لماذا فقد لبنان مكانه في العالم ومكانته في الإقليم؟
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

لم يشعر اللبنانيّون يومًا أنّهم أصبحوا على قارعة الأمم كما يشعرون، حاليًا، فهم مهمّشون حتى في القضايا التي يدفعون ثمنها غاليًا.

ووصل هذا الشعور إلى أوجه، بعد اجتماع عمّان الخماسي الذي بحث فيه وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن مع نظيرهم السوري في ملفين يدخلان في صلب الاهتمام اللبناني: عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم ومكافحة تهريب المخدرات.

تغييب لبنان عن هذا الاجتماع وعن غيره بات يشكّل عبئًا معنويًّا كبيرًا، ليس على حاضر لبنان فحسب بل على مستقبله، أيضًا، انطلاقًا من قناعة راسخة بأنّ مصير “بلاد الأرز” يرسمه الآخرون، بحيث يذهب “فرق عملة” إذا اتفقوا ويدفع أثمانًا غالية، إذا اتفقوا.

ولا يُلام الآخرون على طريقة تعاطيهم هذه مع لبنان، لأنّ الجميع على قناعة راسخة بأنّ مسؤوليّة تهميش لبنان ملقاة حصرًا على قياداته الرسمية والسياسيّة عمومًا، وعلى “حزب الله” خصوصًا.

وتتقاطع مصادر دبلوماسيّة عربية وأوروبية على التأكيد أنّ لبنان فقد مقعده في المجتمع الدولي، عندما حوّله المسؤولون فيه إلى دولة صوريّة، ففيما يقفون عاجزين عن إنجاز أدنى واجباتهم الدستورية كانتخاب رئيس للجمهورية، يرضون – ولو صدرت أصوات اعتراضية من هنا أو هناك – أن يكون قرار الحرب والسلم بيد “الحرس الثوري الإيراني”، وأن تخترق سيادة البلاد معابر خاصة بتهريب البشر والممنوعات والأسلحة والبضائع وتوضع بعهدة “حزب الله”.

ولفتت هذه المصادر إلى أن لا مكان للبنان على طاولة القرار الإقليمي، فمسؤولوه الرسميون كما بيّنت التجربة أعجز من أن يقدموا جوابًا عن إشكاليّة واحدة، فهم إن سُئلوا عن المواجهة مع إسرائيل تركوا الجواب لـ”حزب الله”، وإن سُئلوا عن المعابر غير الشرعية التي تجلب للبنان الويلات وتصدّر للدول الأخرى ويلات أخرى تحدّث عجزهم المتمادي عنهم، وإن سُئلوا عن طريقة معالجة ملف اللاجئين السوريّين شتموا الغرب وكرروا، ببغائيًا، مقولات النظام السوري الذي يريد الصديق قبل العدو، أن يغيّر نهجه المنتج للمآسي.

ولأنّ الوضع اللبناني كذلك، فإنّ أحدًا لا يأخذ مكانة لبنان في عين الاعتبار، لإدراك الجميع أنّ الجدوى التي يمكن الحصول عليها من هذا البلد تتمّ عبر طريق من اثنين: الإقفال عليه، وفق ما فعلت المملكة العربية السعودية عندما أوقفت كل المستوردات منه لمكافحة تهريب حبوب الكبتاغون منه إليها، أو التفاهم مع دول قادرة على التأثير على “حزب الله”، مثل ما هي عليه وضعية إيران.

وعليه، فإنّ لبنان بات في نظر الدول الإقليمية، إمّا مصدر استغلال، وهذه حال محور الممانعة معه، وإمّا نقطة إهمال، وهذه حاله مع الرياض، فيما تتعاطى فرنسا معه، على أساس أنّه مصدر نفوذ لها في الضفة الشرقية لحوض البحر المتوسط، ولذلك تلجأ إلى “قطف النتائج” من خلال شراكة خفيّة مع الطرف الأقوى فيه، أي “حزب الله”، وتتعاطى الولايات المتحدة الأميركية معه، “على القطعة”، مركزة حصرًا على الملفات التي تهم نفوذها في المنطقة، ولذلك فهي لم تضع ثقلها منذ سنوات طوال إلّا في ملف واحد، وهو الترسيم الحدودي البحري مع إسرائيل.

وفي اعتقاد كثيرين في الداخل والخارج أنّ وضعية لبنان هذه لن تتحسّن إلّا يوم يحسّن هو نظرته إلى نفسه، وهذا يقتضي أن ينجز، بنضوج غير متوافر حتى تاريخه، مهمة إعادة بناء السلطة التي ستكون مستحيلة من دون انتخاب رئيس “معقول” للجمهورية، وتشكيل حكومة قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي بمرجعياته السياسية والاقتصادية والمالية، وأن يحيي الدولة من جديد فتمسك بسيادتها لتكون على قدر كلمتها.

وحتى إنجاز هذه المهام لن يكون للبنان مكانة لا إقليميًّا ولا دوليًّا، لأنّ هذه المكانة تصنعها الوقائع وليس الشعارات التي تصدح بها حناجر بائعي لبنان على رصيف الأمم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى