إليها هذه القناة أو تلك.

لم يكن هذا الموقف على سبيل التحدي والتنصل أو الرفض أو ما شابه ذلك، لكن إطلاق مصر قناتها الإخبارية الجديدة أوحى بأنها ليست بحاجة إلى مساعدة الآخرين، وهو التحدي الكبير الذي واجهته “القاهرة الإخبارية” ونجحت فيه بالقدر الذي يتناسب مع حداثة عهدها وسيتحدد معيار الصمود والنجاح في القنوات المقبلة.

ويمثل تعامل القناة المصرية مع التطورات الحاصلة مع كل من قطر وتركيا وما تتضمنه من تأثيرات على عدد من القضايا المهمة أول اختبار حقيقي لـ”القاهرة الإخبارية” في الشأن الإقليمي، فإذا أرادت أن توجد لها مكانة وسط عدد كبير من القنوات التي تتبع قدرا كبيرا من المهنية عليها ألا تبدو صدى لصوت الإعلام الرسمي المحلي أو تعتقد أن الدفاع عن المصالح المصرية ينحصر في الدفاع أو الهجوم فقط.

ولا تتصارع القنوات الناطقة باللغة العربية مع بعضها البعض بشكل صريح؛ فمعظم الصراعات تأتي دوما خفية وتظهر من خلال مدى الالتزام بالموضوعية واستقبال الآراء المعارضة للمواقف الرسمية والقدرة على صياغة خطاب إعلامي جذاب، فهذه القنوات تسعى للوصول إلى قلب وعقل جمهور عربي واحد تقريبا.

وتستطيع القناة الأكثر سخاء وذكاء ومهنية وتنوعا، دون الإخلال بالمضمون، أن تراهن على تحقيق النجاح بسهولة؛ لأن الوصفة الخاصة به معروفة، وتتكون من توخّي المصداقية في تقديم المعلومات وتحليلها تحليلا معمّقا، إلى جانب المهارات الخاصة في استضافة أصحاب الآراء الذين لا يدورون في فلك الموقف السياسي الجامد الذي لا يتمكن المعبرون عنه من الدفاع عنه بصدق.

ودخلت “القاهرة الإخبارية” المعترك الإعلامي العربي متسلحة بمجموعة من ذوي الخبرة المصريين، وقد يكون هؤلاء أكفاء، إلا أن نجاحهم في التجربة الجديدة يتوقف على حجم هامش الحرية الذي من شأنه أن يمكنهم من عرض تحليلات تختلف عما تطرحه المواقف الرسمية، لأن إعادة إنتاج ما يقدم في العديد من القنوات المحلية شهادة فشل مسبقة.

ويستوجب إطلاق قناة مصرية في الفضاء الإقليمي العام توفير معايير تتناسب مع طبيعة المنافسة الراهنة؛ فالفضاء العام يزخر بالكثير من القنوات التي تستهدف الجمهور العربي، لكنْ لا يزال الحديث منصبا على أربع أو خمس منها، تمكنت من تقديم خلطة تتوافر فيها أجود أنواع العمل الإعلامي، ولا تكتفي بذلك، بل تسعى دوما إلى المزيد من التجويد، لأن المعركة شرسة وتتطلب تنويعا وتطويرا دائمين.

ويعد التوقف عند مستوى معين من التجويد شهادة حية على الفشل اللاحق، وهو ما يجعل القنوات العربية الكبرى تعيد تقييم منتجها الإعلامي كل عام كي تتمكن من تلافي الأخطاء والاستمرار في المنافسة العصرية الشرسة، التي لا تعترف بتاريخ أو خبرات متراكمة، لأن المفتاح الذي يحدد النجاح يملكه الجمهور وليس الدول.

وهناك خبراء معروفون في تقييم النجاح والفشل من خلال نِسَب وأرقام محددة للمشاهدة والبقاء أمام الشاشة والوقت الذي انقضى في متابعة كل برنامج، ولم تعد ثمة قدرة على التزييف والخداع وتحريف الأرقام.

وعندما انطلقت “القاهرة الإخبارية” كانت تعلم أنها تواجه قنوات ثبّتت أقدامها في الدفاع عن مصالح دولها الإقليمية، وعليها القبول بمنافسة يتفوق فيها من يصل إلى أهدافه بسرعة ومهنية فائقتيْن، لأن البقاء فيها للأصلح والأكفأ ومن يجيد عرض بضاعته الإعلامية بطريقة مناسبة، لا مجال فيها للخداع أو المناورات أو الدعاية الزائفة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى