عودة سوريا.. والنظام العربي الجديد!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

ثبت أن طبيعة النظام العربي وواقعه الجيوسياسي لا يستطيعان ممارسة عقوبة المقاطعة للدول الوازنة فيه وبخاصة في المشرق العربي، والعجز هنا ناتج عن سببين اثنين الأول وكما أشرت يعود إلى طبيعة الواقع الجيوسياسي والترابط العضوي بين الدول كموسسات منذ مطلع القرن العشرين، أما العامل الثاني فيعود للتشابك الديمغرافي – والتاريخي والقيمي فيما بينها.

الحالة الأولى كانت مقاطعة العرب لمصر وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية عام 1979 بعد خمسة أيام من توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع «إسرائيل» وهو التجميد الذي استمر لعقد كامل رغم خرقه من قبل بعض الدول العربية ومنها العراق والأردن وفلسطين وسلطنة عمان قبل هذا التاريخ بسنوات، أما الحالة الثانية فكانت سوريا والتي قوطعت على خلفية الأزمة السورية الداخلية عام 2011 وتم الغاؤه بإعادتها للجامعة مؤخراً بعد 12 عاماً.

كان لعودة مصر للجامعة العربية بالصورة التدريجية التي عادت بها ثلاثة عوامل، الأول كان الغزو الإسرائيلي لبنان واحتلال بيروت وطرد المقاومة الفلسطينية منها وهو ما تغطى به الراحل ياسر عرفات وخرق بحجته تلك المقاطعة بزيارته التاريخية المفاجئة للقاهرة عام 1983، والعامل الثاني كانت الحرب العراقية – الإيرانية واقتراب القاهرة وعمان من بغداد، أما العامل الثالث والحاسم فقد كان الغزو العراقي للكويت اغسطس 1990، وكان لكل عامل من تلك العوامل مفاعيله ومؤثراته، حيث انتهت تلك الحقبة ببناء تحالف سعودي – سوري – مصري أخذ يهيمن ع?ى القرار الرسمي العربي في تلك الفترة إلى بداية الألفية الثانية، غير أن هذا التحالف ما لبث أن تفكك ودبت بين أضلعه الرئيسية الخلافات العميقة بعد جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري وتوجيه الاتهام لسوريا.

لم يبق المشهد على حالة السوء التي نتجت عن استشهاد الحريري بل ازدادت بعد البدء بتطبيق نظرية كوندليزا رايس المسماة «الفوضى الخلاقة» التي ورثتها إدارة الرئيس أوباما عن إدارة الرئيس بوش الابن تحت عنوان آخر هو (الربيع العربي) الذي ضرب النظام العربي الرسمي برمته بمقتل.

لا أريد الإطالة في السرد التاريخي، فما أوردته كان بهدف تسليط الضوء على خارطة التحولات السريعة في العلاقات العربية – العربية خلال الثلاثة عقود الماضية والتي وصلت اليوم وبعد عودة سوريا للجامعة العربية وقمة جدة إلى مرحلة جديدة وبتفاهمات جديدة قادرة على بناء تحالفات متوقعة تنقل الوضع العربي إلى مرحلة من النهوض والتعاون قد تستمر لعقد أو أكثر، ومن أهم العوامل التي ساهمت في تحريك المنظومة العربية باتجاه حالة من التفاهم ما يلي:

  • الاستدارة السعودية باتجاه الصين والبدء «بتشبيك» المصالح الاقتصادية معها على المستوى الاستراتيجي في ظل «تناقض المصالح » في العلاقة بين الرياض وواشنطن وعلى أكثر من مستوى.
  • النجاح الصيني في إنجاز المصالحة السعودية – الإيرانية التي سرعان ما ألقت بظلالها على مجمل الإقليم.
  • البناء على المبادرة الأردنية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، والتي كان من أبرز نتائجها حضور الرئيس بشار الأسد إلى قمة جدة.
  • ضعف الإدارة الأميركية الحالية وتراجع قيمة الشرق الأوسط في حساباتها بعد عام من الحرب في أوكرانيا وتحول جل اهتمامها باتجاه إضعاف موسكو وهزيمتها في تلك الحرب، بالإضافة لتركيزها حاليا على المعضلة الاقتصادية المالية المتمثلة بالتضخم القياسي ومشكلة سداد الديون.
  • باتت السعودية وبحكم ثقلها الجيوسياسي والتاريخي والاقتصادي وإعادة تموضعها قادرة بالتنسيق والتناغم مع الاردن على إعادة ترميم المنظومة العربية بشكل يعطي العرب قدرة كبيرة على صياغة قواعد تفاهم مع تركيا وإيران وهما البلدان الكبيران والجاران للجغرافيا العربية المشرقية واللذان يشكل التفاهم معهما وعلى قاعدة تبادل المصالح منفعة كبرى وتاريخية لكل الأطراف، قادرة على نقل الإقليم برمته إلى مرحلة من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي.
  • باتت الرياض وبحكم الوضع السابق المشار إليه قادرة على لعب دور مهم في الأزمة الأوكرانية ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقال، وحضور زلينسكي قمة جدة خطوة رمزية في هذا الاتجاه.

في التقدير الاستراتيجي فإنه وبناء على تلك المعطيات فهناك إمكانية لبناء محور عربي يشكل رافعة للنظام السياسي الرسمي يضم الأردن والسعودية ومصر والعراق وسوريا ولبنان بشكل أساسي، ومن شأن هذا المحور التاثير الفعلي في مجمل القرارات الاستراتيجية العربية للعقد القادم.

من أهم ملامح المرحلة القادمة.. غياب الاعتبار للرضا الأميركي من عدمه في السلوك السياسي لدى أغلب الأطراف، تراجع متوقع في العلاقات مع دولة الاحتلال.

زر الذهاب إلى الأعلى