البنك الدولي: لبنان بالأول عالميا بتضخم أسعار المواد الغذائية بنسبة فاقت لـ 1000%
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
التحرّك الصاروخي للدولار صعودًا، ألهب أسعار السلع الإستهلاكيّة. حالةٌ من الإرباك في السوبر ماركت والدكاكين الصغيرة والمحال التجارية والملاحم، البعض لجأ إلى تعديل أسعار السلع، أحيانًا مرّتين في اليوم، فيما البعض الآخر تريّث بانتظار عقلنة الدولار، وهم قلّة، فيما فضّل آخرون الإقفال إلى حين استقرار السعر نسبيًا. عشوائية التسعير رافقت الأزمة منذ بدايتها، كلما تحرّك سعر الصرف صعودًا، ترتفع الأسعار بشكل أعلى من سعر الصرف في السوق الموازية، وعندما يتراجع الدولار تبقى الأسعار على مستواها، لتعود وترتفع مجددًا مع أيّ ارتفاع إضافي بسعر الصرف.
فلتان أسعار
ارتفاع الأسعار الذي نشهده في الأسوق اللبنانية منذ نهاية عام 2019، له عدّة أسباب، وفق الباحث في الدوليّة للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لـ “لبنان 24”. السبب الأساسي يكمن في ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة من 1500 إلى 61000. وهناك سبب آخر هو ارتفاع الأسعار عالميًّا، خصوصا بعد أزمة كورونا وحرب أوكرانيا، بحيث تقلّص الإنتاج وارتفع الطلب، فارتفعت أسعار الحبوب والزيوت والمحروقات. وهناك سبب آخر متعلق بآليّة التسعير في السوق اللبناني على مستوى التجار، فإذا وصل الدولار إلى أربعين ألفًا سعّروا السلع على أساس 45 ألفًا استباقًا لأيّ ارتفاع، والأسعار تتغيّر يوميًّا، وهناك من يلجأ إلى عدم تغيير أسعار السلع على الرفوف وعند الدفع يتفاجأ الزبون بسعر أعلى من المعروض. أمّا الدواء فسعره سيرتفع يوميًّا بفعل وضع مؤشر يومي وليس أسبوعيًا، البنزين والمازوت والغاز يُسعّرون وفقًا لمؤشرين في اليوم نفسه، السعر الصباحي وسعر بعد الظهر.
نسب التضخم فاقت لـ 1000%
سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، خلال فترة الأشهر الثمانية الأولى من العام 2022 وفق مؤشر البنك الدولي تضخّم أسعار الغذاء، بحيث زادت أسعار المأكولات في لبنان بنسبة 198% (وهي نسبة تغيّر سنويّة)، مسبوقاً من زيمبابوي (353 %) ومتبوعاً من فنزويلا (131 %) وتركيّا (89%). في حين أنّ مديرية الإحصاء المركزي، في تقريرها الصادر مؤخراً حول أسعار الاستهلاك، خلُصت إلى أن مؤشّر الأسعار سجّل ارتفاعاً بين شهر كانون الأول من العام 2021 وكانون الأول من العام 2022 نحو 122 في المئة (121.9 في المئة). من جهته لفت شمس الدين أنّ دراسات الدوليّة للمعلومات قدّرت التضخم منذ نهاية العام 2019 ولغاية اليوم، بنسبة 1710% “وهذا رقم كبير جدًا، يعكس مدى تآكل القدرة الشرائيّة وانهيار مداخيل اللبنانيين”.
كلفة معيشة أسرة صغيرة 25 مليون ليرة
وفق الدوليّة للمعلومات، الكلفة الأدنى لمعيشة أسرة لبنانية مؤلفة من 4 أفراد، لا تقل عن 25 مليون ليرة. هذا المبلغ يشمل السلّة الغذائيّة والإستهلاكيّة، وهي تكلّف تسعة ملايين ليرة بالحد الأدنى، إيجاز منزل 5 مليون وقد يصل إلى عشرة و15 مليون في المدينة، 3 صفائح بنزين، الطبابة والتعليم في المدرسة الرسمية والإنارة والمياه. إذ أنّ الخدمات التي تقدّمها الدولة ارتفعت بنسبة كبيرة، وفق ما لفت شمس الدين “على سبيل المثال الأسرة التي تستهلك كهرباء بمعدل 250 كيلو واط شهريًا وهو أدنى معدل، كانت تدفع 25 ألف ليرة وستدفع اليوم مع التعرفة الجديدة 3 ملايين ليرة، كما ارتفع الإشتراك بالمياه سنويًّا من 980 ألف إلى 4187000 ليرة، يضاف إليها مياه الشرب التي يشتريها المواطن، أي أنّ الأسرة تحتاج شهريًا إلى مليون ليرة للمياه فقط”.
أضاف شمس الدين أنّ هذا الدخل المقدر بـ 25 مليون ليرة شهريًا هناك 70% من الأسر اللبنانية لا تملكه، “هذه الفئة تحتاج لمساعدة وليس لديها القدرة لشراء الغذاء والدواء، وهناك 25% من هذه الفئة لا تملك شيئًا. بالمقابل هناك 30% هم من أصحاب المداخيل بالدولار، وممن تصلهم تحاويل من الخارج، وهذه الفئة تحرّك قطاع المطاعم والفنادق والمراكز التجارية، من هنا أصبح هناك هوّة كبيرة بين فئات المجتمع”.
التحاويل تسند ربع اللبنانيين
استمرار الأزمة ومسار انحدار الليرة من شأنه أن يوسّع دائرة الفقراء، خصوصًا أنّ الزيادة في الأجور التي أعطتها الدولة للموظفين أو القطاع الخاص، لا تعوّض الإنهيار الذي أصاب المداخيل، التي تآكلت بنسبة 95، قد نشهد في الأشهر القادمة من المزيد من التراجع في القدرة الشرائية. وعدم القدرة على الإنفاق وفق شمس الدين من شأنه أن يتسبّب بانكماش اقتصادي، يؤدي إلى إقفال عدد من المؤسسات، الأمر الذي يرفع من نسبة البطالة والفقر. “دخلنا بحلقة جهنية، ولكن نقطة الضوء الوحيدة بهذا المشهد، هي تحاويل المغتربين، التي تشكّل الأوكسجين الذي يدعم نحو مليون لبناني. وقد قدّر البنك الدولي تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج بنسبة 6.8 مليار دولار سنويًّا، لكن باعتقادي قد يكون المبلغ ضعف هذا الرقم، لأنّ القسم الأكبر من التحاويل يصل نقدًا مع المسافرين بسبب انعدام الثقة بالصارف، لاسيّما وأنّ هناك دولًا تمنع تحويل الأموال، فيلجأ المغتربون بهذه الحال إلى انتظار مجيئهم أثناء العطل أو إرسال الأموال مع أصحابهم وأقاربهم”.
كل هذه المشهدية المأزومة يمكن لها أن تبدأ بإنفراج، بقرار سياسي، يبدأ بفك أسر رئاسة الجمهورية من أيدي المعطلين، والذهاب نحو تشكيل حكومة تعيد تثبيت سياسة النأي بالنفس وتستعيد موقع لبنان ومكانته في محيطه العربي لا سيما الخليجي، وتحضر الأرضيّة لإصلاح حقيقي لكل القطاعات بدءًا بقطاع الكهرباء والمصارف، وإلّا الأمور ذاهبة نحو ارتطام كبير.