مشهدية العدلية… خدمة للنظام لا للعدالة
بقلم: ندى أيوب

https://www.lebeconomy.com/wp-content/uploads/2022/09/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84.jpg

النشرة الدولية –

الأخبار اللبنانية –

لم تكن مشهدية وزارة العدل لتكون كما بدت عليه أمس، لو لم يتصرّف القضاة في الأيام الماضية كـ«قادة محاور». أتاحوا فرصة ذهبية لمستغلّي القضايا والأوجاع، من سياسيين وحقوقيين وناشطين. تسلّحوا بعبارات ومُنتجات سلطوية فكثُر التحريض السياسي والطائفي المُمَنهَج. لتتحوّل تظاهرة مناهضة لـ«قضاء الإفلات من العقاب» إلى اصطفاف مع محور سياسي ضد آخر. غاب الخطاب ضد النظام ككل، ونسي الجميع أنهم ضحايا قضائه المرتهن منذ سنوات. فلم يكن الغضب على سقوط المؤسسة القضائية إنما اصطفاف مع قسم من الجسم القضائي ضد الآخر. الضنين بالعدالة لا يشترك في لعبة تقسيم المؤسسة، المهددة لما تبقى من كيان العدالة.

كل المعطيات كانت تؤشّر إلى أن تظاهرة العدلية لن تكون عابرة. التحضير أساساً بين ناشطين وأهالي الضحايا انطلق من عبارة «لازم اجتياح العدلية» وهو ما حصل. استهلّت التظاهرة بكلمة للأهالي تضامنوا فيها مع القاضي طارق البيطار، معربين عن رفضهم لمحاولات السّلطة تمييع الملف وطمسه. وفي الوقت المستقطع، إلى حين وصول نواب «التغيير» والقوات والكتائب، علت هتافات مندّدة بالقاضي غسان عويدات. زادت الحماسة فراجت هتافات «إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي» متهمين إياه بالتدخل في ملف تفجير المرفأ. وأمام كاميرات الإعلام المحلي والدولي، التي تواجدت بكثافة، أطلقت المناشدات الطائفية من البعض، مستغيثين بالبطريرك الماروني بشارة الراعي لأن «الميليشيات استباحت قصر العدل». وما يقوم به عويدات «7 أيار قضائي» غامزين بذلك إلى «تنفيذه أمر حزب الله ضد البيطار». ليجدوا في ذلك مبرراً لاستجداء التدويل، إذ كرر المستصرحون طلب تدويل قضية المرفأ، أو وضع القضاء ككل تحت الوصاية أو حتى لبنان، ضماناً لسيادة البلد!

انتقلت الصورة إلى أمام وزارة العدل، مع وصول نواب «التغيير» ليجدوا أنفسهم برفقة زملائهم القواتيين والكتائبيين في الخندق نفسه مع قسم من «المنظومة». دخلوا لمقابلة وزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، يترأسهم النقيب العارف بالأصول والقوانين ملحم خلف. فاتهم أن خطوتهم تعد تدخلاً سياسياً في القضية شأنه شأن التسييس السابق للفريق الآخر المنتفضين عليه. كالسذّج طالبوا «المنظومة» بمحاكمة نفسها، حين ناقشوا قرارات عويدات طارحين إقالته على عبود وخوري، ولم يعد سهيل عبود محسوباً على المنظومة، ولا مرتهناً سياسياً.

في مكتب خوري ارتفع صوت وضاح الصادق ومعه منسوب التوتر إلى درجةٍ صفع فيها أحد العناصر الأمنية الصادق على وجهه. في الخارج كان المحتشدون قد انتقلوا إلى أمام الوزارة. اشتد الغضب والمواجهة مع القوى الأمنية: رمي للحجارة وتدافع وخلع لبوابة الوزارة وتوقيف لعدد من الناشطين الذين أطلق سراحهم لاحقاً.

الصراخ يعلو والإعلام يستصرح. النواب والمحامون يتناوبون على الكلام، فيما غابت صرخة أهل الضحايا. لم تختلف التصريحات عما يدلي به أهل السلطة في المهرجانات السياسية. نواب «تغيير» ومواطنون وناشطون وحقوقيون توهّموا وأوهموا أهل الشهداء والرأي العام أن حقهم في العدالة يحميه فريق ويهدده آخر. صنّفوا أنفسهم في محور من اثنين يتجاذبان البلد، في خدمة جليلة قدّموها لأهل النظام كافة.

بسلام انتهى يوم العدلية، لكن لا يخفى على أحد أن حالة من الخوف والتهيّب ترخي بظلالها على اللبنانيين. فمنسوب التوتر العالي كان كفيلاً بإشعال البلد لو صدر قرار حاسم بخصوص البيطار أمس. تأجل الاجتماع، إلا أن احتمالات الفوضى لم تتراجع. وفي هذا السياق يؤكّد مرجع أمني، أن «الوضع الأمني على وقع الأداء الشعبي، وليس الإرهابي هذه الأيام مع أنه يعطي هامشاً للإرهابيين إذا ما أرادوا تنفيذ مخطط ما».

في أي حال التنسيق القواتي – الكتائبي – «التغييري» سيُستَكمَل اليوم، في اجتماع صباحي في مجلس النواب، وفق معلومات «الأخبار» للتباحث في العصيان المدني أو الدعوة لـ«الانتفاض».

 

نقابة المحامين تنحاز تحت الضغط

سريعاً التحقت نقابة المحامين بالركب خوفاً من أن يفوتها مجد اللحظة التي ترفع الأسهم انطلاقاً من قضية «بيّاعة». فاجتمعت بشكل طارئ مساء أمس، وأصدرت بياناً منحازاً، معلنةً «عدم ثقتها بقسم من القضاء». وسمحت لنفسها بالتدخّل بعمله مرة جديدة، مقيّمةً قرارات مدعي عام التمييز غسان عويدات بوصفها «مخالفة للقانون»، مع ما يشبه التوجيهات القاضية «بترك المحقق العدلي يكمل عمله». خضعت النقابة لأمرين: أولهما، الأصوات التي طالبتها نهاراً من أمام العدلية باتخاذ «موقف واضح وحاسم». وثانيهما، وفق مصادر متابعة، «ضغط النقيبين السابقين أنطوان إقليموس وجورج جريج، اللذين حضرا اجتماع مجلس النقابة أمس للمرة الأولى منذ انتخاب ناضر كاسبار نقيباً، باتجاه بيان يغطي البيطار». وفي التفاصيل أن النقابة كانت قد أعدت مسودة لبيان لا يغطي البيطار بالكامل، ترد فيه عبارة «بمعزل عن القرارات التي اتخذها المحقق العدلي لجهة قانونيتها أم لا…» واستبدلت عبارة «عدم ثقتنا بالقضاء» بعبارة «عدم ثقتنا بقسم من القضاء».

من جرّ النقابة إلى صلب الاصطفاف السياسي، لم يعجبه على ما يبدو بيانها أول من أمس، الذي اتصف بالتوازن. وفي معلومات «الأخبار» أن «الانقسام حاصل داخلياً بين المحامين، وأن النقيب ناضر كاسبار يحاول الابتعاد عن المواقف المتطرّفة والخروج من عباءة ملحم خلف، إلا أنه بمكان تجذبه الشعبوية». وتضيف مصادر حقوقية «يفترض بالنقابة أن تبقى جامعة، وألا تتدخل بعمل القضاء وبعيدة من المواقف الصارخة».

زر الذهاب إلى الأعلى