في غزة .. وهن القوة وقوة الوهم!
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
توقف العدوان على غزة في العاشرة من مساء السبت بعد خمسة أيام من القصف المتواصل واستخدام أحدث القنابل الأميركية الذكية لاصطياد القيادات الميدانية لحركة الجهاد وتدمير القدرات اللوجستية لها، توقف العدوان بفضل الصمود الأسطوري للمقاومة وبفضل الجهد الاستثنائي لمصر الذي تكرس لحرمان تل أبيب من التشدق بالانتصار.
فمنذ عام 2005 أي منذ خروج الاحتلال من القطاع إلى يومنا هذا شن الاحتلال 18 عدواناً على القطاع استخدم فيها كامل قوته النارية، والنتيجة التي يجب أن يتوقف عندها أي باحث أو محلل سياسي هي أن الاحتلال وطوال تلك السنوات لم ينجح في انهاء القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية وبخاصة «حماس»، والنتيجة الاخرى أن الاحتلال اكتشف وبعد سنوات من العمل وبكامل طاقته في المجال العسكري والأمني والاستخباري أن «حماس» لم تعد هي التنظيم المسلح القوي في القطاع وتفاجأ بأن حركة الجهاد الإسلامي بات قوة ثانية في الساحة الفلسطينية كقوة مقا?مة ليس في القطاع فحسب، بل في الضفة الغربية وتحديداً شمالي الضفة الغربية على الحدود مع مناطق 1948 التي تعد الخاصرة الرخوة لدولة الاحتلال والتي يتم تهريب السلاح والتسلل وتنفيذ العمليات العسكرية داخل الكيان من خلالها.
هذا العدوان هو الثالث ضد «الجهاد» ولا أعتقد أنه سيكون الأخير، الأول كان تحت مسمى «الحزام الأسود» في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2019 والثاني كان تحت مسمى «بزوغ الفجر» في آب/أغسطس 2022، والثالث كان هذا العدوان المسمى «درع وسهم».
في تقييم ما جرى من الصعب تجاهل السبب المباشر الذي دفع نتنياهو لاتخاذ قرار شن هذا العدوان على قطاع غزة وتحديداً على قيادات حركة الجهاد، والمتمثل في ارضاء بن غافير وسموتيريش وتنفيذ مطلبهما بشن هجوم كاسح على حركة الجهاد واغتيال قياداتها في القطاع وإلا فانهما وحزبيهما لن يصوتا على الميزانية وسينسحبا من الائتلاف الحكومي، وهو ما يعني سقوط، وهو ما يعني أيضاً فشل خطته في تقويض المنظومة القانونية واجراء التعديلات عليها ليضمن حصانته وعدم ذهابه للسجن.
هذا الدافع «المفضوح» لنتنياهو عزز لدى الشارع الإسرائيلي غير المتدين والذي يتظاهر ضد نتنياهو منذ عدة أشهر بأن الأخير لا يعير أي اعتبار لما يسمى بالمصلحة العامة، وأن مصلحته الشخصية تعلو وتسمو على أي اعتبار، ولا لما جرى لمدن الاحتلال التي عاشت وعلى مدى خمسة أيام تحت وابل من الصواريخ على مدار الساعة بكثافة غير مسبوقة تسببت بتعطيل شبه كامل للحياة فيها.
والآن وبعد توقف المواجهة العسكرية نجد أن هناك عدداً من النتائج أظهرت مدى تآكل قوة الردع الإسرائيلي أمام المقاومة الفلسطينية ومن أبرزها:
- ترسيخ قطاع غزة كقوة مقاومة متنامية لم يعد الاحتلال قادراً على انهائها بذات الوسائل المستخدمة منذ عام 2005 إلى اليوم.
- فشل الاحتلال في دق اسفين بين حركتي حماس والجهاد خلال هذا العدوان حيث راهن على ذلك، وتفاجأ بفاعلية وقوة فصائل المقاومة والتنسيق بينها من خلال الغرفة المشتركة والتي أشرفت على مجمل عملية التصدي للعدوان.
- اكتشف الاحتلال القدرة الكبيرة لحركة الجهاد ومعها بقية الفصائل على تصنيع الصواريخ ومنها البعيدة المدى التي وصلت تل أبيب والقدس، وهو الذي كان «يتبجح» ومنذ سنوات وبعد كل عدوان أنه أنهى القدرة القتالية للمقاومة وبخاصة الصاروخية منها (أطلقت المقاومة 1469) صاروخاً أي بمعدل 293 صاروخ يومياً.
- أما سياسياً فقد ظهر نتنياهو كالعادة أمام الشارع الإسرائيلي (كمخادع وكاذب) ولهذا ثمن غال، فبعد تصريحاته وعلى مدى أيام بأنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار إلا بعد القضاء على قدرة «الجهاد» على إطلاق الصواريخ أي «الاستسلام»، أطلقت حركة الجهاد العشرات من الصواريخ قبيل وبعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بدقائق في رسالة مفادها أنها ما زالت قادرة ولديها خزينها من الصواريخ، أما الكذبة الاخرى فهي تصريحاته بأنه لن يوقف سياسة الاغتيالات وهي النقطة الواضحة في نص الاتفاق المكون من ربع صفحة و57 كلمة والفقرة تقول (وقف?استهداف المدنيين وهدم المنازل وأيضاً وقف استهداف الأفراد) والأفراد هنا تعني الشخصيات القيادية.
من المؤكد أن (وهن القوة) الذي يعيشه الاحتلال في غزة سيحاول تعويضه في الضفة الغربية، وهناك أيضاً سيعيش مرة اخرى (وهم القوة).