هل تجوز المقارنة بين أزمتي المصارف في لبنان وأميركا؟

في الولايات المتحدة المشكلة في بعض البنوك أما في لبنان فالنظام المصرفي بأكمله متعثر

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

في نهار 13 مارس (آذار) الجاري أعلن عن غلق مجموعة “وادي السيليكون” المصرفية المسؤولة عن بنك “وادي السيليكون” في ولاية كاليفورنيا، في أكبر انهيار مالي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وبحسب البيانات الصادرة عن المجموعة يأتي إغلاق المصرف بعد تعرضه لأزمة سيولة وعجز عن سداد فوائد الودائع، مما دفعه إلى بيع محفظة استثمارية وطرح أسهم في محاولة لتوفير الأموال. ويعد بنك “وادي السيليكون” المصرف الـ16 في الولايات المتحدة، وما إن أعلن عن حاجته إلى جمع الأموال حتى أصيب المودعون بالذعر واندفعوا لسحب ودائعهم. وفي أقل من 48 ساعة، كان ما يقرب من ربع أموال المصرف قد سحبت، مما اضطر المصرف إلى بيع محفظة سندات بقيمة 21 مليار دولار، خسر فيها قرابة 1.8 مليار دولار، كما طرح أسهماً بقيمة 2.25 مليار دولار، والهدف توفير السيولة.

سوسن مهنا

وأصدرت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني تقريراً خفضت فيه التصنيف الائتماني للبنك، مما نتج منه ما يسمى مصرفياً “Bank Run” (أي عندما يهرع المودعون لسحب أموالهم). وبعد أن وصلت حالة الذعر إلى بنك “سيغنتشر”، قالت السلطات الأميركية إنها تضمن جميع الودائع في كلا المصرفين، وليس فقط المبالغ المطلوبة بموجب القانون والبالغة 25 ألف دولار. يأتي هذا تزامناً مع انهيار بنك للعملات المشفرة في السوق الأميركية، هو بنك “سيلفرغيت”، في التاسع من الشهر الجاري. وعلقت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين على الأمر. وقالت “شعرنا إن هناك أخطاراً جدية من أن تكون العدوى قد تسببت في التهافت على السحب من عدى بنوك”. ويلبي المصرفان حاجات الشركات، كما لديهما علاقات مع قطاع صناعة التكنولوجيا، الذي كان يعاني بسبب الانخفاضات الحادة في أسواق العملات المشفرة وما تبعه من توتر بين المستثمرين، كما وضعت وكالة “موديز” الثلاثاء 14 مارس ستة مصارف من بينها “فيرست ريبابليك بنك” و”ويسترن أليانس بانكورب” قيد المراجعة لخفض التصنيف. وضخت مصارف أميركية كبرى ودائع قيمتها مليار دولار في بنك “فيرست ريبابليك” لإنقاذه بعد أن اجتاحته الأزمة أيضاً، الناجمة عن انهيار “وادي السيليكون” و”سيغنتشر”.

جو بايدن طمأن المودعين

بعد ساعات حاسمة في إطار المساعي الأميركية لإيجاد مشترٍ لبنك “وادي السيليكون” المنهار، خرجت إدارة الرئيس جو بايدن بخطة لدعم القطاع المصرفي بما في ذلك وضع الهيئات التنظيمية خطة تمويل طارئة لضمان سيولة كافية في النظام المصرفي. وقامت السلطات الأميركية بإغلاق مصرف “سيغنتشر بنك” ووضعه تحت الحراسة القضائية بعد أن فقدت أسهمه ثلث قيمتها، مع التعهد باتخاذ خطوات من أجل حماية أموال المودعين للحد من أي تداعيات جراء انهيار المصرفين. وسيكون أمام المودعين فرصة للحصول على أموالهم بحد أقصى يبلغ 250 ألف دولار، والمبالغ المتبقية يحصلون مقابلها على سندات، تصرف لهم عند تسييل الأصول. وتعهد الرئيس الأميركي محاسبة المسؤولين عن إفلاس بنك “وادي السيليكون” و”سيغنتشر بنك”، وطمأن الأميركيين مؤكداً أن ودائعهم في أمان. وقال بايدن في بيان “أنا ملتزم بشدة محاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى ومواصلة جهودنا لتعزيز الرقابة والتنظيم للبنوك الكبرى، حتى لا نجد أنفسنا في هذا الموقف مرة أخرى”. وأضاف بايدن في تصريحات نشرها على موقع “تويتر”، “يمكن للشعب الأميركي والشركات الأميركية أن يثقوا في أن ودائعهم المصرفية ستكون موجودة عندما يحتاجون إليها”.

مقارنة لا تصح بين الولايات المتحدة ولبنان

تحرك السلطات الأميركية الفوري والمباشر لتعويض المودعين وطمأنتهم، لفت أنظار المودعين اللبنانيين الذين تبخرت ودائعهم بعد تحميلهم تبعات الأزمة المصرفية المتأتية عن الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان منذ نحو أربع سنوات تقريباً. “اندبندنت عربية” استطلعت آراء قانونيين متخصصين في الاقتصاد، حول خطوات الدولة اللبنانية وكيفية مواجهتها الأزمة، ومبادرة أميركا لاحتواء الأزمة. يقول المستشار القانوني في المفوضية الأوروبية، الأكاديمي محيي الدين الشحيمي المقيم في باريس، “منذ أسبوع دب الذعر الأميركي والعالمي مع تعثر بنك (وادي السيليكون) في أميركا الداعم الأول للاستثمارات التكنولوجية والشركات الذكية العابرة للحدود والمشبكة عالمياً والتي وصلت أصدائها إلى سويسرا (بنك العالم الكلاسيكي) خارقة هيبة أهم مصارفها (كريدي سويس)، بغض النظر عن الأسباب المباشرة والباطنية المتعلقة بهذا التعثر، سواء من حيث علاقته بالاستثمارات الصينية، وحل مسألة الديون السيادية الأميركية عبر شراء البنوك لسندات الخزانة لمساعدة الحكومة الفيدرالية، إلى مشكلة ضبط التضخم ومعالجة الركود عبر لوغاريتم الفائدة ورفعها بشكل مؤذٍ للبنوك، وتلك التي لا تستطيع رفع الفائدة ومجاراتها، بالتالي هجرة الودائع منها. وبسبب عدم القدرة على الوفاء بهذه الفائدة، حيث إن الولايات المتحدة تمر بأزمة، إضافة لكل العالم، من ضعف استثمارات وتراجع اقتصادي وحرب ضرائبية مما يحول هذه الفوائد إلى ديون متراكمة، وتتحول بشكل تلقائي إلى معبر لفقدان الثقة. وبما أن المصرف بحاجة إلى سيولة لدفع الأموال والتي تفوق قدرته، بعد خروج رساميله، على رغم تفوقه في الأصول، لم تعد هنالك سيولة أمام هذا الطلب الكبير، ما نتج منه الفجوة والخسارة بالتالي الإفلاس”.

وتعتبر الأكاديمية والمتخصصة في القوانين المصرفية، الرئيس التنفيذي لشركة (Juriscale) الاستشارية، سابين الكك، أن التشابه بين الأزمتين كبير لناحية الأسباب، سوء إدارة المخاطر وعدم توازن بين آجال الودائع وآجال التوظيفات، كما أن اندلاع الأزمتين بدأ بشرارة حمراء تفيد عن نقص حاد في السيولة، الأمر الذي أدى إلى حالة هلع لدى المودعين. والفرق كل الفرق يكمن في سرعة المعالجة والنية الرسمية لاحتواء التداعيات في حالة “وادي السيليكون”، والعكس تماماً حصل في لبنان، مع الإشارة إلى أن النظام القانوني اللبناني، كما كل الأنظمة المصرفية في العالم، يتضمن سلسلة من الإجراءات الوقائية والاحتوائية التي يفترض تطبيقها لحماية المودعين كما حصل في أميركا، إلا أن هذا لم يحصل في لبنان.

القوانين اللبنانية لحماية المودعين

تقول المتخصصة القانونية سابين الكك إن السلطات الرسمية اللبنانية كانت ملزمة وعبر مصرف لبنان المركزي وبموجب قانون 67/2، وكما فعلت السلطات الأميركية، أن ترفع للمحكمة المتخصصة الطلب بإعلان التوقف عن الدفع لكل مصرف، لا يؤمن الأموال لزبائنه، على أن تكف يد أعضاء مجلس إدارته ويُعيَّن مدير موقت لتسيير الأعمال. وفي القرار عينه تعين المحكمة لجنة متخصصة تضم المودعين لدرس أوضاع المصرف عن كثب لتحديد فرص إنقاذه، وتلقي الحجز الاحتياطي على الأملاك والأصول الشخصية لكل أعضاء مجلس الإدارة، والمديرين المفوضين بالتوقيع، ومراقبي المحاسبة، وترفع عن حساباتهم وحسابات أزواجهم/ زوجاتهم وأولادهم السرية المصرفية. وتؤكد الكك أن القوانين اللبنانية قادرة على حماية المودعين، أما المتآمر عليهم هي المنظومة المصرفية المكلفة تطبيق القانون والرقابة على عمل المصارف، بدءاً من المجلس المركزي في مصرف لبنان إلى لجنة الرقابة على المصارف، وهي لجنة مشابهة إلى حد ما في مهامها للجنة مراقبة الأسواق المالية في كاليفورنيا التي وضعت اليد على “وادي السيليكون” في غضون ساعات من الأزمة.

في لبنان “أزمة نظام”

وبرأي المستشار في المفوضية الأوروبية محيي الدين الشحيمي، أنه وبعد أن اتجهت الأنظار إلى أميركا بمقارنة على الطريقة اللبنانية، وخصوصاً مع تعرض لبنان لأزمة شرسة مصرفية ومالية، بين طريقة تعامل السلطات الأميركية مع الأزمة وكيف تعامل لبنان مع أزمته، يقول إنه لا مجال للمقارنة وذلك للأسباب التالية، في أميركا الأزمة هي أزمة بنك وتعثره، أما في لبنان فالأزمة هي أزمة نظام مصرفي بأكمله. في أميركا الدولة ضمنت كل الودائع والحقوق، في لبنان الدولة تنكرت لها. في أميركا، دعت الدولة مواطنيها للثقة بنظامها المصرفي وبعملتها، أما في لبنان فالدولة غائبة، وهي أضحت بمثابة سوق سوداء. لم يبتلع الاحتياطي الفيدرالي في أميركا ودائع ورساميل البنوك والمواطنين، كما فعل “المركزي” في لبنان، بل دعمهم وأمدهم بالدعم وهو متحرر من سياسة المصارف في استثمارها. ويضيف الشحيمي أنه في تحميل الرئيس بايدن المستثمرين والمساهمين المسؤولية وتحملهم بالمباشر لنتائجهم المنبثقة عن خياراتهم، وبطمأنته الشعب الأميركي والشركات والنظام المصرفي ودعوته لهم بالثقة، حول أن ودائعهم ستكون موجودة حال حاجتهم إليها، هو بيت القصيد الأساسي بما يخص لبنان، ومكمن فرق جديد يتعلق بـ”النهج السياسي الليبرالي”، وهو ما يريده صندوق النقد في لبنان. وتقول الأكاديمية سابين الكك حول هذا الموضوع إن الأزمات المصرفية هي في طبيعتها أزمات أخلاق وتقصير. وللأسف في لبنان المكلفين بحماية المودعين هم شركاء في الجريمة، فاختاروا حماية أنفسهم وشركائهم وأموالهم وممتلكاتهم على حساب شعب بأكمله.

 

المودع اللبناني هو من تحمل “الخسائر” بعكس المودع الأميركي

في بيان للرئيس التنفيذي لـ”وادي السيليكون” تيم مايوبولوس، قال إن “الأمر الأول الذي يمكنكم القيام به لدعم مستقبل هذه المؤسسة هو مساعدتنا على إعادة بناء قاعدة الودائع لدينا”، مضيفاً “سواء عبر ترك الودائع لدينا أو إعادة تحويل التي سحبت خلال الأيام الماضية”. وأضاف “نحن نفعل كل ما بوسعنا إعادة البناء ونيل ثقتكم مجدداً ومواصلة دعم اقتصاد الابتكار”. وأشار مايوبولوس إلى أن المصرف يقدم “قروضاً جديدة ويحترم التسهيلات الائتمانية القائمة بالكامل”، فيما أكدت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع أنها ستغطي جميع المودعين في مصرف “وادي السيليكون”، حتى بما يتجاوز سقف الـ250 ألف دولار من الوديعة المشمولة بالحماية. يقول المستشار القانوني الشحيمي، إنه ينبغي مراقبة طريقة التعامل الأميركية مع هذه الأزمة، على رغم عدم يقينتها المطلقة، من حيث سرعة التحرك الأميركي ولبنان الذي ما زال نائماً حتى الآن. تدخل القضائي الأميركي بتحقيقات سريعة، أما في لبنان فلا يوجد غير العراقيل القضائية والشرود القانوني. في الولايات المتحدة كان هناك ضمان للودائع بالدولار، فيما خسرت العملة الوطنية اللبنانية أكثر من 98 في المئة من قيمتها، إضافة إلى سرعة الشروع بخطط ما يسمى، طوارئ ما بعد الإفلاسات، والتوصل لرؤية لحماية المودعين، فيما لبنان غارق في كيدياته المعطلة لتطبيق ولو لخطوة واحدة لمعالجة مشكلته. ويشدد الشحيمي أن الأسباب مختلفة بين الأزمتين وعلى الدولة اللبنانية أن تفي ما عليها من ديون ومستحقات، بحسب قانون النقد والتسليف، وليس الهرب للأمام والتنكر لها، وتحميل المودع كل خسائره مع البنوك على رغم تواطؤ بعضها طبعاً. ويضيف أن الولايات المتحدة ضمنت ودائع الأفراد في “وادي السيليكون”، والتي تصل لحد 250 ألف دولار، في حين أن جميع حسابات الأفراد هي أقل، مما يعني لا مشكلة في التعويض عليهم. أما في لبنان فحصل العكس تماماً.

زر الذهاب إلى الأعلى