تحت الوصاية.. الدراما تكشف أضرار حرمان الأم من الوصاية على أطفالها
بقلم: منى رجب

النشرة الدولية –

من المؤكد أننا ما زلنا فى حاجة إلى تعديل تشريعات كثيرة لتحقيق المصلحة الفضلى للأطفال.. ومن المهم أن نعترف بأن كثيرًا من الأوضاع الاجتماعية فى حاجة إلى لفت النظر إليها، وإلى كشف عيوب فادحة تتسبب فى الأذى والقهر والظلم والعذاب للأطفال وللأم، بسبب بعض الأوضاع الظالمة لكل منهما، وهذا دور من الضرورى أن تقوم به الدراما فى الفترة المقبلة نظرًا لتأثيرها الجماهيرى الكبير على المشاهدين فى البيوت، وأنا أتوقف عند عنوان مقال كنت قد كتبته فى صحيفة «الدستور» مؤخرًا فى ١٤ مارس ٢٠٢٣.

 

وهذا العنوان هو: «فى شهر المرأة.. مسيرة نضالها مستمرة من أجل حقوقها»، وكان هذا العنوان دعوة جادة أتوجه بها لكل المسئولين ولكل من لديهم اهتمام بتقدم مجتمعنا وتوفير حياة كريمة للمرأة والطفل ولكل المؤسسات القومية والأهلية والجمعيات الأهلية التى تعمل فى مجال المرأة والطفل، حيث إننا لا بد أن نعترف بأننا فى حاجة إلى تغيير الكثير من الأوضاع الظالمة والكثير من القوانين التى ثبت فى تطبيقها على الواقع أنها فى حاجة إلى تعديل أو تغيير، وأن واقع الأمر أن مجتمعنا رغم المكتسبات التى حصلت عليها المرأة فإننا ما زلنا نعيش فى مجتمع ذكورى.. وفى مقالى أكدت قائلة: «إنه من الضرورى مواصلة مسيرة النضال والاستمرار فيها، حتى تتحقق المساواة التامة مع الرجل وحتى تتحسن أحوال المرأة فى كل أنحاء العالم».

 

ومن الإيجابيات المهمة التى حدثت فى الدراما المصرية خلال شهر رمضان المبارك أن الشركة «المتحدة» قدمت لنا عددًا من المسلسلات التى تناقش أوضاعًا ومشاكل تعانى منها المرأة فى بلدنا، ومن أهمها فى تقديرى مسلسل «تحت الوصاية» الذى يدور فى إطار درامى اجتماعى به بعض الإثارة والأكشن، والذى يكشف ويقدم العيوب الناتجة عن منح وصاية الأولاد فى حالة وفاة والدهم إلى الجد من الأب أو من يليه فى عصب الأب المتوفى للأطفال تحت سن الـ٢١ سنة، وتستمر هذه الوصاية حتى يبلغ الأطفال سن ٢١ سنة، وهذا يعنى حرمان الأم من وصاية أطفالها بعد وفاة زوجها.

 

وكشف المسلسل، بشكل واضح، عن رحلة العذاب التى تمر بها الأرملة التى توفى زوجها وترك لها أبناءً، حينما تُعطى الوصاية للجد من الأب أو لأحد الأقارب من عصب الأب، كما يوضح لنا المسلسل قدر الظلم والإجحاف والحرمان الذى يمر به الطفل الذى يكون الجد له اليد العليا فى تربيته واتخاذ قرارات مصيرية بشأن تربيته ومعيشته وكل شئون حياته فى حالة وفاة والد الطفل، كما يصور لنا المسلسل خطوة بخطوة مسيرة المعاناة والقهر والعذاب التى تحدث للأرملة بعد وفاة زوجها التى تجعل الحياة تبدأ بمأساة فقد الزوج، ثم محاولة الفكاك بطفليها من عذاب الحياة فى ظل وصاية الجد، التى تنتهى أيضًا بمأساة كبيرة، حيث يتم سجن الأم وتضطر إلى ترك ابنيها فى أيدى الآخرين فى سنوات طفولتهما، حيث يكونان فى أمس الحاجة لرعاية وحنان وحب الأم، وتدور الأحداث حول هذه المرأة «حنان» التى تقوم بإعالة طفليها من خلال امتلاكها مركب صيد، وتعمل فى توريد السمك والجمبرى.

 

إلا أنها تواجه حياة صعبة مليئة بمشاكل ومنافسات وخلافات مستمرة من محيطها الأسرى لعائلة زوجها المتوفى، ومحيط عملها الشاق الملىء بالأخطار والمكائد والمؤامرات، وهكذا يجد المُشاهد نفسه وسط رحلة عذاب للأم الوحيدة وطفليها، وتهرب من قبضة أسرة الأب المتوفى وتحكُّمهم فى مصير ابنها الطفل الصغير وابنتها الرضيعة، وسوء تصرفهم معها فى كل شئونهما وشئونها، ويكتشف المشاهد خلال هذا عيوب التشريع الخاص بالوصاية على الطفل اليتيم من خلال أحداث متصاعدة ومتشابكة ومأساوية للأرملة وطفليها، وهى أحداث تدمى القلب لكنها كاشفة عن حقيقة مؤلمة فى واقعنا.

 

وتم اختيار طاقم عمل مناسب فى تقديرى للمحيط الذى تجرى فيه الأحداث، سواء وسط بيئة الصيادين الكادحين، أو بلطجية السوق وكبار التجار وذوى النفوذ الذين يحيكون المكائد لإقصاء الأرملة المكافحة من العمل بهذا المجال، وأيضًا جاء اختيار شخصيات عائلة الزوج مناسبًا، حيث يصور بيئة فقيرة فى حى شعبى ليس لديهم وعى كافٍ برعاية المرأة وطفليها، بل من بينهم شقيق الزوج الفاسد «صالح» الذى يحاول الاستيلاء على مركب الصيد، ويدبر الخطط الجهنمية للقضاء على أرملة أخيه المتوفى، ويظل يتعقبها بوسائل مليئة بالشر والجرائم والاستعانة بالبلطجية حتى يتم القبض عليها فى النهاية، ويصدر الحكم بسجنها وفقًا لمقتضيات القانون، بغض النظر عن مبررات هربها بطفليها من جحيم أسرة الزوج المتوفى أو تعرضها لجرائم شقيقه.

 

تقوم ببطولة المسلسل الفنانة منى زكى التى غيّرت من جلدها تمامًا، بقدرات فنية جديدة وبدور جديد «حنان»، وهو دور جديد استدعى أداءً مختلفًا عما قدمته من قبل شكلًا وموضوعًا، وهى تتقمصه بأداء طبيعى وعالى المستوى، ومن الواضح أنها درست الشخصية فتوحدت معها، وقدمتها بشكل متقن، وبأداء يعبر عن صعوبة وقسوة المعيشة فى مجتمع ذكورى وصراعات تحاصرها من كل جانب، وهى تعبر عن كل هذا من خلال عيون حزينة ووجه متعب ومرهق قهرته المصاعب والمشاكل المتتالية، فهى بلا مكياج وبملابس رثة، وتسير بتعثر مثلما تسير الأم المنهكة تحت وطأة ظروفها القاسية، وتنوء بحملها الثقيل وبمسئوليتها الشاقة كامرأة وحيدة بطفلين، لكنها أيضًا لا تستسلم بل تحاول النضال لإعالة طفليها.

 

وفى تقديرى أنه من أفضل المسلسلات التى قُدمت فى الماراثون الرمضانى، وتأتى منى زكى فى أدائها بعد نيللى كريم فى مسلسل «عملة نادرة»، وهو أفضل أدوار منى زكى التى أبدعت فى تقمص شخصية الأرملة «حنان» التى تواجه فى المجتمع فى كل لحظة عذابًا ومعاناة وصراعات ومكائد وطمعًا فيها وأخطارًا تفوق قدراتها من الجميع، باستثناء بضعة أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، وأولهم عم ربيع «رشدى الشامى»، الصياد الفقير الذى يساعدها ويشفق عليها، ويُقتل أيضًا على مركب الصيد على يد بلطجية عم الطفلين محمد دياب «صالح»، وزكريا المدرس «أحمد خالد صالح» الذى يتعاطف معها ومع حالتها.

 

وقام الفنان رشدى الشامى بدور عم ربيع الصياد الفقير الذى يتعاطف مع حنان، وأدى دوره ببراعة وتمكن، وأرى أنه فنان قدير يمسك بزمام الشخصية التى يؤديها، ما جعل المشاهد يتعاطف معه، وهو بصيص أمل للمرأة الوحيدة بأنه يوجد بالمجتمع الذكورى والقاسى على المرأة التى تعيش بمفردها وسط الرجال، رجال تتسم قلوبهم بالطيبة والرحمة والأبوة بعيدًا عن فساد الكثيرين، ويأتى دور محمد دياب «صالح»، شقيق الزوج المتوفى الذى يجسد الشر اللانهائى والفساد فى أسوأ أشكاله والانحراف اللعين، والمنزوعة الرحمة من قلبه، والذى يطارد حنان بلا رحمة، ويحيك الدسائس والمكائد لتدميرها، والاستيلاء على مركب الصيد بأى ثمن، وأدى دياب دور المنحرف الشرير بإتقان إلى حد أن المشاهد كرهه، وتمنى له نهاية سيئة.

 

كما برز دور أحمد خالد صالح فى دور المدرس «زكريا»، الذى بدا قاسيًا فى البداية، لكنه تعاطف مع حنان وعذاباتها ورعايتها طفليها، وأدى دوره بشكل طبيعى، إلا أن المسلسل لم يقدم لنا أى لقطات رومانسية لمشاعره ناحية حنان وتعاطفه معها، وحتى يعطى المسلسل بعضًا من ضوء الحب وسط عتمة المكائد، وأيضًا برزت مها نصار فى دور «سناء» شقيقة «حنان» وهى تشبه شقيقتها فى ملامحها، وتميزت فى أدائها بشكل طبيعى وسلس، حيث قامت بدور الشقيقة الحنون من بيئة فقيرة شعبية، لكنها تمتلك شهامة السيدة المصرية الأصيلة، وأتنبأ لها بأدوار أكبر فى مسلسلات قادمة، ويقوم بدور الطفل «ياسين» ابن حنان الفنان الصغير عمر شريف، وهو طفل موهوب فنيًا، يؤدى دوره بطبيعة فائقة، وهو فى رأيى سيلمع فى المستقبل، لأنه ينم عن موهبة فنية لها مستقبل صاعد فى دنيا الدراما.

 

والحقيقة أن هذا المسلسل يعتبر من المسلسلات الناجحة التى جذبت المشاهدين بحلقاتها الـ١٥، والتى استطاع المؤلفان «خالد وشيرين دياب» أن يقدما لنا من خلاله دراما اجتماعية مختلفة تدور فى مناخ مختلف وبيئة مختلفة هى بيئة وحياة وصراعات الصيادين فى الموانئ، وقد تكون هى المرة الأولى التى نراها بهذا الشكل المركز فى الدراما التليفزيونية، لأنها تقدم نماذج أخرى من البشر ومن الفئة الاجتماعية التى تعيش من مهنة الصيد، وصعوبة الحياة ومشقاتها بالنسبة للمرأة الوحيدة التى تعيش وتعمل وسط هذا المحيط الصعب والقاسى، ومعها طفلان، طفلة رضيعة «فرح»، وطفل يبلغ من العمر ٩ سنوات «ياسين»، ما يجعل من هذا المسلسل نوعية جديدة من الدراما الاجتماعية الواقعية التى تثير حب الاستطلاع لدى المشاهدين.

 

كما يكشف عن قهر الفئات الدنيا وغياب الوعى بالقانون أو بالسلوك السليم أو بالقيم، وجبروت مكائد حيتان السوق الكبار الذين يتحكمون فى الخلق والأسعار وسط عالم الصيادين.. كما يوضح لنا أن هناك حاجة إلى نظرة لتغيير قانون الوصاية الحالى الذى يعطى الوصاية لناحية عصب الأب، وأعتقد أنه فى حالة فقدان الأب، فإن الأولى أن تذهب الحضانة أو الوصاية إلى الأم بشكل طبيعى، لأنها الوحيدة القادرة على رعاية الأطفال فى سن صغيرة.

 

ويؤكد المخرج محمد شاكر خضير بهذا المسلسل أنه مخرج من الطراز القدير والجسور، حيث يدخل إلى عالم الصيادين ومراكب الصيادين وأهل البحر فى منطقة دمياط، وهو عالم لم تتطرق إليه الدراما المصرية بهذا الشكل المركز من قبل، وفى تقديرى أنه لا بد من أنه عكف على البحث فى تفاصيل حياة الصيادين لكى يقدم لنا مسلسلًا يتسم بدرجة عالية من الإتقان، حيث استطاع أن ينقل لنا الأحداث بشكل واقعى أقرب إلى حقيقة البيئات الفقيرة فى دنيا الصيادين والشباب الكادحين الذين يعملون على المراكب، والذين يحاول بعضهم مواجهة صعوبة الحياة أحيانًا بأساليب ملتوية، وفى بيئة قاسية يحاول أن يعيش منها لأنه لا يعرف أى مهنة أخرى.

 

وهناك بعض الزوايا فى الإخراج قدمها المخرج بشكل جديد، منها لحظات الخوف التى تنتاب الصيادين فى لحظات الخطر، والمشاجرات على ظهر المركب، وتصوير المراكب من أعلى ومن داخلها، وبيوت الفقراء فى الأحياء الفقيرة بالمدينة، مثل منزل «حنان» الذى هربت إليه، وهى مشاهد لا تتسم بديكورات غنية أو جماليات الصورة، إلا أنها تنم فى تقديرى عن براعة المخرج فى جذب المشاهد إلى الأحداث السريعة، وتعاطفه مع البطلة «حنان» رغم فقر الجماليات المطلوبة فى الصورة الدرامية التى تظهر على الشاشة.

 

ولدىّ ملاحظة على نهاية المسلسل أنها قد جاءت مقتضبة ومبتورة، وكان يمكن للمخرج أن يبيّن لنا صدمة الأم «حنان» من الحكم عليها بالسجن، وصدمة شقيقتها «مها نصار»، لأن المشاهد كان قد تعاطف مع مشهد «حنان»، حينما طلبت الكلمة مع القاضى قبل إصدار الحكم، وهنا أيضًا جاءت الكلمة ضعيفة وهزيلة، لا تتناسب فى تعبيرها عن مأساة القهر والمعاناة والعذاب الذى عاشته حنان طوال المسلسل.

 

أيضًا كان هناك بعض ثغرات فى الانتصار الصارخ للانحراف والشر، وكان من الممكن أن نرى نهاية سيئة «لصالح» المنحرف الذى يمثل كتلة من الشر، وأفلت بكل جرائمه وأفعاله وفساده وانحرافاته، والذى قد انتصر على حنان فى النهاية انتصارًا ساحقًا، ولم يوبخه أحد أو يفضح جرائمه أحد، فالكل سلبى أمامه، والكل ضعيف ومهزوم أمامه، ما يشكل صمتًا وضعفًا من الجميع تجاهه، وكان يمكن تلافى إفلاته بأفعاله، بتلقى جزاء نظير قتل «عم ربيع» وأعمال البلطجة والانحراف المستمر فى كل لقطة وتجاه الجميع.

 

وكان يمكن أن نرى رد فعل غاضبًا- أو ثورة طفل دُمرت أمه- من الابن الصغير «ياسين» تجاه شرور عمه، أو أن نرى موقفًا أكثر رفضًا له من شقيقة حنان «سناء»، أو زوجها، إلا أن الشر قد انتصر بشكل فج ومُحزن للمشاهد، وكأنه أمر طبيعى، وكان لا بد من مشاهد رافضة للشر من جانب مؤلفى القصة التى أوجعت قلوب المشاهدين من أولها، وحتى مشهد النهاية، بينما كنا نريد أن نرى بصيص أمل يجعل المشاهد يتقبل النهاية المأساوية الصادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى