مرضى غسيل الكلى مجبرون على الدفع نقداً.. أو الموت!
بقلم: عزة الحاج حسن

النشرة الدولية

المدن –

في وقت يُجري فيه أحد السياسيين جلسة غسيل الكلى في منزله الفخم في بيروت على أيدي فريق طبي من مستشفى جامعي، تتقلّص قدرة المئات وربما الآلاف من مرضى الكلى على إجراء جلسات غسيل الكلى بشكل منتظم، ويعجز كثر منهم عن تأمين الأدوية بشكل دوري.

الإستنسابية في الحصول على علاجات مصيرية تفوق بمخاطرها أي جريمة أخرى ترتكبها السلطة السياسية بحق اللبنانيين. فمرضى الكلى بغالبيتهم يتلقون علاجاتهم على حساب الجهات الضامنة، العاجزة أصلاً عن تغطية تكاليف الجلسات والأدوية اللازمة، في وقت يتلقى فيه ذلك السياسي العلاج نفسه غير آبه بما يحل بالمرضى الذين تآكلت قدرتهم المعيشية. ولا نتحدث هنا عن علاجات طبية متعددة البدائل، إنما عن علاجات لا يمكن استبدالها ولا تأجيلها، فتأخير جلسة غسيل الكلى لأيام معدودة تعرّض حياة المريض لخطر الوفاة.

تقاعس الدولة وفشلها في تأمين العلاجات اللازمة لمرضى الكلى من جهة، وعدم التزامها بسداد تكاليف العلاج للمستشفيات وأطباء الاختصاص من جهة أخرى، دفع بالمستشفيات وأطباء الكلى إلى البحث عن حلول مالية تؤمن لهم أتعابهم المستحقة، فكان التوجّه بمرحلة أولى إلى استيفاء الأتعاب مباشرة من المرضى، على أن تكون المرحلة الثانية “دولرة” جلسات غسيل الكلى. الحلول المطروحة اليوم قد تعوض الأطباء بعضاً من حقوقهم. لكن أين المرضى من كل ذلك؟

 

التكاليف “كاش”

بعد أعوام من التلكؤ في سداد الجهات الضامنة (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة أو تعاونية موظفي الدولة أو الطبابة العسكرية وغيرها من الجهات الضامنة الرسمية) تكاليف علاج مرضى الكلى للمستشفيات والأطباء، وبعد رفع تكلفة جلسات غسيل الكلى عدة مرات، بات المرضى اليوم رهن قدرتهم المادية، فمن يملك المال يمكنه متابعة جلسات العلاج بمواقيتها المحدّدة والحصول على أدويته المطلوبة، كحال السياسي الذي يخضع لجلسات غسيل الكلى في منزله. أما من لا يملك المال “الكاش” من المرضى، وهؤلاء هم الغالبية، فيواجه خطر تفاقم وضعه الصحي.

 

وقد أعلنت الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى والضغط اليوم، قرارها باستيفاء أتعاب الأطباء عن جلسات غسيل الكلى، مباشرة من المرضى، وذلك بدءاً من 15 آذار الحالي.

تبلغ تكلفة جلسة غسيل الكلى حالياً 3 ملايين ليرة (منها 2500000 ليرة للمستشفى و500 الف ليرة أتعاب الطبيب). وبقرار الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى والضغط بات على مرضى الكلى سداد 500 الف ليرة نقداً “كاش” عن كل جلسة غسيل كلى مباشرة للطبيب على أن تتكفل الجهة الضامنة رد المبلغ له فيما لو تمكّن من مطالبتها.

قرار الاطباء تقاضي أتعابهم “كاش” مباشرة من المرضى لا يلبي مطالبهم، فهناك توجّه جدّي لدولرة أتعاب الطبيب وتكلفة جلسات غسيل الكلى على المستشفيات. والـ3 ملايين ليرة اليوم قد تصبح 75 دولاراً غداً، أما المرضى فلا حول لهم ولا قوة.

وقد أكد نقيب المستشفيات سليمان هارون في حديث إلى “المدن”، الدخول بمفاوضات مع الجهات الضامنة لتحديد تعرفة جديدة وطريقة دفع مختلفة. وبحسب هارون، لا تكمن المشكلة فقط بقيمة التعرفة إنما أيضاً بالتأخر بالدفع من قبل الجهات الضامنة “فالمستشفيات لم تتقاض أي أموال عن العام 2022 كما ان تدهور سعر صرف الليرة أفقد المبالغ المتوجبة للمستشفيات والأطباء قيمتها.

 

دولرة جلسات غسيل الكلى

ولا تقتصر عملية التفاوض على دولرة تكاليف جلسات غسيل الكلى مع الجهات الضامنة على المستشفيات، فللأطباء أيضاً مطالبهم، ويلفت رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى والضغط الدكتور روبير نجم في حديثه إلى “المدن” إلى أن تسعيرة أتعاب الطبيب الحالية (أي 500 الف ليرة) كما تكلفة المستشفى تم وضعها بناء على دولار لا يتجاوز 45 الف ليرة في حين يتجاوز سعر صرف الدولار اليوم 80 الف ليرة، مطالباً بدولرة جلسات العلاج وفق آلية دفع محددة.

وتقتضي عملية دولرة جلسات غسيل الكلى وفق مطالب المستشفيات والأطباء برفع تكلفة الجلسة إلى 60 دولاراً تُضاف إلى أتعاب الطبيب البالغة نحو 20 في المئة من قيمة الجلسة 12.5 دولاراً (تتراوح بين 10 و15 دولاراً)، على أن يتم فوترتها بالليرة اللبنانية وتحديد قيمة الدولار وفق مؤشر تضعه وزارة الصحة بصورة شهرية كمتوسط سعر صرف الدولار. وتشترط المستشفيات والأطباء على الجهات الضامنة، في حال موافقتها على المطالب، الإسراع في سداد التكاليف تجنباً لتضاؤل قيمتها.

 

وبحسب الأرقام يبلغ عدد مرضى الكلى الذين يجرون جلسات غسيل بشكل دوري نحو 4500 مريض، ويبلغ متوسط عدد الجلسات التي يحتاجها المرضى نحو 13 جلسة شهرياً، في حين لا يمكن للمريض أن يتأخر على إجراء الجلسة لأكثر من أسبوع أو بضعة ايام.

ولا تقتصر علاجات مرضى الكلى على جلسات غسيل الكلى فقط، فهناك أدوية ومستلزمات تترافق مع الجلسات لا يمكن الإستغناء عنها، ومنها حقن لتقوية الدم وتبلغ تكلفة إحداها 500 الف ليرة في حين تبلغ تكلفة حقنة أخرى نحو 30 دولاراً، ويُضاف إليها بين 10 و15 دواءً منها الفيتامين D والحديد التي تدخل في صلب العلاج. ويؤكد الدكتور نجم أن عدداً كبيراً من المرضى استغنوا عن نصف علاجهم لعجزهم عن تأمين الأدوية وتكاليف العلاجات.

زر الذهاب إلى الأعلى